تعد ظاهرة البناء العشوائي والبسط على الممتلكات العامة والخاصة، إحدى أبرز الظواهر السلبية التي جعلت من العاصمة المؤقتة عدن، مرتعا خصبا للانفلات الأمني، والفوضى، خصوصا مع انشغال السلطات بالحرب على الإرهاب، وإعادة تأهيل المؤسسات الحكومية.
وتتنوع عمليات البناء العشوائي، في عدن، بين بناء محلات، وأكشاك لأغراض تجارية محدودة، في حين يتم البسط في حالات أخرى على ممتلكات عامة وخاصة، من قبل أشخاص يستغلون نفوذهم وقربهم من قيادات أمنية ومحلية.
يضاف إلى ذلك من تضرروا من الحرب، ودمرت منازلهم، حيث اضطر هؤلاء إلى البناء بشكل عشوائي لإيجاد مأوى لأسرهم بعد أن تعذر عليهم العودة لمنازلهم، في حين لا تزال جهود إعادة الإعمار غائبة كليا في الوقت الحالي.
محاولات للحد من الظاهرة
شهدت مديريات العاصمة المؤقتة عدن، البالغ عددها 8 مديريات، منذ مطلع العام الجاري حملات متعددة ومنفصلة لإزالة العشوائيات، بإشراف من المجالس المحلية وقيادات المقاومة الشعبية، في العاصمة المؤقتة، إلا أن أثرها كان محدودا كونها كانت تستهدف العشوائيات القريبة من الشوارع الرئيسية.
ولم تسهم الحملات السابقة في الحد ولو 10% من عمليات البناء العشوائي, حيث أصبحت أشبه بالحملات الإعلامية أكثر من كونها حملات على الأرض, ففي كل حملة كان يتم إزالة عدد من الأكشاك الخشبية والمنازل الصغيرة القريبة من الشوارع الرئيسية, في حين يتم إهمال مئات الأعمال العشوائية الواقعة في الأحياء السكنية وضواحيها.
فشل الحملة الأخيرة
مؤخرا أعلن وكيل محافظة عدن لشؤون المديريات علي الغريب مطلع الشهر الجاري عن إطلاق حملة وطنية لإزالة العشوائيات وطرد مقتحمي الممتلكات العامة والخاصة في مؤتمر صحفي عقده بديوان محافظة عدن, على أن تتم الحملة وفق جدول زمني للمديريات الثمان.
إلا أن هذه الحملة فشلت بعد مرور 20 يوماً على انطلاقها, فقد اكتفت بإزالة مجموعة بسيطة من العشوائيات في مديريتين من أصل ثمان وهما كريتر و التواهي.
وكان من المقرر أن تنطلق صباح اليوم السبت حملة إزالة العشوائيات من مديرية دار سعد، بعد أن أنهت حملة إزالة العشوائيات يومها الثالث والأخير في مديرية المنصورة, لكن هذا لم يحدث كون أعمال الحملة تعلقت بشكل مفاجئ وسط صمت مريب من السلطات المحلية المسؤولة عن الحملة.
فشل مكتب الأراضي
وتعليقا على ما سبق يقول نائب مدير الهيئة العامة للأراضي للشؤون القانونية المحامي نبيل العمودي "إن البناء العشوائي يظل مشكلةً تؤرق الجميع لعدة أسباب، من أهمها أن مكتب هيئة أراضي عدن فشل في حل قضايا الناس، وتفرغت إدارته وموظفيه للبحث عن الأراضي غير المصروفة وصرفها لأنفسهم أو لنافذين وسماسرة، إضافة إلى أن مكتب الأراضي عجز عن حل المشاكل على الواقع والتعاون مع السلطات المحلية بالمديريات لمعالجة مشاكل الأراضي واكتفاء المكتب بالاجتماعات والأعمال الإدارية التي لا نفع منها.
ويضيف العمودي في حديثه لـ(الموقع بوست) أن السبب الآخر لاستمرار مشكلة البناء العشوائي تتحمله قيادة السلطات المحلية و الأمن لأنهم لم يضعوا خطة عملية لإيقاف مد البناء العشوائي ومحاصرته .
واستطرد قائلا: " للأمانة السلطات المحلية تواجه ضغوطاً كبيرة من الناس وعدم تجاوب إدارة الأراضي رغم أن هناك مدراء مديريات مثل دار سعد ,المنصورة، المعلا، البريقة, وخور مكسر بذلت معنا جهوداً كبيرةً لأجل إيجاد حلول لمشاكل الأراضي وفي مقدمتها مشكلة الأبنية العشوائية لكن فوضى إدارتنا- يقصد مكتب هيئة الأراضي بعدن- وبقاء اللوبي السابق المسيطر عليها وضعف الإدارة الجديدة تمثل أهم أسباب استمرار البناء العشوائي".
ويرى العمودي أن فشل حملة إزالة الأبنية العشوائية كان متوقعاً لأنها جاءت بشكل متسرع , دون أدنى معرفة بأسباب مشكلة البناء العشوائي ومعالجتها قبل إزالته، مؤكداً أنه لابد من إزالة الفاسدين وبالذات من مكتب إدارة الأراضي وإيجاد إصلاح حقيقي قبل الشروع في أمر آخر.
وتابع: "شخصياً لست مع إزالة الأبنية العشوائية في الوقت الحالي عدا تلك التي تمس حياة الناس وخدماتهم بشكل مباشر كالبناء في الشوارع وأرصفة الطرقات أو غيرها، أما بالنسبة للأبنية التي هي دون تخطيط أو وثائق فعدن ومن بعد 94 أصبح 30% من مبانيها عشوائياً كون المواطنين البسطاء لم يستطيعوا الحصول على قطع أرض لبناء مساكن لهم، كون مكتب الأراضي انحرف عن مساره، وأصبح يصرف للتجار والسماسرة وفاسدي إدارة الأراضي ليبيعوها بالملايين فلم يبق للمواطن البسيط وأبناء وشباب عدن إلا اللجوء إلى البناء العشوائي، والذي سيستمر إذا لم يتم الاستماع لرؤية السلطات المحلية بالمديريات لأنها الأقرب إلى الواقع والمشكلة".