أكد المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الثلاثاء، أن مسار التطورات في اليمن منذ بداية العام يسير في الاتجاه الخطأ إذا لم تتم معالجته، وقد يصل إلى نقطة حرجة، مع تهديدات بالعودة إلى الحرب الشاملة في البلاد.
جاء ذلك خلال إحاطة جديدة قدمها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، لمجلس الأمن الدولي في جلسة جديدة لمناقشة الملف اليمني في ظل التصعيد الأخير.
وقال غروندبرغ لمجلس الأمن، إن "البعد الإقليمي للنزاع في اليمن يزداد وضوحًا. ويُتَرجم التصعيد في المجال الاقتصادي إلى تهديدات علنية بالعودة إلى الحرب الشاملة. كما تزيد جماعة أنصار الله من حدة قمعها للمجال المدني والمنظمات الدولية".
وحذر المبعوث الأممي، مجلس الأمن الدولي، من خطر العودة إلى الحرب الشاملة في اليمن، وعواقبها المتوقعة بما يشمل المعاناة الإنسانية والتداعيات الإقليمية المترتبة على ذلك.
ورحب غروندبرغ، بقرار الأطراف اليمنية واختيارهم طريق الحوار، متطلعا إلى المزيد من التعاون مع الأطراف لدعمها في تنفيذ التزاماتها فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية. يظل الهدف هو عملة موحدة، وبنك مركزي موحد ومستقل، وقطاع مصرفي بعيد عن التدخل السياسي".
وقال المبعوث الأممي: "يجب أن يُتَرجَم التزام الأطراف بخفض التصعيد والحوار، بحسب التفاهم الذي توصلوا إليه الليلة الماضية والتفاهم الأوسع الذي توصلوا إليه في ديسمبر الماضي، إلى استعداد للتفاوض بشكل مباشر".
وجدد غروندبرغ، التأكيد على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة الأخيرة إلى الإلتزام بأقصى درجات ضبط النفس فيما يتعلق باليمن، داعيا الأطراف على الانخراط مع مكتبه بحسن نية حول نهج طويل الأمد لخفض التصعيد وإعطاء الأولوية لرفاهة اليمنيين".
نص الإحاطة
شكرًا لك سيدي الرئيس. سيدي الرئيس، بينما أقدم إحاطتي اليوم، فإن مسار التطورات في اليمن منذ بداية العام يسير في الاتجاه الخطأ إذا لم تتم معالجته، فقد يصل إلى نقطة حرجة. البعد الإقليمي للنزاع في اليمن يزداد وضوحًا. ويُتَرجم التصعيد في المجال الاقتصادي إلى تهديدات علنية بالعودة إلى الحرب الشاملة. كما تزيد جماعة أنصار الله من حدة قمعها للمجال المدني والمنظمات الدولية. وبينما أبدت الأطراف استعدادها للمشاركة في الحوار في المجال الاقتصادي، وهو ما أرحب به، أكرر تحذيري للمجلس من خطر العودة إلى حرب شاملة وعواقبها المتوقعة من معاناة إنسانية وتداعيات إقليمية. لدينا مصلحة ومسؤولية مشتركة لتجنب ذلك.
سيدي الرئيس، لقد مضت قرابة سبعة أسابيع منذ أن قامت جماعة أنصار الله باحتجاز ثلاثة عشر زميلًا من الأمم المتحدة تعسفيًا، بالإضافة إلى عشرات من موظفي المنظمات الدولية والمحلية، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، وكثير منهم يدعمون عمل الأمم المتحدة. من بين الذين احتجزوا تعسفيًا، هناك على الأقل أربع نساء. أعلم من خلال تواصلي مع أفراد العائلات أنهم يشعرون بالخوف على مصير أمهاتهم وآبائهم وبناتهم وأبنائهم وأخواتهم وإخوانهم المحتجزين حاليًا. فقد مر قرابة شهرين دون معرفة مكان احتجازهم أو الظروف التي يتم احتجازهم فيها. قرابة شهرين، ولم نسمع أي أخبار عنهم. بالإضافة إلى ذلك، فهناك أربعة موظفين آخرين من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان واليونسكو محتجزون منذ فترات أطول، تحديدًا منذ عامي 2021 و2023.
