[ تزايدت عملية السطو على الأوقاف بعد وصول الحوثيين للمحافظة ]
يواصل "الموقع بوست" فتح ملف قضايا الأراضي بمحافظة إب اليمنية عبر نشره لسلسلة تقارير توضح جوانب المشكلة وأبعادها المختلفة كونها معضلة متواصلة وحرب غير معلنة راح ضحيتها وما يزال الكثيرون من قتلى ومصابين ويتامى وأرامل، فهي حرب طويلة لا ينتهي مداها ولا تخمد نيرانها، ومنذ عقود ما تزال قضاياها مستمرة ومشاكلها قائمة ومتجددة.
وكنا قد تناولنا في مستهل فتحنا لملف قضية الأراضي في تقريرنا السابق نماذج للتلاعب بالمخططات الحيوية العامة وتغييرها لصالح نافذين، وأشرنا لغرفة عمليات في السلطة المحلية تتحرك وتتلاعب بالأراضي العامة والخاصة وحتى أراضي الأوقاف التي سنتناولها في تقريرنا هذا لفضح جانب كبير وهام بل ومقدس لدى اليمنيين والمسلمين عموماً.
ثلثا مساحة المحافظة
بحسب مصادر رسمية في هيئة المساحة والسجل العقاري ومكتب الأوقاف بالمحافظة، فإن إجمالي مساحة أراضي الأوقاف تشكل ثلثي مساحة المحافظة البالغة 5552 كيلومتر مربع، وهو ما جعلها مطمعاً للناهبين عبر السنين، وتزايدت في عهد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، الذي حول المحافظة إلى اقطاعيات، موزعة بين المشايخ الموالين له، وجعل إدارتها مكافأة لمن يريد من المسؤولين، ولم تحظ بصاحب نزاهة طيلة ثلاثة عقود، إلا لفترات قليلة كفترة صالح عباد الخولاني، أو جزء من فترة عبدالقادر هلال رحمه الله.
في الصدارة
تتصدر قضايا التلاعب بأراضي الأوقاف بمحافظة إب نظيراتها من قضايا الأراضي الحُر أو أملاك الدولة، نظراً لحجم المساحة التي تشكلها والبالغة ثلثي مساحة المحافظة.
وتنتشر أراضي الأوقاف في كامل مناطق المحافظة سواء وقف عام يتبع الدولة أو وقف خاص يتبع أسرة (كالوقف الراجحي)، أو وقف جهة معينة، كمساجد، أو مؤسسات خدمية، أو خيرية كتعليم القرآن والفقه، وغيرها من الخدمات الوقفية.
اقرا ايضاً عن: تلاعب واسع بالأراضي في إب وغرفة عمليات تدير التزوير والعبث
مصارف تجتاز الحدود
العجيب في مصارف الوقف في محافظة إب أنها لم تخصص للشؤون اليمنية فقط، بل تجاوزت حدود الجغرافيا اليمنية بكثير.
فتجد إلى جانب المشهور من وقفيات الأراضي لصالح العلم والعبادة من بناء وخدمة مدارس القرآن والمساجد واحتياجاتها، بدءاً من البناء، ومن ثم الاعتناء بتوفير الخدمات، من ماء وإنارة ونظافة، وصولاً إلى تقديم مأوى وغذاء لمن يلوذون بها من عابري السبيل والمحتاجين.
إلا أنك تجد من عجائب ما خصصت له أراضي الوقف بمحافظة إب تعدى الاهتمام المحلي والوطني، فتجاوز حدود المحافظة واليمن برمتها، ليخصص في اهتمامات على مستوى الأمة الإسلامية، فهناك أوقاف خصصت لخدمة حجاج بيت الله الحرام منذ ذهابهم وحتى عودتهم، من توفير للغذاء، وتعبيد للطرق، وتقديم المؤن وحتى الراحلة، وكذا أوقاف خصصت لصالح القدس الشريف، في أقصى شمال الجزيرة العربية، وغيرها من الأوقاف لمساعدة سفر طلبة العلم لمختلف الأرجاء.
