[ السفينة الإسرائيلية غالاكسي ليدر التي احتجزها الحوثيون واقتادوها مع طاقمها إلى السواحل اليمنية (الجزيرة) ]
منذ نحو 3 أسابيع، تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها تنفيذ ضربات على مواقع للحوثيين في اليمن، ردا على هجماتهم المستمرة ضد السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وخليج عدن.
ورغم أن هذه الضربات التي استهدفت مواقع مختلفة في عدة محافظات، تهدف لردع الحوثيين بغية وقف عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن، إلا أنها لم توقف عمليات الجماعة اليمنية التي تشدد على ثبات موقفها حتى "وقف العدوان الإسرائيلي على غزة".
وبوتيرة متقطعة منذ 12 يناير/ كانون الثاني الماضي، يشن التحالف الذي تقوده واشنطن غارات يقول إنها تستهدف "مواقع للحوثيين" في مناطق مختلفة من اليمن، ردا على هجماتها في البحر الأحمر، وهو ما قوبل بتوعد من الجماعة بأنها "لن تمر دون رد".
و"تضامنا مع غزة" التي تتعرض منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لحرب إسرائيلية مدمرة بدعم أمريكي، يستهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن مرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، ما أثر سلبا على حركة الشحن والتجارة والإمداد.
ودخلت التوترات في البحر الأحمر مرحلة تصعيد لافت منذ استهداف الحوثيين المباشر في 9 يناير الماضي، سفينة أمريكية، بعد أن كانوا يستهدفون في إطار التضامن مع قطاع غزة سفن شحن تملكها أو تشغلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى إسرائيل.
وفي آخر استهدافاتها لإسرائيل والسفن المتجهة إليها، أعلنت الحوثي مطلع فبراير/ شباط الحالي، أنها نفذت عملية عسكرية ضد أهداف جنوبي إسرائيل بـ"صواريخ باليستية"، بينما ذكرت في 2 من الشهر الجاري أنها استهدفت سفينة تجارية بريطانية في البحر الأحمر كانت متجهة إلى موانئ إسرائيل.
وقلل باحثون يمنيون تحدثوا للأناضول، من تأثير الضربات الأمريكية على قدرات الحوثيين العسكرية، ووصفوا هجمات واشنطن وحلفائها بأنها "عبثية ولا هدف استراتيجي منها سوى إبداء القدرة على الرد"، مشيرين إلى "صعوبة مواجهة المليشيات المسلحة بمقارنة مع الجيوش النظامية كما حدث في أفغانستان".
هجمات متوسعة
وبدلا من خفض هجماتهم في البحر الأحمر وخليج عدن إثر الضربات التي استهدفتهم، استمر الحوثيون في تحدي واشنطن ولندن، وقاموا بتوسيع هجماتهم باستهداف سفن أمريكية وبريطانية بعد أن كان الأمر مقتصرا فقط على السفن الإسرائيلية.
ويثير هذا الأمر تساؤلات بشأن مدى تأثير الضربات الأمريكية على قدرات الحوثيين الذين قللوا في أكثر من مناسبة من أضرارها، ما جعلهم يواصلون هجماتهم بوتيرة شبه يومية.
والأربعاء، قال زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي في كلمة متلفزة، إن "الضربات الأمريكية والبريطانية على اليمن فاشلة ولا تأثير لها، ولن تحد من قدراتنا العسكرية".
وأضاف الحوثي أنه "من بوادر فشلها لجوء الولايات المتحدة إلى الاستعانة بالصين من أجل أن تسعى للوساطة والإقناع بوقف عملياتنا المساندة للشعب الفلسطيني(هجمات البحر الأحمر وخليج عدن)".
ولم يصدر تعليق من الصين أو الولايات المتحدة بهذا الخصوص، لكن حديث زعيم الحوثيين إن صح، فإنه، وفق مراقبين، يشير إلى عدم وجود تأثير فعلي للضربات الأمريكية في اليمن، ورغبة واشنطن في إقناع الجماعة المتحالفة مع إيران، بحل سياسي.
ضربات أمريكية
برأي مراقبين، فإن الضربات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين، لم تسفر عن أضرار كبيرة سواء عسكريا أو بشريا، بسبب أن المواقع المستهدفة سبق أن تعرضت للضرب المتكرر من التحالف العربي بقيادة السعودية، منذ عام 2015، ويدللون على ذلك بعدم توقف هجمات الحوثيين من تلك المواقع.
وفجر الأحد، قالت القيادة المركزية الأمريكية، في بيان على منصة "إكس"، إن "القوات الأمريكية بجانب القوات المسلحة البريطانية وبدعم من أستراليا والبحرين وكندا والدنمارك وهولندا ونيوزيلندا، نفذت ضربات ضد 36 هدفا في 13 منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن".
وتعلن واشنطن مرارا خلال هجماتها على مواقع الحوثيين في اليمن، أنها استهدفت أنظمة رادار وأنظمة دفاع جوي ومواقع تخزين وإطلاق مسيرات وصواريخ باليستية وصواريخ كروز معدة للإطلاق نحو السفن بالبحر الأحمر.
يرى الباحث اليمني نبيل البكيري أن "الهجمات الأمريكية لا توقف الحوثيين لأنها ضربات عبثية لا هدف استراتيجي منها سوى القول إن الولايات المتحدة قادرة على الرد، ولكن دون هدف واضح".
