إعلان الحوثيين إدخال سلاح الغواصات في عملياتهم يقلل من تأثير غارات وضربات التحالف الثنائي؛ ما قد يدفع واشنطن ولندن للانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد، حفاظًا على ماء الوجه.
صنعاء ـ «القدس العربي»: شهد الأسبوع الماضي تصعيدًا عسكريًا لافتًا في منطقة البحر الأحمر؛ فتزايدت عمليات قوات جماعة «أنصار الله» (الحوثيون) لأكثر من عشر عمليات، وفي المقابل شنت مقاتلات أمريكية وبريطانية مزيدًا من الغارات على محافظة الحديدة بشكل يومي مستهدفة نفس المناطق أكثر من مرة؛ الأمر الذي يرشح الوضع لمزيد من التصعيد؛ لاسيما وأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مرشح للاستمرار، وبمزيد من الوحشية التي لم يسبق للعالم أن شاهدها وعاشها، يقابله تأكيد الحوثيين على مزيد من التصعيد مقابل التصعيد، مع إعلانهم إدخال سلاح الغواصات في عملياتهم؛ وهو ما يقلل من تأثير غارات وضربات التحالف الثنائي؛ لتظهر وكأنها لم تنل لو من جزء بسيط من قدراتهم؛ ما قد يدفع واشنطن ولندن للانتقال إلى مرحلة جديدة من التصعيد، على الأقل حفاظًا على ماء الوجه؛ وحينها يمكن القول إن حربا إقليمية قد بدأت، ولن نعرف أين ستتوقف؛ الأمر الذي يفرض مناقشة سؤال اللحظة: إلى أي مدى يمكن أن يذهب إليه التصعيد في البحر الأحمر؟ وماذا عن مآلات تطور هذا التصعيد؟
يأتي تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في ظل استخدام واشنطن للفيتو للمرة الثالثة، في مجلس الأمن ضد مشروع قرار لإيقاف الحرب على قطاع غزة؛ في إشارة إلى استعداد أمريكي غربي للمضي بالحرب على غزة إلى أبعد مدى؛ متجاهلين بشكل لافت جرائم ومجازر لم يسبق لمحتل أن ارتكبها في التاريخ الحديث والمعاصر؛ وهو ما قد يدفع بالمنطقة إلى أتون حرب مشتعلة في حال أقدمت واشنطن وحلفائها على توسيع دائرة الحرب والتصعيد في البحر الأحمر؛ فمساحة اللامعقول فيما يجري تتسع يومًا بعد آخر؛ ما يجعل القراءة المنطقية غير قادرة على استيعاب المشهد، والتعاطي معه وفق منطق ما مضى وما يمضي؛ لاسيما وأن التحشيد للقطع الحربية الغربية مستمر إلى البحر الأحمر؛ ما يدفع بمخاوف كثيرة في حال خرجت الحرب عن السيطرة؛ وهو ما حذرت منه الصين، الخميس الماضي.
على ما هو عليه
في إجابته على السؤال يرى الباحث اليمني عادل دشيلة لـ «القدس العربي» أن التصعيد الراهن سيبقى على وضعه، ولن يقود إلى تصعيد أخطر، ولن ينعكس تطورًا في العملية السياسية في البلاد، وسيبقى الوضع لا سلم ولا حرب، ولا عمليات عسكرية واسعة النطاق.
وقال: «في تصوري أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تُصعّد عسكريًا بشكل أكبر في العمق اليمني. ولا يمكن أن تدخل في حرب شاملة مع جماعة الحوثي؛ لكنها ستظل مفتوحة في إطار الفعل وردة الفعل. لكن هل هذه العملية ستشل من قدرات الحوثيين؟ لا أتوقع ذلك، يعني ستؤثر على قدرات الحوثيين العسكرية. ولهذا هناك ثلاثة اتجاهات يمكن طرحها: الاتجاه الأول: أن تكون هذه العمليات العسكرية مفتوحة مع جماعة الحوثي؛ ويعني اعتراض أسلحتها الموجهة ضد السفن، من خلال هذا التحالف الموجود في البحر الأحمر. الاتجاه الثاني: إجراء الحوار مع جماعة الحوثي عبر سلطنة عُمان على أساس أنه بالإمكان أن نقدم تنازلات، أي حوار سياسي، وهو يجري في الوقت الراهن. الاتجاه الثالث: وهذا مُستبعد، أن يتم دعم القوات الموالية للتحالف العربي غير قوات الحكومة اليمنية الشرعية، كالقوات الموجودة على ساحل البحر الأحمر في المخا وفي جنوب البلاد، للقيام بعمليات عسكرية ودعمها ضد جماعة الحوثي. لكن هذا لا أعتقد أنه سينجح؛ لأن المصالح الإقليمية ستكون في مرمى جماعة الحوثيين؛ وبالتالي لن تتسرع القوى الإقليمية، التي ترعى هذه الأطراف، بدعمهم عسكريًا، للدخول في مواجهة مباشرة مع جماعة الحوثي. وسيتم تصنيف هؤلاء على أنهم يقفون في الجانب الآخر المعادي للقضية الفلسطينية. أقصد بذلك قوات طارق صالح وقوات المجلس الانتقالي».
