[ انهيار قياسي لسعر الريال في عدن ومناطق سيطرة الحكومة ]
في ظل عجز حكومي، يواصل الريال اليمني انهياره المتسارع، اليوم الإثنين، أمام العملات الأجنبية بمناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
وقالت مصادر مصرفية لـ "الموقع بوست" إن الريال اليمني واصل انهياره المتسارع في تعاملات اليوم الصباحية والمسائية في العاصمة المؤقتة عدن وبقية المحافظات الخاضعة للحكومة، وسط ارتفاع في أسعار المواد الغذائية والسلعية.
وأضافت المصادر أن سعر الريال اليمني وصل إلى 2000 ريالا مقابل الدولار الواحد في عدن، فيما وصل الريال السعودي إلى 523 ريالا يمنيا للبيع و520 ريالا للبيع فيما بقية أسعار الصرف ثابتة في مناطق الحوثيين.
ويتجاوز سعر صرف الريال اليمني المستوى الأدنى تاريخيا، الذي سجله في يونيو/ حزيران الماضي عندما بلغ 1820 ريالا يمنيا للدولار الواحد، في أعلى تراجع له، وسط أزمة مالية تعاني منها السلطات الحكومية.
وفي 30 مايو/ أيار المنصرم، أصدر محافظ البنك المركزي اليمني في عدن، أحمد غالب المعبقي قراراً قضى بإيقاف التعامل مع 6 من البنوك والمصارف اليمنية، في صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي بعد انتهاء المهلة المحددة بـ60 يوماً لتنفيذ قراره بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن. كما أبلغ نظام الـ "سويفت" بوقف التعامل معها. وهو ما أدَّى إلى تصاعد التوتُّر بين الحوثيين من جهة والحكومة الشرعية والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى.
وهددت جماعة الحوثي -على إثر هذه القرارات- باتخاذ عمليات عسكرية ضد المصالح السعودية، وهو ما استدعى تدخلًا مِن قبل مبعوث الأمين العام للأمم المتَّحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، حيث طالب بتأجيل تنفيذ هذه القرارات إلى نهاية شهر أغسطس القادم.
وقوبل إعلان التراجع عن القرارات بغضب شعبي واسع في اوساط اليمنيين حيث اعتبره البعض اخر فرص الحكومة والتي لن تتكرر، وعزوا هذا التراجع إلى التهديدات التي أطلقها زعيم جماعة الحوثي ضد السعودية، مؤكدين أن هذا الخذلان المتكرر يفقد الحكومة ثقتها بالناس ويجعلها مرتهنة للسعودية بكامل قراراتها.
وقال رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، مصطفى نصر، إن وصول الريال اليمني عتبة الألفين ريال مقابل الدولار أمر كارثي على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والإنسانية، مشيرا إلى أن الريال اليمني بذلك يفقد أكثر من ثمانية أضعاف قيمته أي بنسبة تتجاوز 800 بالمئة منذ بدء الحرب.
وأضاف أن "الموظف الذي كان يتقاضى 60 الف ريال شهريا تعادل 270 دولار تقريبا اصبح يتقاضى 30 دولار ويمكن قياس بقية المهن"، مؤكدا أن تدهور الريال بهذه الصورة المريعة هي حرب مباشرة على المواطن اليمني وسرقة لقوته اليومي ومدخراته.
التراجع عن قرارات البنك المركزي
وفي الشأن ذاته أرجع الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي، وفيق صالح، أسباب انهيار العملة الوطنية في المناطق المحررة إلى عدة عوامل منها السوق المصرفية حالياً وعدم فاعلية السياسة النقدية للبنك المركزي اليمني في عدن، بعد التراجع عن القرارات الأخيرة التي تقضي بنقل المقرات الرئيسية للبنوك من صنعاء.
في حديث لـ "الموقع بوست" قال صالح "هناك شحة شديدة من العملة الأجنبية في السوق المحلية مقابل تزايد الطلب على شراء النقد الأجنبي، أضف إلى ذلك أن الانقسام النقدي خلق بؤر استنزاف عديدة للعملة الصعبة في مناطق الحكومة وتهريبها بطريق مختلفة إلى مناطق سيطرة الحوثيين".
وأكد صالح أن "الحل يكمن بمعالجة أزمة النقد الأجنبي عبر استئناف تفعيل المصادر المستدامة للبنك المركزي وحشد الدعم التمويل الدولي وتقليص مدفوعات النقد الأجنبي، وكذلك تنفيذ سياسة نقدية صارمة، وفرض رقابة شديدة على أسواق الصرف، إضافة إلى تحديد سعر معين للريال وعدم السماح المضاربين بالتحكم بسوق الصرف".
فشل الحكومة
الصحفي والخبير الاقتصادي، رشيد الحداد، يرى أن "انهيار سعر صرف العملة في المحافظات الجنوبية نتيجة لفشل حكومة أحمد عوض بن مبارك في تنفيذ إصلاحات اقتصادية، سبق أن وعدت بتنفيذها ولكنها عجزت عن ذلك، وخاصة ما يتعلق بتحسين معدل الإيرادات العامة الخارجة عن سيطرتها والواقعة تحت سيطرة مراكز القوى العسكرية، يضاف إلى استمرارها بصرف 120 مليون دولار شهريا كمرتبات لكبار الموظفين في الخارج".
في حديث لـ "الموقع بوست" يقول الحداد إن "فشل الجهود الأمنية في أحداث اختراق بشأن ملف إعادة تصدير النفط الخام والغاز، مقابل صرف مرتبات الموظفين السابقين، وارتفاع معدل الانفاق لتلك الحكومة وغياب سياسة مالية حقيقية على الأرض، يضاف إلى الفراغ الذي يعانيه بنك عدن منذ اشهر، من أسباب تراجع سعر الريال اليمني".
يضيف "قرار التراجع عن نقل البنوك لا علاقة له من قريب أو بعيد، فالمشكلة ناتجة عن غياب دولة حقيقية قادرة على استعادة ايراداتها المستلبة من قبل مراكز قوى تمارس سلطات الدولة وتنازعها في صلاحياتها ومهامها".
وبحسب الخبير الاقتصادي الحداد فإن هذا الانهيار يقود نحو انهيار متسارع إذا لم يتم اتخاذ إجراءات كفيلة بوقف الانهيار وإقرار معالجات سريعة تبدأ بخفض نفقات حكومة بن مبارك وتوقف صرف المرتبات بالدولار وتعمل على استعادة الإيرادات الخارجة عن السيطرة.
ويرى أن "هذا الانهيار الذي سيضاعف معاناة المواطنين سيدفع نحو إعاقة الجهود المبذولة من قبل الأمم المتحدة لإحداث اختراق في الملف الاقتصادي، كون توحيد العملة بين صنعاء وعدن سيصبح مستحيلاً خلال الفترة المقبلة، مالم يتم التوافق على عملة موحدة بسعر موحد وهذا يتطلب وقت وجهد كبيرين"، حد قوله.
وأكد الحداد أن "المشكلة الاقتصادية في تلك المحافظات عميقة، وأي محاولات للتهدئة بتغيير مجلس إدارة البنك المركزي في عدن، إجراء وليس حل ولا علاقة له بالمعالجات الحقيقة التي هي من اختصاص الحكومة في عدن، وليست من اختصاص السلطات النقدية".