[ صورة عامة لعدن ]
تحولت مساجد العاصمة المؤقتة عدن، لساحات صراع وإقصاء تنفذها إدارة مكتب الأوقاف بعدن، منتهجة أسس مذهبية ضيقة، ستعود بالتدمير على النسيج الاجتماعي وتفككه، كما يراها السكان هناك.
حيث يواصل مدير مكتب الأوقاف بعدن محمد الوالي تنفيذ مخططه الداعي للسيطرة على مساجد العاصمة المؤقتة عدن، وتنحية الأئمة والخطباء المخالفين له فكريا، وجلب آخرين بأسلوب مشابه للذي اتخذته سلطات الحوثيين الطائفية عند سيطرتها على صنعاء في سبتمبر من العام 2014.
مسلسلٌ بدأهُ مدير مكتب الأوقاف بعدن محمد الوالي منذ مطلع العام 2016 وطال أكثر من 30 إماماً وخطيباً، استخدمت خلالها القوة المفرطة لتثبيت الأئمة والخطباء الجدد المعينين، في مشهد لم تعهده مدينة عدن المعروفة بتعايش الثقافات والأديان على مر تاريخها العتيق.
ولم تستثني سياسة الإقصاء التي ينتهجها مدير أوقاف عدن حد التيار الصوفي، والتيار المنتمي لما يعرف بالإسلام السياسي، بل وصل به الأمر إلى إقصاء تيارات وفصائل سلفية مخالفة لمدرسته الفكرية، والعاملةِ بمجال الجمعيات، وفي مقدمتها جمعيتي الحكمة والإحسان.
ونفذت آخر قرارات الإقصاء بحق اثنين من مساجد مديرية التواهي، يوم الجمعة الفائت 3 مارس 2017، وهما مسجدا الرحمة والجبرتي، حيث تمت العملية بشكل بنجاح دون أي عراقيل، فقد تم فرض الخطيبين الجدد بقوة الأطقم العسكرية والمدرعات اللاتي ظلت مطوقة للمسجدين حتى انتهاء صلاة الجمعة، وذلك لضمان تثبيت المعينين الجدد، وإرهاب أي معارضين لهم.
مسجد الرحمة أنموذجاً
بتوجيه من محافظ عدن ومدير الأمن ومدير مكتب الأوقاف ومأمور مديرية الأوقاف وتنفيذ عشرات الجنود المدعومين بأطقم عسكرية ومدرعات، تم عزل خطيب جامع الرحمة بمديرية التواهي الاستاذ عفيف محمد عبده، واستبداله بآخر ينتمي لفصيل معين.
ويعد الاستاذ عفيف محمد عبده أحد الشخصيات الاجتماعية المعروفة بعدن، كونه يشغل مركز مدير الجمعية الخيرية لتعليم القرآن الكريم بالمحافظة، إضافةً إلى كونه موجهاً بقسم القرآن الكريم في مكتب التربية والتعليم.
وجاء عزل الأستاذ عفيف عبده بعد 17 عاماً قضاها خطيباً في جامع الرحمة، والذي ساهم في تأسيسه وبنائه، في أسلوب بوليسي مهين لم يحترم فيه شخصية الأستاذ عفيف أو حتى قدسية المساجد وحرمتها.
وفي تمام الساعة 11 من صباح يوم الجمعة، الموافق 3 مارس، فوجئ الأستاذ عفيف بورقة تنحيته وتعيين خطيب آخر تأتيه لمنزله، قبل صلاة الجمعة بساعة واحدة، في الوقت الذي بدأ فيه عشرات الجنود المدعومين بأطقم عسكرية ومدرعات تطويق المسجد والانتشار حواليه.
أثار الانتشار الأمني المكثف حول المسجد الرعب بين أوساط المواطنين، والذين اكتشفوا فيما بعد بأن هذه القوة جاءت لتثبيت الخطيب الجديد وتهديد أي معارض له، كما حدث في عدة مساجد بالعاصمة المؤقتة عدن.
وتعود بداية الأحداث في مسجد الرحمة إلى مطلع إبريل من العام المنصرم، فقد تعرض خطيب مسجد الرحمة الحاج حامد باحميش للتهديد والمضايقات من قبل عناصر مقربة من مدير مكتب الأوقاف محمد الوالي.
