[ مزارع يمني يجمع أوراق القات (محمد حويس/ فرانس برس) ]
في الوقت الذي يعول فيه الكثيرون على القطاع الزراعي في اليمن لمواجهة الأزمة الغذائية المتفاقمة مع توسع مستويات الفقر والبطالة، يستمر تدهور القطاع وسط انخفاض إنتاجيته من الحبوب والمحاصيل الغذائية على حساب ما تعرف بـ"المحاصيل المربحة" التي استحوذت على مساحة كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة في مختلف مناطق ومحافظات اليمن خلال الفترة الماضية.
ويتصدر القات اهتمامات المزارعين اليمنيين بالنظر إلى العائد المادي المجدي من زراعته مقارنة بالمحاصيل الأخرى كالحبوب، إذ ترصد "العربي الجديد" استخدام نحو نصف الأراضي الصالحة للزراعة وإمدادات المياه في اليمن لزراعة القات الذي تزيد إنتاجيته بما يتراوح بين 10% و15% سنوياً، وفق تقارير دولية تحذر من تعمق انعدام الأمن الغذائي في البلاد.
والقات نبتة خضراء من أوراق شجر تمضغ و"تخزن" في الفم، ولها تأثير المخدر بدرجة متوسطة تعطي شعوراً بالنشاط، ويتعاطاها اليمنيون بشكل واسع ويومي. ولا يزال القات السلعة الوحيدة التي لم تتأثر بالحرب، بل تشهد أسواقه إقبالاً متزايداً من التجار والمستهلكين.
وتكشف بيانات رسمية صادرة حديثاً عن البنك الدولي، عن ارتفاع المساحة المخصصة لزراعة القات في اليمن بنسبة تزيد على 40% خلال الفترة من 2016 إلى 2022.
تعكس هذه النسبة وفق الخبير الزراعي فيصل الشرفي، توسع زراعة القات بصورة متسارعة خلال السنوات القليلة الماضية، واستحواذه على نسبة كبيرة من الأراضي الصالحة للزراعة في اليمن، وتسببه مع تزايد استهلاكه وإنتاجه الضخم في انخفاض الإنتاجية الاقتصادية لليمن، إضافة إلى ازدهار تجارته وتزايد أسواقه بصورة لافتة، مع ارتفاع حركة الأموال المتداولة في هذه الأسواق، والتي تقدر بمبالغ مالية ضخمة يصعب حصرها وتقديرها.
ورصدت "العربي الجديد" تحولاً مهماً يشهده القطاع الزراعي في اليمن، والذي يتجه نحو السلع النقدية في أنماط الإنتاج، والتي ساهمت في زيادة تكلفة المعيشة وارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويتناول اليمنيون القات طازجاً ولساعات طويلة، ويرفض معظمهم استعماله إذا وجدوه غير طازج أي قُطف في اليوم السابق، إذ يتراجع سعر هذا النوع إلى نصف الثمن.
وتقدر مساحة الأراضي الزراعية في اليمن بنحو 34% من إجمالي مساحة البلاد، غير أنّ الغالبية العظمى من هذه الأراضي عبارة عن مراعٍ، منها فقط 3% من إجمالي الأراضي مستصلح للزراعة، وأقل من نصفها، حوالى 1.5 مليون هكتار، أراضٍ مزروعة.
ويستخدم اليمن أقل من نصف أراضيه الصالحة للزراعة لإنتاج الغذاء، إذ تتوزع المساحة الصالحة للزراعة على أكثر من 528 ألف هكتار من الحبوب، و166 ألف هكتار من القات و136 ألف هكتار من العلف، فضلاً عن نحو 92 ألف هكتار من الفاكهة، و82 ألف هكتار من المحاصيل النقدية، وحوالى 69 ألف هكتار من الخضار، و48 ألف هكتار من البقوليات.
ويقول الباحث الزراعي بسام قاسم، لـ"العربي الجديد" إن هناك جدوى اقتصادية لمسها المزارعون والقطاع في اليمن من زراعة وإنتاج القات، وهو ما تغفل عنه أو بالأصح تتغاضى عنه الجهات الزراعية المعنية في البلاد لأسباب اقتصادية واجتماعية ومعيشية عديدة، بالنظر إلى استيعاب زراعته وتجارته الواسعة لعدد كبير من العمالة اليمنية التي يصل عددها إلى عشرات بل مئات الآلاف في سلسلة متشابكة تبدأ من الأراضي الزراعية وتنتهي في الأسواق والمستهلكين.