وأوضح البكيري للأناضول أن "الولايات المتحدة تربطها علاقة سرية بالحوثيين، وترى فيهم أنه يمكن استغلالهم في مشروعها ضد ما تسميه واشنطن الإرهاب".
وتابع: "لهذا السبب لم تعترض واشنطن على إسقاط العاصمة صنعاء (شمال) من الحوثيين عام 2014 ، ومنعت القوات الحكومية اليمنية في 2018 من اقتحام مدينة الحديدة (غرب)، ومع صعود الرئيس جو بايدن للبيت الأبيض سارع لشطب الحوثي من قائمة الجماعات الإرهابية".
ومضى الباحث قائلا إن "التحول الجديد في البحر الأحمر، قد يعيد ترتيب حسابات الاستراتيجية الأمريكية ونظرتها لهذه الجماعات الموالية لإيران، خاصة مع مقتل عدد من جنودها في الحدود الأردنية السورية الذين استهدفتهم مليشيات موالية لطهران، هذا ما لا يمكن الجزم به حاليا وسنترك الأيام والشهور القادمة لتوضحه".
وفي 28 يناير الماضي، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، في بيان، مقتل 3 جنود أمريكيين في هجوم بطائرة مسيرة ضرب قاعدة شمال شرق الأردن قرب الحدود مع سوريا.
رد محسوب
ويشير مراقبون إلى أن جماعة الحوثي لا تعبأ بالخسائر أو التضحيات أو تلقي ضربات كبيرة، كونها مصممة بأي ثمن على تحقيق مكاسب وسمعة كبيرة محليا وعربيا في مساندة فلسطين.
ويرى البعض أن واشنطن لا تبدو مهتمة بتوسيع نطاق الحرب مع الحوثيين، وهو ما أكده متحدث الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، في تصريح أدلى به في 24 يناير الماضي، حيث قال: "فيما يتعلق بالحوثيين، فإن الولايات المتحدة ليست مهتمة بأي تصعيد (مع الجماعة اليمنية)، لكن من غير المقبول أبدا أن تستهدف السفن الدولية والتجارة التي تتدفق عبر البحر الأحمر".
وأشار باتيل إلى أنه "يتدفق عبر البحر الأحمر 30 بالمئة من شحنات الوقود، و15 بالمئة من التجارة الدولية المنقولة بحرا".
وفي حديثه للأناضول، يرى الباحث والأكاديمي عادل دشيلة، أن "الولايات المتحدة لا تريد أن تدخل في حرب واسعة النطاق مع جماعة الحوثي في الوقت الراهن ولكنها تحافظ على أن تبقى العمليات العسكرية مفتوحة في إطار الفعل ورد الفعل".
وأضاف: "هذا يعني أنه كلما صعدت الحركة الحوثية عسكريا يتم الرد عليها واستهداف المناطق التي تنطلق الصواريخ أو الزوارق المفخخة أو ما شابه ذلك".
مهمة صعبة
ويشير دشيلة إلى أنه "من الصعب أن توقف الولايات المتحدة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لأن الهجمات متعددة الأوجه، وواشنطن ليست في مواجهة مع جيش نظامي حتى تقوم بشن عمليات واسعة النطاق".
وحول أسباب عدم استطاعة واشنطن ردع الحوثيين، يفيد دشيلة بأنه "من الصعب أن تردع جماعات مسلحة.. فالولايات المتحدة مكثت في أفغانستان 20 عاما ولكنها في نهاية المطاف خرجت من هناك، فهي ليست في مواجهة جيش نظامي، ولا تريد أيضا التصعيد في البحر الاحمر بشكل كبير لأنها مقبلة على انتخابات رئاسية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل".
ولفت الأكاديمي اليمني إلى أن واشنطن "لا تريد أن تتوسع العمليات العسكرية في المنطقة، لأن ذلك قد يضر بمصالحها، ولهذا ليس من مصلحتها في الوقت الراهن أن تصعد عسكريا بشكل كبير لردع جماعة الحوثي في البحر الأحمر بقدر ما يهمها أن تؤمن الملاحة الدولية بأقل قدر من الخسائر".
وأضاف: "هناك تصعيد عسكري من جماعة الحوثي التي تقول إنها تساند غزة ولابد من وقف عمليات الاحتلال الإسرائيلي في غزة من أجل أن توقف العمليات العسكرية في البحر الاحمر، وفي المقابل هناك انزعاج إقليمي من عمليات الحوثي".
وحول تأثيرات الضربات الأمريكية على أوضاع اليمن، أوضح دشيلة: "بكل تأكيد هذه العمليات العسكرية تؤثر عموما على اليمن اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وأمنيا وإنسانيا، لا سيما مع توقف الحديث في الوقت الراهن عن حل الأزمة السياسية في البلاد".
ويشهد اليمن منذ أبريل/ نيسان 2022 تهدئة من حرب بدأت قبل نحو 9 سنوات بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
وتتكثف منذ فترة مساعٍ إقليمية ودولية لتحقيق حل سياسي شامل للأزمة في اليمن، شملت زيارات لوفود سعودية وعمانية إلى صنعاء، إضافة إلى تحركات أممية ودولية متعددة للدفع بعملية السلام.