وبحسب المصادر، فقد تعرض "باحميش"، للتهديد والمضايقات واتهامه بالتقصير في واجباته، كونه ينتمي للتيار الصوفي، ونتيجةً لاشتداد المضايقات قام "باحميش" بالتنازل عن إمامة المسجد لعبدالله مبهش، والمحسوب على تيار الإسلام السياسي، إلا أن هذه الخطوة لم تعجب فريق "الوالي".
وذكرت أنه تم تعيين أحد السلفيين المنتمين لتيار "المداخلة" والمقرب من مدير مكتب الأوقاف محمد الوالي ويدعى أحمد البصيري إماما للمسجد، بالرغم من أنه لم يكن من رواد المسجد، أو حتى ممن لهم القبول عند أهالي الحي، مما جعل المسجد ساحة للمشاجرات والاشتباكات بالأيدي بين أتباع البصيري ومناصري عبدالله مبهش، والذي تنازل له إمام المسجد بالإمامة رسميا وبمصادقة مدير عام مدير التواهي علي قائد، الذي تم تغييره لاحقا.
وأشارت المصادر إلى أنه تم رفع رسالة -حصل "الموقع بوست" على نسخة منها- تُحيط وزير الأوقاف فؤاد بن الشيخ أبو بكر، الذي تم تغييره أيضا، بما حصل في المسجد من إشكالات، ليقوم بالتعقيب على الرسالة، مؤكداً بأنه سبق ووجه بعدم إجراء أي تغييرات في أئمة المساجد، لافتا بأن للإمام المعين الحق في التنازل لنائبه في حال ما أراد ذلك.
وجاء القرار الأخير لمدير الأوقاف محمد الوالي ليقوم باستكمال السيطرة على المسجد، وعزل خطيب المسجد عفيف محمد عبده، ليكون أحمد حسن البصيري إماماً وخطيباً للمسجد، وبذلك يتم طي صفحة جامع الرحمة إلى جانب أكثر من 30 مسجداً، قام مدير الأوقاف بعزل أئمتهم وخطبائهم وتعيين آخرين ينتمون لفصيل المداخلة السلفي.
مصدر القوة
تحدثت مصادر مطلعة لـ"الموقع بوست" أن مدير مكتب الاوقاف بعدن محمد الوالي يعد أحد المقربين من وزير الدولة هاني بن بريك ويجمعهما الانتماء للتيار السلفي "المدخلي"، وهو تيار سلفي متشدد قائم على مهاجمة بقية التيارات ووصفها بالمبتدعة والضالة.
ليس هذا فحسب، بل استغل الوزير بن بريك العمليات الإرهابية من اغتيالات وتفجيرات، والتي تشهدها عدن منذ تحريرها بشكل متفاوت، ليقوم بلصقها على مخالفيه فكريا، وجعلها مطية للتشهير بهم، محاولا إقناع الرأي العام بضرورة تنحيتهم وتعيين أئمة وخطباء غيرهم، إلا أن هذا الأسلوب لم يفلح كثيرا.
فقد شهدت المساجد التي تم عزل أئمتها وخطباءها حالة من الفوضى وعمت فيها حالات شجار واشتباكات بالأيدي، قبل أن يقوم فصيل بن بريك بالتلويح باستخدام القوة، وعصا جهاز الحزام الأمني، والذي يعد وزير الدولة هاني بن بريك محركا رئيسياً له.
أساليب متنوعة
لم يكتف مدير الأوقاف بعدن محمد الوالي بإصدار القرارات المكتوبةُ فقط، بل وصل الأمر إلى حد اعتقال الأئمة، أو تهديدهم بالاعتقال كما حدث لإمام وخطيب مسجد النصر بالمنصورة الشيخ علي الزيدي.
غادر الشيخ علي الزيدي عدن في رحلة علاجية للخارج استغرقت قرابة ثلاثة أشهر، استغلها مدير مكتب الأوقاف بعدن وقام بتكليف أحد المقربين من مدرسته الفكرية إماما للمسجد ويدعى "عبدالله الكعدة"، بالرغم من وجود من ينوب الإمام المسافر.