ويرى أن زيادة الإنتاج المحلي من المحاصيل الغذائية تتطلب وجود دولة ومؤسسات متماسكة تدرس هذا الواقع الزراعي، لاستخلاص الأسباب الحقيقية لسيطرة القات على الزراعة في اليمن، والمشاكل والتحديات والصعوبات التي تعترض زيادة الإنتاجية الزراعية من المحاصيل الغذائية.
في السياق، يقول الخبير في الهندسة الزراعية، حسن مهدي، لـ"العربي الجديد"، إن تطوير ومعالجة الاختلالات القائمة في القطاع الزراعي عملية مكلفة، وتتطلب جدية في الاهتمام الحكومي ينعكس في إيجاد شراكة واسعة ملموسة مع المزارعين والعاملين والمستثمرين في هذا القطاع، كما تتضمن متطلبات زيادة الإنتاجية الزراعية ضرورة التوقف عن أساليب الإنتاج كثيفة المدخلات إلى الممارسات المعرفية الحديثة التي تفضي إلى استخدام البذور المحسنة والتقنيات الزراعية.
ويستورد اليمن نحو 90% من احتياجاته الغذائية الأساسية، والتي ارتفع سعرها بشكل حاد مع انخفاض قيمة الريال منذ بداية الصراع في البلاد عام 2015. وتؤكد مؤسسات زراعية حكومية أنها أعدت تصوراً في إطار برنامج وطني لزيادة إنتاج الحبوب، وتحليل الوضع الراهن، خصوصاً الطرق الأساسية لزيادة إنتاج القمح والذرة الشامية والبقوليات ببرنامج يمتد إلى نحو عشر سنوات لرفع نسبة الإنتاج المحلي من محاصيل الحبوب.
كما يؤكد البنك الدولي تكثيف جهوده منذ مطلع العام الحالي لاستعادة إنتاج الأغذية الزراعية المحلية في اليمن، وتحقيق التعافي القادر على الصمود أمام تغير المناخ.
في المقابل، يرى محللون أن الفشل كان مصير كل الخطط والمحاولات السابقة لتنشيط إنتاج الغذاء محلياً، إذ زاد إنتاج القات الذي يتمتع بهوامش ربح عالية ودخل على مدار العام، في ظل توسع مساحته الذي يجعله يستمر في إزاحة الاهتمام بالمحاصيل الغذائية، مع تفاقم الأزمة الإنسانية وتدهور معيشة غالبية اليمنيين.
ويشير مزارعون إلى مواجهتهم صعوبات على كافة المستويات وسط تغيرات مناخية مؤثرة، ونقص في البذور والمستلزمات الزراعية وانخفاض الجدوى الاقتصادية للعديد من المحاصيل والمنتجات الزراعية.
وتصنف منظمة الصحة العالمية القات على أنه مخدر يؤدي إلى الإدمان "وتشمل الأعراض النفسية والهلوسة والاكتئاب وتسوس الأسنان". وينفق اليمنيون حوالى خمسة مليارات دولار سنوياً لشراء القات ومستلزماته، حسب محللين. ووفقاً للتقارير الرسمية، فإن القات يحتل المرتبة الثانية بعد الغذاء في إنفاق الأسرة اليمنية، والذي يتراوح ما بين 26% و30% من دخلها.
وتعد تجارة القات نشاطاً اقتصادياً مهماً لنسبة كبيرة من السكان تراوح ما بين 20% و30%، وبفعل عائداته الكبيرة، فقد ارتفعت نسبة العاملين في القات بشكل كبير من إجمالي العاملين في القطاع الزراعي.
وكشفت دراسة أعدتها وزارة الزراعة اليمنية، أن القات يساهم بنحو 33% من الناتج الزراعي، وما يعادل نحو 7.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو يساوي قرابة 54% من مساهمة النفط. ووفقاً للدراسة، فإن 72% من الرجال و33% من النساء فوق 12 سنة معتادون على مضغ نبتة القات، و42% من المستهلكين الذكور معتادون على ذلك، بمعدل من 5 إلى 7 أيام أسبوعياً.
تأتي هذه البيانات بينما يواجه أكثر من ثلثي سكان اليمن خطر الجوع، ويحتاجون بشكل عاجل إلى مساعدات للحفاظ على ما تبقى من سبل معيشتهم، إذ تتركز نسبة كبيرة منهم في تعز والحديدة، حيث يقطن ربع سكان اليمن بحسب البيانات الإحصائية السكانية.