[ مجلس النواب ]
تتجه الأوضاع في اليمن نحو مزيد من التعقيد، ويبدو أن السيناريو الليبي على وشك التكرار في هذا البلد، خاصة بعد الخطوات الأخيرة التي أقدم عليها الانقلابيون، والمتمثلة في تشكيل ما أسموه "مجلس سياسي أعلى لإدارة البلاد"، ثم دعوتهم أعضاء البرلمان الموالون لهم للاجتماع بغرض مباركة خطواتهم الانقلابية، رغم أنه سبق لهم وأن أعلنوا حل البرلمان الذي يستجدون منه الشرعية اليوم.
وفي الوقت الذي أدانت فيه الحكومة الشرعية والرئيس هادي هذه الخطوات، واعتبروها باطلة، وغير قانونية، وأنها لن تغير شيئا من مسار الأحداث، إلا أنه من المحتمل أن يمضي الانقلابيون قدما في اتخاذ خطوات أخرى، وترد عليها الحكومة الشرعية بخطوات مماثلة، وتنال خطوات الانقلابيين اعتراف بعض الدول، مثل روسيا وإيران، حتى يصبح الوضع شبيها بالسيناريو الليبي، حيث تتصارع حكومتان وبرلمانان وجيشان، وينقسم المجتمع بين هذا الطرف وذاك، بحسب الولاءات القبلية والمذهبية والمناطقية.
البحث عن شرعية
لعل أكثر ما حطم من معنويات الانقلابيين وأفشل مخططهم، الحديث الدائم في الداخل والخارج عن توصيف الصراع في اليمن بأنه بين حكومة شرعية وانقلابيين، وهذا التوصيف جعل حجة الانقلابيين ضعيفة في تعاملهم مع الداخل والخارج، وأحرج في نفس الوقت المنظمات والدول المساندة لهم، بما يخدم مصالحها وأجندتها وتحالفاتها المتغيرة، وبالتالي، فالانقلابيون يبحثون عن شرعية بأي طريقة لتجميل انقلابهم، ويأتي في سياق ذلك تراجعهم عن بعض ملامح الانقلاب، مثل التراجع عن حل البرلمان، وتشكيل ما أسموه "المجلس السياسي"، ليحل محل ما أطلقوا عليها "اللجنة الثورية"، وربما تشهد الأيام المقبلة خطوات أخرى، مثل تشكيل حكومة، وسيباركها أعضاء البرلمان المساندون للانقلاب، حتى وإن لم يكتمل النصاب القانوني المطلوب، فهم سيدعون اكتماله، وسيمضون في خطواتهم بالشكل الذي يزيد من تعقيد الأوضاع، ويقلل من فرص حل الأزمة سلميا، واللجوء إلى الحسم العسكري.
صحيح أن خطوات الانقلابيين لن تضيف شيئا إلى الانقلاب، وأنها لن تستطيع تجميله، أو دفنه واختلاق شرعية مكانه، لكن المخاوف الحقيقية تكمن في احتمال أن تكون هذه الخطوات قد تمت بإيعاز من المجتمع الدولي، الذي ربما يسعى لسحب ورقة الشرعية من يد التحالف العربي بقيادة السعودية، بغرض خلط الأوراق، وإنهاك مختلف الأطراف في صراع طويل الأمد، خاصة وأن خطوات الانقلابيين جاءت بعد أيام قليلة من زيارة قام بها المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى العاصمة صنعاء، والتقى خلالها بالمخلوع علي صالح، رغم أنه مشمول بعقوبات دولية، ضمن آخرين، بتهمة عرقلة الانتقال السياسي في اليمن.
أوراق ضغط
يعتقد الانقلابيون أن الخطوات المذكورة التي أقدموا عليها ستكون بمثابة أوراق ضغط يمكن استثمارها في أي مفاوضات قادمة مع الحكومة الشرعية، خاصة وأن المبعوث الأممي إلى اليمن لم يعلن تعذر الحل السلمي بعد فشل مفاوضات الكويت، وإنما أشار إلى أنه ستكون هناك جولة جديدة من المفاوضات، لكنه لم يحدد زمانها ومكانها.
استثمر الانقلابيون مختلف الأوراق سريعا، بعد أن لاحق في الأفق أن الحسم العسكري هو الحل، وذلك أملا في إرباك الأوضاع، ومحاولة تحسين شروطهم التفاوضية، لكن مثل هكذا تصرفات تكشف شعورهم بالعجز والفشل، ومخاوفهم من خسارة كل شيء دفعة واحدة.
ويرى الانقلابيون أن ما يقدمون عليه من خطوات ربما تمكنهم من إجبار الطرف الآخر على تقديم تنازلات، بمعنى أنهم سيقايضون بخطواتهم هذه الطرف الآخر، وسيحصلون على الكثير من المكاسب وراءها، ولم يخطر في أذهانهم أن الطرف الآخر يتمتع بشرعية شعبية، وقادر على ابتكار أوراق ضغط مماثلة وأكثر فاعلية، خاصة وأنه مسنود بقدرات عسكرية لعدد من الدول العربية، ومسنود بقرارات الشرعية الدولية، بصرف النظر عن ما يحاك من دسائس ومؤامرات واتفاقيات تتم بين الدول الكبرى وراء الكواليس، لأن الكلمة الفصل في نهاية المطاف ستكون بيد القطاع الأكبر من الشعب اليمني.
السيناريو الليبي
من المحتمل أن تشهد الأيام المقبلة مزيدا من التصعيد والخطوات الغير قانونية من قبل الانقلابيين، وسيقابلها خطوات مماثلة من قبل السلطة الشرعية، وفي ظل تعنت الانقلابيين، فإن فرص الحل السلمي غير ممكنة، وما لم تتلقى المقاومة الشعبية والجيش الوطني دعما بالأسلحة الحديثة والمتطورة، فإن الحسم العسكري سوف يتأخر، وسيتكرر السيناريو الليبي في اليمن ربما بشكل أكثر بشاعة، وذلك لخصوصية الواقع اليمني المعقد، حيث سينحو الصراع منحى طائفيا ومذهبيا وقبليا بشكل متزايد، خاصة وأن الانقلابيون يدفعون بهذا الاتجاه بقوة، كون ذلك يمكنهم من استثارة حمية القبائل التي تنتمي إلى ذات الجغرافيا والمذهب، من أجل حشد المزيد من المقاتلين.
الانقلابيون يبحثون عن شرعية، ويمضون في هذا الاتجاه، وإذا ما اعترفت بهم بعض الدول، مثل روسيا وإيران، وربما دول أخرى، فسيكون هناك برلمانان وحكومتان وجيشان وعاصمتان، ومجتمع دولي منقسم بخصوص الحل السلمي أو الحسم العسكري، وسيؤدي ذلك إلى تضاؤل فرص الحل السلمي، وصعوبة إمكانية الحسم العسكري، وستدخل اليمن فصلا جديدا من الصراع والاقتتال الأهلي سيستمر إلى أجل غير مسمى، هذا إذا لم يتم الحسم العسكري لصالح السلطة الشرعية بشكل مبكر.