[ وفد عماني في صنعاء لتجديد الهدنة - ارشيفية ]
انتهت مهمة وفد الوساطة العمانية، الذي زار صنعاء مؤخراً للمرة الثالثة خلال 2023، دون الإعلان عن أي نتائج ينشدها المتفائلون بشأن الاقتراب من إيجاد حل للأزمة اليمنية، التي على ما يبدو أنها دخلت مرحلة جديدة من تثبيت الوضع الراهن، الذي تتراجع فيه فكرة الدولة لحساب الجماعات المسلحة التي تفرض سلطتها على كثير من مناطق البلاد.
الخبر الذي نشرته وكالة الأنباء (سبأ) الخاضعة للحوثيين، الأحد، عن لقاء رئيس المجلس السياسي الأعلى الحاكم في مناطق سيطرة جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، مهدي المشاط، مع الوفد العماني لم يتضمن جديداً باستثناء التأكيد على ما سبق وطرحته الجماعة، ووفق الخبر “أكد المشاط أنه لم يعد من المقبول الاستمرار في الوضع الراهن الذي يعيشه أبناء اليمن في ظل استمرار العدوان وكل مظاهر الحصار والتجويع وتحويل الاستحقاقات الإنسانية المتمثلة في صرف مرتبات كافة موظفي الدولة وفتح مطار صنعاء الدولي وإزالة كافة القيود المفروضة على موانئ الحديدة إلى محل تفاوض”.
في هذا التحقيق نحاول تقديم قراءة في المسافة بين الحقائق والتوقعات فيما يجري حالياً في اليمن على صعيد الوساطة العمانية ومآلات الأزمة اليمنية… وهو ما تم مناقشته مع أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز البحوث والدراسات اليمنية، عبد الكريم غانم.
مهمة مستحيلة
عن ما يقف وراء الزيارة الأخيرة للوسطاء العمانيين إلى صنعاء، يقول عبد الكريم غانم لـ”القدس العربي”: “ما من شك في أن التأثير على الحوثيين للحد من اشتراطاتهم التي تعيق مسار إحلال السلام والتسوية السياسية للأزمة اليمنية عبر المفاوضات تبدو مهمة مستحيلة في نظر الوسطاء، بمن فيهم الوسيط العماني، الأمر الذي يضع العديد من علامات الاستفهام حول دوافع الجولة الأخيرة للوسطاء العمانيين إلى صنعاء”.
وأضاف: “في الواقع، جاءت هذه التحركات تفاديًا لانزلاق الأوضاع الأمنية والعسكرية في اليمن إلى سيناريوهات أسوأ، في ظل استمرار الحوثيين في حشد مقاتليهم إلى جبهات القتال وتلويحهم المتكرر بخيار التصعيد العسكري، إن لم يتم استئناف حوارهم مع السعودية، حيث يسعى الحوثيون للضغط على الرياض لدفعها لصرف رواتب الموظفين في المحافظات الشمالية من عائدات النفط والغاز اليمني، كما جاءت هذه التحركات العمانية مدفوعة بدعوة زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي للوفد العماني لزيارة صنعاء، وهو ما أعطى الأمل في إمكانية حدوث تغير في موقف الحوثي يمكن البناء عليه لإحداث اختراق في المفاوضات، من خلال القبول بتقديم تنازلات فعلية، إلا أن الواضح أن التطور في الموقف الحوثي يكاد يقتصر على القبول بتغيير آليات تنفيذ المطالب الحوثية، وهو في الواقع مجرد تكتيك، هدفه إيهام الوسيط العماني بالمرونة، ليس أكثر”.
سقف المطالب
هنا يقف المتابع ليسأل عن تفسير لاستمرار السقف المرتفع لمطالب الحوثيين التي تم الإعلان عنها خلال زيارة الوفد العماني الأخيرة لصنعاء.
