حتى اليوم، ما يزال المشهد السياسي اليمني محاطا بالتوتر والضبابية حد العتمة، في ظل اتساع رقعة الانقسام بين السلطة الشرعية والانقلابيين.
وأمام هذا الواقع المضطرب، تدور في مخيلة الكثير من الناس تساؤلات عما سيكون عليه المستقبل القريب لليمن، خصوصا فيما يتصل بمسألة التحالفات السياسية المقبلة، ودور الشخصيات الفاعلة في حسم المشهد لصالح الاستقرار، والخروج من أتون الحرب الدامية التي مزقت البلاد منذ أكثر من عام ونصف.
ويبدو حزب المؤتمر الشعبي العام، والذي ما يزال مؤثرا في على أرض الواقع، راغبا في فتح صفحة جديدة مع المملكة العربية السعودية، والشرعية، خاصة بعد أن عصفت الخلافات بالحليفين الحوثي وصالح، وتشرذم الحزب الذي يرأسه صالح بوقوعه في كماشة الأول.
وفي هذا الإطار، بعث القيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام ياسر اليماني رسالة للرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه الفريق علي محسن الأحمر، نشرها في صحفته بموقع التواصل الاجتماعي" فيسبوك"، أكد فيها أنه وقيادات أخرى في المؤتمر الشعبي معهم ضد الحوثي ومليشياته، حتى استعادة الدولة، وإعادة كرامة اليمن واليمنيين، من المليشيا التي دمرت كل شيء جميل في اليمن، حد قوله.
ولم يكن رئيس الوزراء السابق خالد بحاح، بعيدا عن تلك التحركات الناعمة والتي بدأت بصوت خفيض، إذ طالب أثناء لقائه مع عدد من النشطاء اليمنيين في العاصمة الألمانية برلين، بالاعتذار وتكريم نظام المخلوع صالح، تعويضا على شيطنته في 2011، وفقا لنشطاء حضروا اللقاء وسربوا تسجيلا صوتيا له يتطابق مع ما نشروه عنه.
وقبل أيام جدد صالح دعوته للحوار مع السعودية، مطالبا المجتمع الدولي بالضغط على الرياض للدخول فيما أسماها "مفاوضات مباشرة يمنية- سعودية"، وهي الدعوات التي لم تلقَ آذانا صاغية حتى الآن، لكن ما يعيد هذا الاحتمال إلى المشهد الآن، هو تنامي خطر الحوثيين المدعومين إيرانيا، والذين يخضعون لأجندة خارجية، الأمر الذي زاد من تعقيد المشهد اليمني أكثر فأكثر، وربطها بالمتغيرات والأحداث الإقليمية، وزاد من احتمالات دخول لاعبين جدد.
ولا تخرج هذه الدعوات عن محاولة توجيه الأنظار السعودية إلى صالح، الذي يرغب بإيصال رسالة للمملكة تفيد أنه لا يزال لديه الكثير، وأنه حجر الزاوية، والعقدة التي يمكن من خلالها نجاة السعودية من الخطر الإيراني الذي يهدد وجودها.
ويعلم صالح جيدا أن السعودية بيدها مفاتيح الأزمة اليمنية، ويدرك يقينا أن الاستمرار في معاداتها سيكون ثمنه كبيرا، وأنها تدخلت من أجل الشعب اليمني، وهي الأكثر حرصا على حقن دمائه، والانتقال لحل سياسي سلمي، ولذلك وبحسب المحلل السياسي سمير الصلاحي، يغازلها المخلوع بين الفينة والأخرى، عله ينجح في الحصول على موافقة يكون فيها طرفا ممثلا لليمن، وهذا ما يؤكد البعض أنه مستحيل الحدوث، وإن كان باب الحل السياسي مازال مفتوحا، ولكن وفقا للمرجعيات الثلاث، المتمثلة بمخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، والقرارات الأممية وأبرزها 2216.
وخلال الفترة الماضية تبين أن السعودية تنظر للمخلوع صالح بذات درجة الخطورة، التي تنظر بها للحوثيين، لكن أقل بقليل من الأخيرين، خاصة بعد أن تمكن التحالف العربي بقيادتها من تدمير جزء كبير ترسانة الأسلحة التي تمتلكها اليمن، وسطا عليها الانقلابيون، كما تجدر الإشارة إلى أن فرض الأقاليم، سيلغي أدوار كثير من القوى منها صالح، وسيقلل من تأثيرها.
ومن منطلق أن لا صداقات ولا عداوات دائمة في السياسة، ولا ثابت فيها إلا عدم ثباتها، هل يمكن أن يُفتح أمام صالح بابا جديدا يلج منه ثانية، وأن تكون الخلافات التي اشتعلت بين الانقلابيين، سببا لهروب صالح من نار الحوثي إلى أحضان الشرعية والمملكة ؟.