دعوني أقول بوضوح: جميع الموظفين المحتجزين هم أشخاص يعملون يوميًا من أجل بلدهم، من أجل اليمن. يقدمون الإغاثة الإنسانية لمن يحتاجها. يحافظون على تراث البلاد. ويعملون في مجالات الوساطة والتنمية وتعزيز حقوق الإنسان وبناء السلام. لولا هؤلاء الموظفين ومنظماتهم، لكانت آثار الحرب على سكان اليمن أشد سوءً. لذا، أكرر مطالبتي إلى جماعة أنصار الله بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم والامتناع عن احتجاز أي موظفين إضافيين من الأمم المتحدة أو المنظمات غير الحكومية أو المجتمع المدني.
سيدي الرئيس، بلغ مسار التصعيد المستمر منذ سبعة أشهر مستوى جديدًا وخطيرًا الأسبوع الماضي. أشعر بقلق بالغ إزاء الأنشطة العسكرية الأخيرة في المنطقة، بما في ذلك هجوم بالطائرات المسيرة على تل أبيب من قبل جماعة أنصار الله في 19 يوليو، والهجمات الإسرائيلية التي أعقبت ذلك على ميناء الحديدة ومنشآتها النفطية والكهربائية في 20 يوليو. مازلت قلقًا للغاية بشأن استمرار استهداف الملاحة الدولية في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة به. تشير التطورات الأخيرة إلى أن التهديد ضد الشحن الدولي يتزايد من حيث النطاق والدقة. فقد تعرّضت السفن التجارية للغرق والأضرار، وسقط مدنيون قتلى، ولا يزال طاقم السفينة "جالاكسي ليدر" محتجزًا بشكل تعسفي، وعُرقِلَت التجارة الدولية. وفي الوقت نفسه، استمرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في تنفيذ ضربات على الأهداف العسكرية في المناطق التي تسيطر عليها جماعة أنصار الله. من المقلق أنه لا توجد إشارات على خفض التصعيد، فضلاً عن عدم وجود أي حلول في الأفق. هذه التطورات الأخيرة تظهر الخطر الحقيقي لتصعيد مدمر على مستوى المنطقة.
سيدي الرئيس، يظل الوضع على الجبهات مصدر قلق أيضًا. فعلى مدى الأشهر الماضية، شهدنا زيادة في التحضيرات العسكرية والتعزيزات. وفي هذا الشهر، تم الإبلاغ عن اشتباكات على طول عدة خطوط أمامية، بما في ذلك الضالع والحديدة ولحج ومأرب وصعدة وتعز. وبينما ظلت مستويات العنف محتواه نسبيًا مقارنة بفترة ما قبل هدنة 2022، فإن التوجه الأخير للتصعيد المصحوب بتهديدات مستمرة بالعودة إلى حرب شاملة يظهر مدى هشاشة الوضع.
سيدي الرئيس، رغم قلقي بشأن المسار العام الذي تسلكه اليمن، يشجعني أن الأطراف قد أبلغتني ليلة أمس أنها اتفقت على مسار لتهدئة دورة الإجراءات والتدابير المضادة التي هدفت لتشديد القبضة على القطاع المصرفي وقطاع النقل. يأتي هذا التفاهم بعد شهور من العمل المكثف من قبل مكتبي للبحث عن حلول والتحذير من المخاطر الجسيمة التي قد يتعرض لها الشعب اليمني جراء هذا التعمق في تسليح الاقتصاد. أرحب بقرار الأطراف لاختيار مسار الحوار وأتطلع إلى المزيد من العمل معهم لدعمهم في تنفيذ التزاماتهم فيما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية. يظل الهدف هو تحقيق عملة موحدة، وبنك مركزي موحد ومستقل، وقطاع مصرفي بعيد عن التدخلات السياسية. أود أيضًا أن أشير إلى الدور الهام الذي لعبته المملكة العربية السعودية في التوصل إلى هذا التفاهم.