وما إن عاد الزيدي إلى عدن نشبت مشاجرات واشتباكات بالأيدي بين أنصاره وعدد من أنصار الإمام المكلف من مكتب الأوقاف، انتهت باستعادة الشيخ علي الزيدي لإمامة المسجد.
إلا أن القضية لم تنته، فقد فوجئ الشيخ علي الزيدي فجر اليوم التالي بعدد من المسلحين يقتحمون المسجد قبيل صلاة الفجر محاولين اعتقاله، في حين قام عشرات المواطنين المتواجدين في المسجد بالالتفاف على الزيدي، ما أفشل عملية الإعتقال.
يذكر أن الزيدي أصدر بلاغا للأجهزة الأمنية أوضح فيه ما حصل، مطالباً إياهم بالتحقيق في الأمر وحمايته، لكن تم تجاهله محاولين بذلك دفن القضية.
نجا الشيخ علي الزيدي من محاولة الاعتقال مطلع ديسمبر من العام المنصرم، والتي كانت أشبه برسالة تهديد أكثر من كونها محاولة وشروعاً للاعتقال، لكنه لم يعد خطيباً وإماماً لمسجد النصر الواقع في قلب مديرية المنصورة.
فقد أصدر مدير أوقاف عدن قراراً أعقب محاولة اعتقال الشيخ الزيدي بيومين وصادق عليه محافظ عدن عيدروس الزبيدي قضى بتعيين إمامٍ وخطيبٍ آخر للمسجد، وتنحية الشيخ الزيدي الذي لم يجد بدٌ لمعارضة هذا القرار.
مساجد المنصورة
"يونس هرهرة" إمام مسجد أبي بكر الصديق بحي ريمي في المنصورة، اعتقلته قوات الحزام الأمني من منزله مطلع مايو الفائت، لتقوم بعدها عناصر تابعة لوزير الدولة هاني بن بريك بأخذ المسجد متسببين في عراك ومشاجرات مع أنصار الإمام المعتقل.
وذكرت المصادر أن "هرهرة" ما يزال محتجزا في السجن المركزي للشهر العاشر على التوالي دون أن يتم التحقيق معه، حيث تعاقبت على السجن المركزي طيلة الفترة الماضية ثماني إدارات، إلا أنها لم تفصل بقضية يونس، كون قضيته مرتبطة بالمسجد.
وأضافت بأنه تم إعتقال "هرهرة" بإيعاز من مدير مكتب الأوقاف محمد الوالي، ليقوم بعدها بتكليف إمام وخطيب جديد ينتمي لتيار المداخلة السلفي ويدعى "صالح البكري".
وأشارت إلى أن إمام مسجد أبي بكر اتهم بانتمائه لتيارات تكفيرية، إلا أنه لم تثبت عليه أي تهمة، وليس هناك أي أدلة على ذلك، فقد تقدم قائد المقاومة الشعبية بمديرية كريتر مالك هرهرة، ومدير مديرية البريقة هاني اليزيدي، بطلب لمحافظ عدن عيدروس الزبيدي بالإفراج عن "هرهرة" مقابل ضمانته، وبناء على ذلك وجه محافظ عدن بالإفراج بضمانة "اليزيدي" والقيادي بالمقاومة "هرهرة"، إضافة لتوجيهات مدير الأمن باتخاذ الإجراءات القانونية بضمانة "اليزيدي"، و"هرهرة"، إلا أن إدارة السجن تلكأت، متعللة بأنها تتلقى كل توجيهاتها من قيادة القوات الإماراتية.
ومؤخراً تم نقل هرهرة من السجن المركزي بالمنصورة إلى أحد معسكرات الحزام الأمني والتي تستخدم للإخفاء القسري.
صبغة واحدة
تحاول إدارة الأوقاف بعدن ممثلة بالدكتور محمد الوالي تعميم الطريقة المدخلية، وهي أحد فصائل السلفية ويعود تسميتها إلى مؤسسها الشيخ ربيع المدخلي.
تعميم هذا الفصيل وفرضه بالقوة على مساجد العاصمة المؤقتة عدن، يأتي على حساب بقية الفصائل والمذاهب، لتكون بذلك مساجد عدن ذات صبغة واحدة بعد أن كانت تزخر بالتنوع وتمتاز بالتعايش والقبول بالآخر.