واستطرد: «العملية معقدة في الوقت الراهن، والدخول في تسوية سياسية في ظل الوضع الراهن لا أعتقد أنه سينجح. وبقاء الوضع بهذا الشكل بكل تأكيد له انعكاسات على السلم الأهلي والنسيج المجتمعي وعلى الوضع الإنساني والاقتصادي، بل وعلى العملية السياسية برمتها مستقبلا. إلى أين تسير الأوضاع في ظل هذا التصعيد؟ لا يمكن القول إن هذا التصعيد سيقود إلى تسوية سياسية، ولا يمكن القول، أيضًا، إنه سيقود إلى تصعيد أخطر، ولكن ما يمكن أن أقوله هو بقاء الوضع على هذا الشكل. يعني لا سلم ولا حرب، لا عملية سياسية، ولا عمليات عسكرية واسعة النطاق. وهذا بكل تأكيد يزيد من مصاعب ومتاعب اليمنيين الكثيرة، والتي طال أمدها».
المعركة في اتساع
فيما يرى الكاتب والباحث المصري، سامح عسكر، أن المعركة في إتساع، وأن الخاسر الأكبر هو الأمريكي والبريطاني.
وقال لـ «القدس العربي»: «أمريكا تُحارب في أرض غير أرضها، وفي مكان غير مكانها، وفي منطقة غير مناسبة للحرب. حتى في العلوم العسكرية لا يمكن السيطرة على البر من البحر إلا بقوات برية. لذلك أنا قلت إن قصة أو طموح منع اليمنيين من إطلاق الصواريخ على السفن، هذه قصة منتهية مسبقًا، هذه القصة مستحيلة، ولن تنجح. لابد من قوات برية لغزو اليمن، وهذا طبعًا صعب جدًا أن يحدث في اليمن، والولايات المتحدة ليس لديها مشروعات في ذلك، وهم غير قادرين على ذلك. القدرة العسكرية لديهم على ايقاف الصواريخ اليمنية، هذه القصة، كما سبقت الإشارة، صعبة جدا جدا. مستقبل الصراع أن أمريكا تخوض معركة فاشلة في باب المندب، وهم يُستنزفون، هم يحاربون في منطقة ليست منطقتهم. جميع شعوب ودول المنطقة، وأهم هذه الدول السعودية ومصر، هم رافضون للعمليات الأمريكية في البحر الأحمر؛ ويتهمون الولايات المتحدة وحليفها البريطاني بعسكرة البحر الأحمر. هم يعلمون أن قدوم الأمريكيين والإنكليز للمنطقة هو لحماية السفن الإسرائيلية فقط. هم لا تهمهم التجارة الدولية ولا الملاحة الدولية، بل بتدخلهم منعوا سفنا أخرى غير السفن الإسرائيلية من العبور».
وأضاف: «يعني كان في البداية يتم منع سفن إسرائيل. لكن الآن صار يتم منع سفن أمريكا وبريطانيا وأي سفن تتعامل مع إسرائيل. المعركة في اتساع، وستشتعل أكثر، والخاسر الأكبر في هذه المعركة هو الأمريكي والبريطاني؛ الذي يُستنزف عسكريًا ومعنويًا وماديًا وسياسيًا على المستويين الإقليمي والدولي؛ فعلى المستوى الإقليمي كإيران وعلى المستوى الدولي كالصين وروسيا، هؤلاء لا يتركون الأمر يمر مرور الكرام، إنهم ينتقدون الموقف الأمريكي؛ ويستغلون قصة ضربه لليمن بمزيد من الضغط، ومزيد من التشهير؛ وبالتأكيد يخسر في المقابل كثيرًا من الأرباح الاقتصادية والسياسية».
مسار التسوية
الكاتب محمد عبد الوهاب الشيباني، رئيس تحرير منصة «خيوط» الإعلامية، يرى، من جانبه، أن الخوف الحقيقي أن تؤثر هذه الأحداث على مسار التسوية السياسية في اليمن. وقال لـ«القدس العربي»: «الخوف الحقيقي لهذا التصعيد هو أنه سيبدد كل التراكمات التي قطعتها التسوية اليمنية فيما يتصل بخريطة الطريق التي أعلنها أواخر كانون الأول/ديسمبر الماضي المبعوث الأممي، والتي عوّل عليها اليمنيون للخروج من محنة الحرب والتأسيس لمرحلة سلام مستدام».
وأضاف: «عسكرة البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن وتحويلها إلى مناطق نزاع ستدخل اليمن من جديد في دوامة الأزمات الاقتصادية والسياسية، التي سيدفع ثمنها السكان، وستعزز سلطات الأمر الواقع في شمال البلاد بعيدًا عن حكومة موحدة تدير البلاد بقوة جيش موحد ومؤسسات فاعلة تُبنى على قاعدة التشارك بعيدًا عن المحاصصة المناطقية والطائفية ونزعات التفكيك».
حرب حقيقية
الصحافي والكاتب باسم الشعبي، رئيس مركز «مسارات» للدراسات الاستراتيجية والإعلام بعدن، يرى أن الولايات المتحدة ترتكب أكبر خطأ عندما توفر كل هذه الحماية للكيان الصهيوني. وقال لـ«القدس العربي»: «سيذهب هذا التصعيد إلى إدخال أمريكا في حرب واسعة بالمنطقة، ربما ستؤدي إلي إضعافها، وإضعاف نفوذها لصالح إيران وحلفاءها الصين وروسيا».
وأضاف: «ما يحدث في البحر الأحمر حرب حقيقية خلفها دول وأطراف كبرى، وهي تؤشر فعلاً إلى انهيار أمريكا كقطب عالمي واحد متحكم بالعالم، لصالح أقطاب أخرى في مقدمتهم العالم الإسلامي وروسيا والصين وربما الهند. على أمريكا أن تدرك أن لله جنود في السماوات والأرض، وأيضا في البحر، وهي اليوم، ترتكب أكبر خطأ حينما توفر الحماية للدولة الصهيونية وجرائمها في غزة وفلسطين؛ وبالتالي لن تفلت من العقاب إن لم تعد لرشدها».