فساد بلا حدود
تحول دور مكتب الأوقاف بمحافظة إب من راعي للأوقاف ومنسق ومشرف وجامع لمواردها، وحارس أمين لتوزيعها على ما أوقفت له، إلى بؤرة فساد تقوم بنهب الموارد، وتحويل المصارف، بل والأخطر من ذلك التفريط في الأوقاف وأراضيه، حيث أثبتت الوثائق وجود عمليات تلاعب خطيرة يمارسها مكتب الأوقاف، من خلال إخفاء وثائق الوقف والاتفاق مع نافذين بمصادرة أراضي وقف ثم عند رفع الموضوع للقضاء يتم طلب إثبات وقفية الأرض، فيعجز المكتب عن ذلك متعمداً بعد اخفائه للوثائق، وبالتالي يستحكم الطرف الآخر، حسب اتفاقه المسبق مع قيادة المكتب.
بما أن موضوع تقريرنا هو أراضي الأوقاف فلن نتوسع في فساد مكتب الأوقاف والذي يحتاج ملفات وتقارير خاصة به ولكننا سنتطرق هنا في الفساد المرتبط بالأراضي الموقفة.
تلاعب بالإيجارات
زادت عملية التلاعب بالإيجارات لأراضي الوقف، بدءاً من المساحات والأثمان، مروراً بالتنازلات والتبادلات التي تبلغ أسعارها أسعار الحُر، وصولاً إلى مصارف تلك الإيجارات والعائدات من غلول وخلافه.
فبعد التلاعب بالإيرادات، عمدت إدارة الأوقاف إلى التلاعب بالإيجارات للأراضي، عبر التلاعب بمستنداتها من حيث المبالغ المذكورة رسمياً والمتفق عليها شخصياً بعيداً عن الأوراق، كل ذلك إلى جانب تبديد مصارف الوقف في غير ما خصصت لها من خدمة للمساجد والمدارس وما إلى ذلك فيما يخص تحفيظ القرآن الكريم وعلوم الفقه وأمور الدين.
يعيش مكتب أوقاف إب فسادًا إداريًا جعل من أراضي الأوقاف مرتعاً للفاسدين، ومن عائداتها المالية غنائم مستباحة، يشرف على توزيعها مديراً تم تفصيله بما يناسب لوبي الفساد منذ قرابة عقد من الزمن.
وأصبحت مهمته في ظل سلطة المليشيا مجرد ناظر خزانة يقوم بصرف ملايين الريالات شهرياً لعتاولة فساد مليشيا الانقلاب وفقاً لتوجيهات سلطاتهم.
وبحسب كثير من أوامر الصرف، فإن مصارف الأوقاف تحولت في عهد المليشيا إلى غنيمة لكبار المفسدين ابتداء من مصروفات تنقلاتهم، وتمويل وقود سياراتهم، وحتى أجور ولائم المطاعم لقياداتهم، أو تغذية مسلحيهم، وصولاً إلى قيمة القات التي تتحملها خزينة الوقف، في مخالفة جسيمة وخيانة عظيمة لما خصصت له تلك الأوقاف.
وثائق
وحصل "الموقع بوست" على وثيقة عبارة عن خطاب من مكتب الأوقاف بالمحافظة تعترف بوجود اعتداء على إحدى المقابر في مديرية الظهار التي تحتل نصف مدينة إب عاصمة المحافظة وأجزاء من ضواحيها.
وثيقة ثانية ممهورة بتوقيع وختم رئيس نيابة استئناف المحافظة يطلب فيها من مدير مكتب الأوقاف المثول أمام النيابة في قضية إخفاء وقفية سهلت نهب أرضية أوقفتها إحدى النساء لوجه الله غرب مدينة اب.
الأمر الذي يؤكد تواطؤ مكتب الأوقاف في إخفاء الوقفيات وعدم إبرازها أمام القضاء ليسهل على الناهبين مصادرة الأرض بعد الاتفاق مع المكتب.
وثيقة ثالثة تكشف توجيه مدير الأوقاف بتنفيذ طلب أحد النافذين بدفع فاتورة تنجيد سيارته وقيمة بطارية كونه متعاون مع المكتب بحسب تعبير المدير، وهو ما يثبت ما ذكره التقرير حول تحويل أموال الأوقاف إلى مصروفات مالية، وتسخيرها لخدمة النافذين.