تأثر نشاط الموانئ في البحر الأبيض المتوسط نتيجة استمرار التوتر العسكري في باب المندب والبحر الأحمر، وبدأت موانئ إفريقية تنتعش، وقد تتعود سفن الشحن الدولي خاصة العملاقة منها على الطريق الجديد مما سينعكس سلبا على اقتصاديات دول، ومنها مصر، بسبب تراجع الإقبال على قناة السويس، ويبقى المغرب أكبر المستفيدين.
وقد شرع الحوثيون في شن هجمات ضد السفن الإسرائيلية خلال نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي كأحد أكبر المفاجآت للحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، وتعهد الحوثيون بعدم وقف الهجمات حتى إعلان إسرائيل وقف الإبادة ضد الفلسطينيين. وتطور الأمر الى الهجوم على السفن التي تقصد الموانئ الإسرائيلية، وانتهى إلى مواجهة مع القوات العسكرية الغربية سواء التي تتولاها القوات العسكرية الأمريكية والبريطانية تحت اسم “حارس الرفاهية” أو مهمة الاتحاد الأوروبي بعنوان “أسبيديس”.
وتفضل شركات الشحن الدولي تغيير مسار الطريق البحري لسفنها خوفا من ضربات الحوثيين، لاسيما أمام معطيين رئيسيين أفرزنهما المواجهة في البحر الأحمر، وهما: قوة الحوثيين على إغراق سفن كبيرة، وفشل القوات الغربية في القضاء على الهجمات الحوثية.
ونتيجة هذا الوضع الجيوسياسي الذي لم يكن متوقعا، قررت شركات الشحن البحري الدولية تغيير مسار السفن من البحر الأحمر إلى الطريق البحري الذي يمر عبر جنوب إفريقيا، وهو الطريق الكلاسيكي قبل فتح قناة السويس، مما أدى إلى انتعاش الموانئ الإفريقية وتراجع الموانئ المتوسطية.
قررت شركات الشحن البحري الدولية تغيير مسار السفن من البحر الأحمر إلى الطريق البحري الذي يمر عبر جنوب إفريقيا، وهو الطريق الكلاسيكي قبل فتح قناة السويس، مما أدى إلى انتعاش الموانئ الإفريقية وتراجع الموانئ المتوسطية
ويبرز الخبير رونار كربيريو من جامعة لوهافر الفرنسية، والجامعية برجيت دودي في دراسة لهما بموقع “ذي كونفرسيشن” جرى نشرها يوم الأحد، أن نشاط الموانئ في البحر المتوسط كمحطة توقف قد تراجع خلال يناير الماضي بنسبة 51% بالنسبة لميناء بور سعيد المصري، و23% في حالة ميناء مارسيليا، و72% لميناء ميرسين التركي، و51% لميناء بيري اليوناني. وهذه موانئ تقدم خدمات للسفن خاصة التي تتوجه من آسيا نحو شمال أوروبا وأمريكا اللاتينية. ولم تتأثر كثيرا موانئ اسبانيا مثل برشلونة أو الميناء المتوسطي في طنجة المغربية، بسبب ارتباط هذه الموانئ بمعبر مضيق جبل طارق. بل يعتبر الميناء المغربي من الموانئ الأكثر استفادة من الأزمة الحالية بسبب موقعه الجغرافي. كما أصبحت موانئ إفريقية مثل بورت لويس في جزر الموريس، ووالفيس باي في ناميبيا، وبعض موانئ نيجيريا نقاط توقف رئيسية للسفن.
وبدون شك، ستكون الأرقام مقلقة في التراجع لكل موانئ وسط وشرق المتوسط بسبب استمرار المناوشات الحربية في البحر الأحمر حيث تمر 12% من التجارة الدولية عبر قناة السويس، وهذا يقدم صورة واضحة عن الخسائر التي تلحق الآن بالموانئ في البحر المتوسط.
ستكون خسائر مصر كبيرة بسبب تراجع عائدات قناة السويس، ثم الكساد في تراجع الطلب على خدمات ميناء بورسعيد. في المقابل، سيعمل ميناء طنجة بكل طاقته للتأقلم مع ارتفاع الطلب عليه
وهناك تخوف من تغيير سيستمر طويلا في الملاحة التجارية، ولعل الضربة الموجعة هي الشركة الصينية كوسكو، التي قررت جعل ميناء البلجيكي زيبروغ أحد المراكز الرئيسية للتوزيع برا وبحرا بما في ذلك نحو مدن البحر الأبيض المتوسط، بمعنى أن السفن ستبحر عبر جنوب القارة الإفريقية نحو هذا الميناء ويتم التوزيع انطلاقا منه، وستقلل كثيرا من الاعتماد على الموانئ المتوسطية خاصة شرق هذا البحر.
وستكون خسائر مصر كبيرة بسبب تراجع عائدات قناة السويس، ثم الكساد في تراجع الطلب على خدمات ميناء بورسعيد. في المقابل، سيعمل الميناء المتوسطي في طنجة بكل طاقته للتأقلم مع ارتفاع الطلب عليه.