الإنعاش المأمول لصالح
ومن المؤكد أن عودة صالح للمشهد مرة أخرى، ستصطدم بالكثير من الحواجز التي ستقوض بعض تلك الآمال، إحدى أبرز تلك التحديات، هي الشرعية في اليمن المتمثلة بالرئيس هادي، والسعودية الداعمة لها، وكذلك ما آل إليه الوضع بعد أن أصبح الحليفان (الحوثي- صالح) مرتهنين لدولتي الإمارات وعمان، إضافة إلى الحراك الجنوبي الذي يرى أن النظام السابق كان سببا في ضياع حقوقهم، وكذلك اليساريين في البلاد، الذين يشكل بالنسبة لهم، إنعاش المخلوع صالح وإعادته إلى الواجهة وتحالفه مجددا مع الإصلاح المناوئ للحوثيين، مشكلة كبرى، سيتراجع على إثرها تأثيرهم في المشهد اليمني.
وحول إمكانية حصول تحالف بين الشرعية والسعودية من جهة، والمخلوع صالح من جهة أخرى، لدرء خطر الحوثيين أصحاب الفكر الطائفي، يعتقد المحلل السياسي فيصل علي، أن الشرعية من الممكن أن توافق على تحالف من ذلك النوع، إن وجدت ضغوطا من الجناح القبلي والمؤتمري في الشرعية وإن لمست تعاونا من صالح في الحرب ضد الحوثيين، كما لم يستبعد موافقة الرياض على ذلك، مستدلا بدعمها للأئمة في وقت سابق، حين رأت أن الجمهوريين سيشكلون خطورة عليها.
ويقول لـ(الموقع بوست): "لازال حزب المؤتمر الشعبي العام له وجود ونفوذ في مختلف أنحاء البلاد، والرئيس السابق علي عبدالله صالح، أيضا ما يزال مؤثرا وله ثقله في الساحة اليمنية، وقد تغير الواقع بعد أن دخلت اليمن في أتون حرب إقليمية وصراع دولي في المنطقة"، "وهذا ما يجعلنا نعيد التفكير مليا بمستقبل البلد المثخن بالجراح".
ويضيف "علي": "كان لابد أن تتم مصالحة بين السلطة والمعارضة في 2012 لأجل إنجاح المرحلة الانتقالية، لافتا إلى استفادة الهاشمية السياسية المخترِقة لكل البنى والأطر الحزبية من توسيع الشرخ بين اليمنيين، وعملها على توسعة الفجوة بين مكونات المجتمع الحزبية والقبلية والمدنية، إلى أن أوصلت البلد إلى مرحلة الانقلاب وإسقاط مؤسسات الدولة الهزيلة".
ويرى المحلل السياسي أن الفرصة سانحة للمصالحة والحوار بين اليمنيين، مطالبا بـ"تحكيم العقل القحطاني اليماني، والخروج من المأزق التاريخي، وترك الأيديولوجيات"، فقضيتنا اليوم هي" اليمن لا سواها، مشيرا إلى معاقبة كل من أخطأ بتفعيل قانون العدالة الانتقالية، حد تعبيره.
ويؤكد في ختام حديثه أن السعودية ودول التحالف العربي، سيدعم هذا التوجه الذي يريد انتزاع اليمن من التغول الإيراني في المنطقة، وهو لا يتعارض مع مساعي دول الخليج.
إنقاذ ما تبقى من جمهورية
وبالنسبة للمحلل السياسي سمير الصلاحي، فهو يرى أن صالح رجل سياسي يبحث عن السلطة، ويسعى للعودة إليها، ومن أجل ذلك شارك في الانقلاب على الدولة، لكن المصيبة الكبرى هي في ميليشيا الحوثي التي تحمل مشروع عقائدي وتتكئ على مغالطات تاريخية تمنحها أحقية الحكم والثروة والسلطة، فضلا عن ارتهانها بشكل كامل لأحلام وطموحات فارس، في تدمير وتفتيت المنطقة العربية.
ويوضح في حديثه لـ(الموقع بوست): "صالح سياسي نختلف ونتفق معه، لكنه في النهاية لا يحمل مشروعا طائفيا مدمرا، وبناء على ما حدث منذ ثورة 2011، يمكن القول أن الجمهورية في طريقها للانقراض، ولا حل إلا بتوحيد الصف الجمهوري، حتى القضاء على الإمامة".
