تتحول سوق النفط إلى الوجهات والمصادر الإقليمية بصورة متزايدة مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، وذلك ضمن اتساع نطاق حرب إسرائيل على قطاع غزة، وارتفاع أسعار الشحن، حسبما لفتت بلومبيرغ في تقرير لها اليوم.
بدايات انقسام
ويؤدي تراجع حركة ناقلات النفط عبر قناة السويس إلى ظهور بدايات انقسام إلى منطقة تجارية حول حوض المحيط الأطلسي وتشمل بحر الشمال والبحر الأبيض المتوسط، ومنطقة أخرى تشمل الخليج العربي والمحيط الهندي وشرق آسيا، وفق بلومبيرغ التي أشارت إلى أنه ما زال الخام يُنقل بين المنطقتين، عبر رحلة أطول وأكثر كلفة حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، لكن نمط الشراء الحديث يشير إلى انقسام سوق النفط.
وتقول جماعة الحوثي في اليمن إنها تستهدف السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، لكن الولايات المتحدة وبريطانيا شرعتا مؤخرا في استهداف مواقع في اليمن تحت ادعاء أنها تستخدم في الهجمات على الناقلات في البحر الأحمر، وهو ما دفع الجماعة اليمنية إلى اعتبار السفن التابعة للدولتين أهدافا مشروعة.
وفي أوروبا، تخلت بعض شركات التكرير عن شراء خام البصرة العراقي الشهر الماضي، حسبما نقلت الوكالة عن أحد المتعاملين، في حين يحصل مشترو القارة العجوز على الشحنات من بحر الشمال وغويانا. أما في آسيا، أدت القفزة في الطلب على خام مربان من أبو ظبي إلى ارتفاع الأسعار الفورية في منتصف يناير/كانون الثاني، وانخفضت التدفقات من كازاخستان إلى آسيا بشكل حاد.
وانخفضت شحنات النفط من الولايات المتحدة إلى آسيا بأكثر من الثلث الشهر الماضي مقارنة بديسمبر/كانون الأول، وفق ما نقلت الوكالة عن بيانات تتبع السفن من شركة "كبلر".
ولا يبدو انقسام السوق دائما، لكنه يجعل الأمر أصعب للدول المعتمدة على الاستيراد كالهند وكوريا الجنوبية لتنويع مصادر إمداداتها من النفط، وبالنسبة لمصافي التكرير، فإن ذلك يحد من مرونتها في الاستجابة لمعطيات السوق المتغيرة بسرعة، ويمكن أن يؤدي في النهاية إلى تآكل هوامش ربحها، وفق بلومبيرغ.
أمر منطقي
ونقلت الوكالة عن فيكتور كاتونا كبير محللي النفط في شركة تحليلات البيانات "كبلر"، قوله إن التحول نحو الشحنات الأسهل من الناحية اللوجستية أمر منطقي من الناحية التجارية، وتوقع أن يبقى الحال على ما هو عليه طالما أن اضطرابات البحر الأحمر أبقت أسعار الشحن مرتفعة.
وعدّ كاتونا الموازنة بين أمن الإمدادات وتعظيم الأرباح، أمرا صعبا.
وذكرت كبلر في مذكرة صدرت في 30 يناير/كانون الثاني، أن عبور ناقلات النفط عبر قناة السويس تراجع 23% الشهر الماضي مقارنة بنوفمبر/تشرين الثاني، وكان الانخفاض أكثر وضوحا بالنسبة لغاز البترول المسال والغاز الطبيعي المسال، اللذين انخفضا 65% و73% على التوالي، حسبما ذكرت الوكالة.
وفي أسواق المنتجات، كانت تدفقات الديزل ووقود الطائرات من الهند والشرق الأوسط إلى أوروبا، وزيت الوقود الأوروبي والنافتا المتجهة إلى آسيا هي الأكثر تأثرا، بحسب بلومبيرغ.
وذكرت الوكالة أن أسعار النافتا -وهي مادة خام للبتروكيميائيات- سجلت أعلى مستوياتها في نحو عامين الأسبوع الماضي وسط مخاوف من أن يصبح من الصعب الحصول عليها من أوروبا.
وفي تأثير آخر على أسعار النفط، أدت الهجمات في البحر الأحمر إلى رفع تكاليف النقل، وهو ما يشجع مصافي التكرير على التوجه إقليميا كلما أمكن ذلك، وقالت كبلر إن أسعار ناقلات النفط من طراز "سويز ماكس" من الشرق الأوسط إلى شمال غرب أوروبا قفزت بنحو النصف منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول، وارتفع خام برنت القياسي العالمي بنحو 8% خلال نفس الفترة، وفق الوكالة.
وزادت كُلفة تسليم النفط إلى آسيا من الولايات المتحدة -حيث يتزايد الإنتاج- بأكثر من دولارين للبرميل على مدى 3 أسابيع في يناير/كانون الثاني، وفقا للمتداولين المشاركين في السوق.
تنوع ممكن.. ولكن
وقال جيوفاني ستونوفو محلل السلع في مجموعة يو بي إس غروب: "لا يزال التنويع ممكنا، لكنها بكلفة أكبر..وإذا لم يكن ممكنا تمريرها إلى المستهلك النهائي، فإنها ستقتطع من هوامش مصافي التكرير"، حسبما نقلت عنه بلومبيرغ.
ومن المستبعد، بحسب الوكالة، أن يؤدي الوضع في البحر الأحمر إلى إعادة ترتيب تدفقات النفط على المدى الطويل، لكن من الصعب، كذلك، رؤية حل للصراع على المدى القريب، وبدلا من ذلك، ثمة خطر كبير بحدوث المزيد من الاضطرابات، خاصة بعد هجوم الحوثيين على ناقلة تحمل الوقود الروسي أواخر الشهر الماضي.
ونقلت بلومبيرغ عن مدير شركة ساري للطاقة النظيفة الاستشارية، أدي إيمسيروفيتش، قوله: "العوامل الجيوسياسية ليست جيدة للتجارة.. إذا كنت مشتريا، سأكون حذرا. إنه وقت صعب لمصافي التكرير، وخاصة المصافي الآسيوية، التي تحتاج إلى مزيد من المرونة".