قبل أشهر فقط وتحديدا منتصف أبريل / نسيان الماضي، بدأت الحرب في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية، وسرعان ما امتدت إلى المناطق السكانية والمنشآت الخدمية والمناطق الصناعية بالخرطوم.
أصاب الشلل كل مناحي الحياة في البلاد وتوقفت الآلات عن الدوران وبينها المطابع، كما توقفت الصحف والقنوات التلفزيونية والاذاعية المحلية.
هذا الواقع الجديد تسبب بتوقف الصحافة السودانية عن الصدور لأطول فترة تشهدها منذ ما يزيد على قرن من الزمان.
ولم تعد الصحف الورقية المحلية مصدرا للمعلومات وغابت عن المشهد في توقيت يحتاج فيه القراء للمعلومات المؤكدة كونها أقرب اتصالا بالجماهير ومراكز صنع القرار.
فيما لجات بعض الصحف إلى تنشيط مواقعها الإلكترونية على الإنترنت بغية المحافظة على وجودها، إلا أنها أصبحت أقل نقلا للأخبار في ظل عدم وجود مراسلين لها على الأرض لصعوبة الحركة في العاصمة الخرطوم وانقطاع الإنترنت والكهرباء لفترات طويلة.
ولم يكن مستغربا أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإقليمية والدولية هي صاحبة الريادة في تناول أخبار الحرب.
وأدت الحرب إلى توقف مؤسسات تلفزيونية وإذاعية، وحوالي 20 صحيفة ورقية سياسية ورياضية عن الصدور، وتحوّل بعضها إلى مواقع إلكترونية.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان، يخوض الجيش و"الدعم السريع" اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلّف أكثر من 3 آلاف قتيل، أغلبهم مدنيون، ونحو 4 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، بحسب الأمم المتحدة.
** توقف وتشرد
قالت نقابة الصحفيين السودانيين، الثلاثاء (8 أغسطس / آب الجاري ) في بيان: "أدى استمرار الحرب وتوسعها إلى اختفاء معالم الحياة في السودان بشكل شبه كامل، فتوقفت إثر ذلك الغالبية العظمى من وسائل الإعلام في السودان، و تشردت أعداد كبيرة من الصحفيين والصحفيات، بنزوحهم إلى خارج ولاية الخرطوم، أو اللجوء عبر الحدود إلى خارج السودان".
وذكر بيان النقابة، أن "أوضاع الصحفيين تسوء يوما بعد يوما وتزداد الانتهاكات من اعتقال وضرب ونهب منازلهم وسيارتهم ونهب معدات العمل وتصل إلى حد القتل مع استمرار الحرب".
** واقع جديد
تميزت الخرطوم بأنها المكان الذي تصدر منه جميع الصحف حيث تقع مقرات الصحف و المطابع جميعها فيها، ومنها توزع الصحف المطبوعة إلى بقية الولايات، كما تتواجد مقار الإذاعات والقنوات المحلية.
وتعتمد الصحف على المراسلين الصحفيين في مدن الولايات الـ 17 الأخرى.
ويرى رئيس تحرير صحيفة " مصادر" الخاصة عبد الماجد عبد الحميد، أن الواقع الحالي يفرض على الصحافة السودانية تحديات جسيمة وجديدة، كما سيفرض واقعا جديدا على مستقبلها.
ويقول في حديثه للأناضول: "اتضح أن الصحافة السودانية صحافة خرطومية ليس على مستوى الطباعة والتوزيع فقط، ولكن حتى على مستوى الاهتمام".
وأضاف: "عندما اندلعت الحرب اتضح أن مركزية الدولة انسحبت حتى على الصحافة، وستفرض هذه الحرب على مستقبل الصحافة واقعا جديد على الصحفيين".
وأردف: "بالتالي يمكن أن تبرز مؤسسات صحفية من الولايات وتكون حتى اهتماماتها بالشأن العام ربما تكون محلية أكثر منها قومية".
وتابع: "كما تفرض هذه التحديات على الصحافيين ضرورة مراجعة أنفسهم في التعامل الشفهي مع الأحداث لأن أغلبية الصحافيين خرجوا عن الخدمة لعدم استطاعتهم مواكبة التحدي الحالي للحرب".
ومضى قائلا إن "الصحافيين أنفسهم هربوا من مناطق الحرب وإدارة العمل الإعلامي، وانتقلت القنوات السودانية والمواقع الإخبارية إلى خارج البلاد لإدارة عملها".
واستطرد: "لذلك فإن التحدي الأول يتعلق بالمكان والثاني يتعلق بإمكانيات الصحفيين، وعليه ستبرز مؤسسات صحفية جديدة تستفيد من واقع الصحافي الماضي وتعمل على معالجته".
و"هذا يعني ظهور جيل جديد من الصحفيين ومؤسسات صحفية جديدة تختلف بشكل كلي عن الأجيال السابقة"، على حد قول عبد الحميد.
** ستعود الصحافة الورقية
الطاهر ساتي، رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي" (الخاصة)، قال: "الآن الحرب أوقفت الصحافة الورقية واستمرت الصحافة الإلكترونية لكن هذه الأخيرة تعاني من متاعب بسبب ضعف شبكة الإنترنت والكهرباء".
وأضاف في حديثه للأناضول: "ظروف الحرب جعلت حتى الصحافة الإلكترونية غير منتظمة ناهيك عن الورقية".
ورأى ساتي أنه "متى ما توقفت الحرب ستعود الحياة إلى طبيعتها ومن ضمنها الصحافة الورقية التي لا يستغنى عنها الناس كما في كل الدول".
وقال: "المؤسف في الوقت الراهن بعد توقف الصحف الورقية والإلكترونية التشريد الكبير للإعلاميين والصحفيين لعدم التزام المؤسسات تجاههم، وعجزها عن توظيف الصحافيين وتحويلهم من الصحافة الورقية إلى الإلكترونية والاستمرار في أداء مهامهم من الولايات الآمنة".
** الحرب أجهزت على الصحافة
الصحفي السوداني محمد سعيد، رأى أن الصحافة الورقية كانت في حالة موت سريري قبل الحرب لأنها عانت اقتصاديا.
وقال في حديث للأناضول "لكن بعد الحرب لم تتمكن أغلب المباني ومقار الصحف في العاصمة من العمل بل أن بعض الصحف تحولت مقراتها الى ثكنة عسكرية بواسطة قوات الدعم السريع التي تفضل الحركة والتنقل بين مدن العاصمة".
وأضاف: "الصحافة الورقية كانت تعاني اقتصاديا، وعندما اندلعت الحرب لم يتردد ملاك الصحف وأغلبها مملوكة للقطاع الخاص، من إغلاقها الى حين توقف الحرب".
وتابع سعيد: "وذلك بسبب صعوبة حركة الصحفيين في العاصمة وكذلك صعوبة تغطية أخبار المعارك العسكرية لعدم وجود ضمانات أمنية والشكوك الموجودة لدى الطرفين (الجيش والدعم السريع)، بأن الصحفيين يعملون لصالح أطراف النزاع المسلح".