[ يدفن الغزيون جثامين ذويهم في الشوارع (فادي الوحيدي/الأناضول) ]
ارتكب الاحتلال الإسرائيلي مجزرة في "مستشفى اليمن السعيد" الواقع على أطراف مخيم جباليا صباح السبت الماضي، مستخدماً القنابل الحارقة في قصف الخيام التي تؤوي مئات النازحين في وسط المستشفى الذي يوجد فيه عشرات من ذوي المرضى والمصابين وعدد من المسنين.
وزاد من فداحة المجزرة اقتحام قوات الاحتلال محيط المستشفى، لتخلف 13 شهيداً من بينهم ثلاثة من ذوي الإعاقة، والذين لم يتمكنوا من الهرب من تحت القذائف والقنابل، وتم نقل عشرات المصابين إلى مدارس وكالة أونروا القريبة، وتولى إسعافهم المتطوعون والمسعفون الموجودون.
يقيم محمود البطران (30 سنة) مع أسرته التي تشمل والدته المسنة، وعدد من الأقارب في المستشفى منذ منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد نزوحهم من بلدة جباليا المحاذية للمخيم، وهو أحد الناجين من المجزرة، ويشير إلى أن "العدد الأكبر من النازحين إلى مستشفى اليمن السعيد هم من سكان مخيم وبلدة جباليا، وعدد آخر من سكان بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون، وغالبيتهم من كبار السن الذين عجزوا عن النزوح إلى جنوبي قطاع غزة".
يقول البطران لـ"العربي الجديد" إن "مبنى المستشفى جديد، لكن الكثير من القذائف ورصاصات القناصة استهدفته. كان القتل مقصوداً، وهناك من حاولوا الهرب خلال القصف، لكنهم استشهدوا أو أصيبوا، وقد أصبت بشظايا في ظهري، لكن تابعت السير للهرب. غادر جميع النازحين المستشفى لأن الاحتلال حرقه ودمره تماماً. أحد الشهداء كان مسناً لا يستطيع الحركة، وكان يصرخ طالباً إنقاذه، لكن أحداً لم يستطع ذلك نتيجة شدة القصف، في حين ظلت الطواقم الطبية عاجزة لساعات عن الوصول إلى المنطقة".
اختار محمود الشيخ زاوية على أطراف "مستشفى اليمن السعيد" لدفن جثمان شقيقته نائلة الشيخ (45 سنة)، وهي من ذوي الإعاقة الحركية، وكتب اسمها على حائط قريب حتى يتمكن من نقل الجثمان بعد نهاية العدوان، لكنه يشعر بحسرة كبيرة لأنها استشهدت على كرسيها المتحرك.
يقول محمود لـ"العربي الجديد": "أصاب القصف شقيقتي، وشاهدتها تحترق، لكني لم أكن أملك إنقاذها، واضطررت للهرب للنجاة، وعندما عدت وجدت جثمانها متفحماً. كان يتم إطلاق النار على كل من يحاول دخول المستشفى، وتم قصف المبنى المجاور بعشرات القذائف".
ويشير مدير عام وزارة الصحة في غزة، منير البرش، إلى أن المستشفى كان يتم تجهيزه لاستقبال حالات الولادة في شمالي قطاع غزة، وتقديم خدمات رعاية النساء، لكن مع بدء العدوان، وتوقف العمل في مستشفى بيت حانون، تم تخصيصه لإسعاف المصابين. يضيف لـ"العربي الجديد": "كان المستشفى يضم ما لا يقل عن 7 آلاف نازح حسب ما وصلنا من بيانات، وقد تكون الأعداد زادت خلال الأيام الأخيرة لأن غالبية مستشفيات شمالي القطاع خرجت عن الخدمة. بعد القصف، لم تستطع الطواقم الطبية الدخول إلا بعد إخماد الحريق، وبعد الدخول وجدوا بعض الجثث متفحمة".
ويؤكد البرش أن "بعض الشهداء تم دفنهم في داخل المستشفى، وبعض الأشخاص اضطروا إلى خلع البلاط من أجل دفن ذويهم. مناطق شمالي قطاع غزة كلها محاصرة، ولا يستطيع أحد الوصول إلى أي مقبرة، كما أن جميع المقابر ممتلئة، والمقبرتان الشرقية والغربية محاصرتان من الاحتلال الإسرائيلي".
كان أحمد التري (35 سنة) يقيم في شارع الهوجا بوسط مخيم جباليا، وبعد تكرار قصف المخيم، نزح مع أسرته إلى مستشفى اليمن السعيد، وكان شاهداً على المجزرة الإسرائيلية في المستشفى. يقول لـ"العربي الجديد": "نزحنا إلى مستشفى اليمن السعيد ظناً أنه المكان الآمن الوحيد بعد اقتحام الاحتلال المستشفى الإندونيسي الذي نزح إليه شقيقي، والذي انتقل للبقاء معنا أيضاً خلال الهدنة الإنسانية. فوجئنا بوصول دبابات الاحتلال إلى بوابات المستشفى المطل على الشارع الكبير، وبدأت تدمر كل شيء من حولها بينما كنا نياماً، وتطايرت الشظايا فوقنا".
يضيف: "نزح غالبية الموجودين في المستشفى إلى مدارس وكالة أونروا في المخيم، رغم أنها مكتظة بالنازحين، وقد سمح لهم بالدخول لأنها حالة طوارئ، وقد نزحوا تحت قذائف مدفعية الاحتلال التي ضربت حدود المخيم. لا أحد يستجيب لكارثة مخيم جباليا، وما يحصل في شمالي القطاع أكبر بكثير من مجازر. خلال فترة الهدنة وجدنا جثثاً محروقة، وقد تكرر هذا في المستشفى. عندما قصفت روسيا أوكرانيا تضامن العالم كله معها، ربما لأن أطفالها عيونهم ملونة، بينما نحن نقتل يومياً، وأطفالنا يموتون تحت الأنقاض، ولا أحد يهتم بنا".