وأفضل الحلول المتاحة- وفقا للصلاحي- هي في التحالف مع صالح، وحزب المؤتمر الذي يمتلك حاضنة شعبية كبيرة، يمكنها أن تكون المكمل الأفضل للانتصار للثورة وللجمهورية.
ويعلم صالح جيدا أن السعودية بيدها مفاتيح الأزمة اليمنية، ويدرك يقينا أن الاستمرار في معاداتها سيكون ثمنه كبيرا، وأنها تدخلت من أجل الشعب اليمني وهي الأكثر حرصا على حقن دمائه، والانتقال لحل سياسي سلمي، لذلك بحسب المحلل السياسي سمير الصلاحي، يغازلها المخلوع بين الفينة والأخرى، عله ينجح في الحصول على موافقة يكون فيها طرفا ممثلا لليمن، وهذا ما تؤكد السعودية أنه مستحيل الحدوث، وأن باب الحل السياسي مفتوح ولكن وفق المرجعيات الثلاث، المتمثلة بمخرجات الحوار الوطني، والمبادرة الخليجية، والقرارات الأممية وأبرزها 2216.
رفض ثوار فبراير
في مقابل كل ما سبق، هناك سد منيع يمكن أن يعرقل مثل ذلك التوجه، يتمثل بشباب ثورة فبراير/شباط 2011، الذين هم الآن مشاركين بالقتال ضد الانقلابيين، وخرجوا ضد نظام صالح، وأطاحوا به، فعمل على تقوية الحوثيين والتحالف معهم، وإغراق البلد في أتون حرب قتلت ما يزيد على سبعة آلاف يمني.
قوبلت إمكانية قبول شباب ثورة فبراير/شباط بوجود تحالف بين الشرعية والسعودية من جهة، والمخلوع صالح من جهة أخرى، برفض كبير من قِبل رئيس القطاع الطلابي بمجلس شباب الثورة محمد المقبلي، الذي عدَّ الأمر مجرد نكتة ساذجة وقديمة في نفس الوقت.
ويضيف لـ(الموقع بوست): "بعد كل هذا الدمار الذي ألحقه صالح بالبلد بتحالفه مع الحوثي، من غير الممكن الحديث عن تحالفات كهذه، فالرجل الذي مُنح الحصانة بناء على المبادرة الخليجية لم يتوقف عن عرقلة العملية السياسية لحظة واحدة، ومن انقلب على الشرعية لا يمكن أن يتحالف لاستعادتها على الإطلاق، مؤكدا أن" محاولة اللعب بالنار مجدداً، من شأنه أن يفتح أبواب الجحيم، على غدر ثانٍ، وثالث، ورابع، بالشرعية والجمهورية".
وعن الخيارات التي يمكن أن ينحو باتجاهها شباب ثورة فبراير في حال حدوث أي تحالف مع صالح، يؤكد "المقبلي" أنهم سيكونون في صف المعارضة السياسية لأي تحالف، يأتي على حساب الثورة وأهدافها وتحالفاتها.
وهو ما يتفق معه أيضا الصحافي والناشط في ثورة الشباب شعيب القديمي، الذي يقول إن المخلوع صالح هو رأس الفساد وسبب دمار اليمن منذ عقود، بتدميره للجيش وكل مؤسسات الدولة، وتحالفه مع الحوثي للانقلاب على الشرعية، وما ترتب عليه من قتل ودمار.
ويؤكد لـ(الموقع بوست) ثبات موقف شباب الثورة الرافض لأي تحالف مع المخلوع صالح، الذي يريد من خلال هذه الخطوة، أن يظهر كمنقذ بينما هو مجرم حرب، ويتابع" صالح ماكر وغدار، ونقض الكثير من الاتفاقيات والمعاهدات، وتحالف مع الحوثييين ومشروعهم الإيراني، الذي أدى إلى اندلاع حرب في اليمن، وتدمير مؤسسات الدولة، وزرع الفتن بين أبناء الشعب"، ومطالبا بتقديم الانقلابيين للمحاكمة الدولية.
ويشير"القديمي" إلى أن التحالف مع المخلوع صالح كان من الممكن أن يحدث بعد انقلاب 2014، لكن بعد عامين من الحرب والقتل والدمار والفقر والجوع، أثبتت الأيام أن صالح هو المدبر المخطط والمنفذ لأحداث سبتمبر/أيلول، والحوثيين ليسوا إلا أداة لتنفيذ مشروع إيران، الذي دعمه المخلوع بتسهيل سقوط المعسكرات والمحافظات بأيديهم
وبتنامي الصراع بين صالح والحوثيين، يمكن أن تشتعل حرب بينهما، ولن يكون أي طرف بحاجة إلى إبرام تحالف مع المخلوع صالح، للتخلص من الحوثيين أعداء الجمهورية.