ويقول غانم: “استمرار السقف المرتفع لمطالب الحوثيين المعلن عنها يتضمن رسالة للداخل مفادها أن قوات الحوثي هي التي حسمت المعركة العسكرية لصالحها، بما من شأنها إسكات الشارع ورضوخه لحكم الأمر الواقع بكل علاته، كما يشير هذا الرفع لسقف المطالب الحوثية إلى عدم استعداد الحوثيين لتقديم تنازلات استراتيجية لها وزنها، بما يجعل جهود المفاوضات تستنفد في خفض مطالب الحوثيين والحد منها عوضًا عن إلزامهم بتقديم تنازلات، وهنا يصبح وقف قصف المنشآت النفطية مقابل الحصول على عائدات النفط والغاز، وتمديد الهدنة بدلا عن إحلال السلام الدائم، والجلوس على طاولة التفاوض مع الوفد السعودي بديلا للمفاوضات اليمنية اليمنية”.
وأضاف: “ولعل ما يغري الحوثيين على رفع سقف المطالب والاشتراطات أن علاقة الرياض بأبو ظبي خلال هذه الفترة ليست على ما يرام، الأمر الذي ينعكس سلبًا على علاقة فصائل الحكومة اليمنية ببعضها، ويخل بتوازنها العسكري مع الحوثيين، ويمنحهم الفرصة للزهو والتحدث من موقع المنتصر”.
حوار يمني- يمني
لكن في حال تم الاتفاق على الملف الإنساني، فما الإطار الذي سيتبلور فيه الاتفاق سواء في معالجة موضوع المرتبات أو فتح الطرقات ورفع القيود عن المطارات أو الموانئ أو إطلاق الأسرى؟ كما يضيف الحوثيون إلى ذلك خروج القوات الأجنبية وإعادة الإعمار وجبر الضرر، ما يدفع للسؤال: هل ثمة أمل في حلحلة كل هذه الإشكالات دون حوار يمني- يمني شامل؟
يقول عبد الكريم غانم: “لن يحيد الحوثيون كثيرا عن استراتيجيتهم المتبعة في التفاوض، التي تتمثل في تجزئة الأزمة اليمنية إلى ملفات يضعون منها على طاولة الحوار ما يخدم مصالحهم، ويتخلون عما يلزمهم القيام به، ولا يتوقف الأمر عند تجزئة الأزمة اليمنية، بل فرض تصورهم لما هو ملف إنساني، حيث يدرجون مطامحهم في تقاسم الثروة السيادية ضمن الملف الإنساني. وما دام الأمر كذلك، لا يستبعد أن يتم تصنيف حصارهم لمدينة تعز ضمن الملف الأمني”.
واستطرد: “وفي حال تم الاتفاق على ما يُسمونه الملف الإنساني، فيمكن أن يتبلور هذا الاتفاق في إطار آلية تشرف عليها الأمم المتحدة، وتبدأ من وقف سلاح الجو الحوثي استهدافه للمنشآت النفطية، بما يسمح باستئناف تصدير النفط والغاز، كمصدر أساسي لصرف رواتب الموظفين وفتح موانئ الحديدة أمام كافة السفن التجارية القادمة إلى اليمن، باعتبار عائدات الميناء مصدراً آخر لدعم عملية صرف مرتبات الموظفين، إلا أنه من المستحيل حل ملف صرف المرتبات بعيدًا عن توحيد العملة المحلية وتوحيد البنك المركزي، وهي تحديات يصعب تجاوزها دون الشروع في الحل السياسي، ومن غير المتوقع حدوث أي تقدم في مسألة فتح الطرقات، لاسيما فتح الطرقات الرئيسية المؤيدة لمدينة تعز، في حين سيستمر توسيع الرحلات من وإلى مطار صنعاء وموانئ الحديدة”.