إلا إنني أستطيع وبالفعل أحذر من أننا وقفنا الموقف نفسه من قبل، وأن الأطراف لديها خيار يتعين عليها اتخاذه. هناك قضايا أساسية يجب معالجتها. قد تكون الإجراءات المؤقتة بمثابة ضمادات، لكنها لن توفر حلولًا مستدامة ولا يعقل في غياب الحوار المستدام أن تمهد مثل هذه الإجراءات الطريق لوقف إطلاق نار يعم جميع أنحاء البلاد ولعملية سياسية. يجب أن يُتَرجَم التزام الأطراف بخفض للتصعيد والحوار، كما يظهر من التفاهم الذي تم التوصل إليه ليلة أمس والتفاهم الأوسع الذي تم التوصل إليه في ديسمبر الماضي، إلى استعداد للتفاوض المباشر. إن المشاركة في حوار بنوايا حسنة هو الحد الأدنى من متطلبات الوفاء بمسؤولياتهم تجاه الشعب اليمني وهو اختبار حقيقي لجدية نواياهم لاتباع مسار الحل السلمي للنزاع.
سيدي الرئيس، بينما أستمر وزملائي في الأمم المتحدة في جهودنا الحثيثة من أجل إطلاق سراح موظفينا وعمال الإغاثة والعاملين في المجتمع المدني، فإننا مصممون أيضًا على رؤية الإفراج عن الآلاف من المحتجزين على خلفية النزاع ممن انتظروا سنوات ليتم لم شملهم مع ذويهم. لذا، يمثل لقاء الأطراف ومناقشاتهم في سلطنة عمان، تحت رعاية الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بشأن الإفراج عن المحتجزين المرتبطين بالنزاع على أساس مبدأ "الكل مقابل الكل" والذي تم الاتفاق عليه في ستوكهولم عام 2018،علامة إيجابية. فقد حقق الاجتماع تقدمًا كبيرًا، لكن للأسف لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق للإفراج الشامل عن الجميع. ستستمر جهودنا في هذا الصدد. أود أن أشكر سلطنة عمان على استضافة الاجتماع كجزء من دعمها القيّم لجهود الوساطة التي أقوم بها.
سيدي الرئيس، كلفني هذا المجلس بدعم استئناف عملية انتقال سياسي سلمي وجامع ومنظم بقيادة يمنية تلبي المطالب والتطلعات المشروعة للشعب اليمني. يطالب اليمنيون بالسلام، ويطالبون بالازدهار الاقتصادي، ويطالبون بالخدمات الأساسية، وبالحكم الرشيد، ويطالبون بالعدالة والمصالحة. لكن، في الآونة الأخيرة، بدلاً من التركيز على إيجاد حل مستدام وعادل لصالح جميع اليمنيين، يجبرني الوضع على التركيز على حلول المدى القصير. فهناك قضايا جديدة تظهر باستمرار مما يتطلب بذل جهود كبيرة لإقناع الأطراف إما بالامتناع عن تنفيذ إجراءات تصعيدية أو بالعودة إلى الوضع السابق لاتخاذ إجراءات تصعيدية.
التحديات التي أوجزتها اليوم توضح بشكل أكبر أن السبيل الوحيد للمضي قدمًا في اليمن هو إيجاد حلول مقبولة للطرفين من خلال الحوار والتفاوض. البديل يعني المزيد من التشظي والمزيد من المعاناة. سأظل ومكتبي ملتزمين بمواصلة تقديم المساعدة والتشجيع وتوفير كل فرصة للأطراف لإيجاد حلول من خلال الحوار، كما كنا دائمًا. لكن في النهاية، الاختيار للأطراف. بالإضافة إلى تكرار الدعوة الأخيرة للأمين العام للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس فيما يتعلق باليمن، أحث الأطراف على العمل بحسن نية مع مكتبي والعمل على نهج طويل الأمد لخفض التصعيد وإعطاء الأولوية لرفاه اليمنيين. سيسمح لنا ذلك بالحفاظ على المساحة اللازمة لمواصلة العمل نحو وقف إطلاق نار شامل على مستوى البلاد واستئناف العملية السياسية كجزء من الالتزامات المتفق عليها سابقًا ليتم تنفيذها من خلال خارطة طريق أممية.
سيدي الرئيس، سأظل أعتمد على دعم المجلس الكامل في جميع هذه الجهود. شكرًا لكم.