وأضاف: “ويمكن للاتفاق المرتقب تحريك ملف الأسرى، لكن ليس إلى مستوى الكل مقابل الكل، فالحوثيون يرون في بقاء سجونهم مكتظة بالمعتقلين ضمانة جيدة لمساومات تفضي إلى حل بعض أزماتهم دون الحاجة لدفع تكاليف فعلية، أما مطالبتهم بخروج القوات الأجنبية فهو مطلب دعائي، غرضه الضغط على هذه القوى للعودة إلى طاولة الحوار. وفي الواقع، إن الفراغ الذي تركه غياب الحكومة الشرعية وعجزها عن المطالبة بالحقوق الأصيلة للشعب اليمني في إعادة الإعمار وجبر الضرر، أفسح المجال أمام القوى الانقلابية لتقديم نفسها باعتبارها الدولة المعبرة عن حقوق اليمنيين، وإن كانت هي صاحبة الدور الأكبر في سلب حقوق المواطنين وتدمير مؤسسات الدولة. ومن غير المتوقع أن يتم حلحلة كل هذه الملفات دون حوار يمني يمني شامل”.
المد والجزر
ويبقى السؤال: ما الهدف من استمرار المد والمجزر باسم السلام وهذه الجوالات المتواترة؟
يقول غانم: “تحرص السعودية، على القيام بدور الوسيط حتى لا تضطر لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، فبعد أن أعلنت عزمها على طي صفحة تدخلها العسكري في اليمن، باتت تفضل تجسيد دور الوسيط بدلًا من دور القائد لتحالف عسكري في الحرب التي شهدها اليمن منذ ثماني سنوات. ومن خلال الجهود السعودية الحثيثة في دعم فصائل سياسية يمنية في حضرموت والمهرة منافسة للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يقدم نفسه كممثل وحيد للجنوب، يبدو أن من مصلحة الرياض تأخير الدخول في مفاوضات شاملة تفضي إلى اتفاق نهائي في الوقت الراهن، حتى لا تؤول السلطة في جنوب اليمن لفصائل سياسية غير موالية لها”.
شرذمة اليمن
ما يلاحظه المتابع ويستغربه في آن هو رفض طرفي الصراع إجراء حوار يمني-يمني شامل للخروج برؤية مشتركة للسلام ومستقبل الدولة، باعتبار أن البداية هي في توحيد الجبهة الوطنية واتفاقها على مشروع مشترك قبل الحوار مع التحالف، لتتجلى فكرة مفادها أن من يقف وراء إعاقة هذا هو من ساهم في شرذمة البلاد وتمزيقها، لذا يحرص على استمرار تضاؤل فكرة الدولة وبقاء الوضع الراهن.
يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي: “عندما كان هناك وجود فعلي للحكومة اليمنية الشرعية كان هناك حوار يمني- يمني، شاهدنا ذلك في مفاوضات الكويت وإلى حدٍ ما في مفاوضات ستوكهولم، لكن عندما تم الإجهاز على ما تبقى من رمزية الحكومة المعترف بها دوليًا، فيجب فهم رفض رئيس المجلس الرئاسي أو رئيس الوزراء للتفاوض اليمني اليمني من خلال الكشف عن مصلحة القوى الداعمة في ذلك الرفض؛ فوجود السلطة الشرعية وموقفها افتراضي ليس أكثر، أما رفض الحوثيين لإجراء حوار يمني- يمني شامل للخروج برؤية مشتركة للسلام ومستقبل الدولة فيمكن فهمه من خلال رؤيتهم للحكم، بناءً على مقولات دينية من قبيل (الولاية) وعدم الاستعداد للمشاركة السياسية، ورؤيتهم للحرب كونها جهاداً، وهو ما يجعلها فرضاً من فروض الدين، قابلة للاستمرار حتى قيام الساعة، وفق أطروحاتهم”.
وتابع: “وفي الواقع، يراهن الحوثيون على اختلاف الأحزاب المنضوية في الحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو ما يدفعهم لتقديم أنفسهم كممثل وحيد للشعب اليمني من خلال جلوسهم على طاولة المفاوضات مع السعودية لا مع طرف يمني آخر، وإذا كان تفاوضهم مع اليمنيين سيترتب عليه خروج الجميع بنتيجة رابح رابح، فإن تفاوضهم مع الرياض يجعلهم الرابح الوحيد المحلي الوحيد من أي عملية تفاوض”.