[ مقاتلون تابعون للحكومة الشرعية في تعز، مارس 2021 (أحمد الباشا/فرانس برس) ]
ما بين 15 يوليو/تموز 2015 و16 أغسطس/آب من العام نفسه، شهدت مديرية مشرعة وحدنان في محافظة تعز، جنوب غربي اليمن، واحدة من أشرس معارك الحرب اليمنية، والتي دارت بين المقاومة الشعبية والانقلابيين الحوثيين، لتنتهي المعركة بانسحاب الانقلابيين من المديرية التي أعلنت عن نفسها كأول مديرية تُحرّر بالكامل في محافظة تعز.
انتهت المعركة بسقوط 68 قتيلاً من المقاومة الشعبية، وحوالي 400 جريح، في مقابل أكثر من 650 قتيلاً وأكثر من 1500 جريح وعشرات الأسرى من الانقلابيين، وتفجير دبّابة وإحراق خمسة أطقم عسكرية، واغتنام خمسة أطقم أخرى، بالإضافة إلى اغتنام أسلحة خفيفة ومتوسطة.
وقام الحوثيون بتدمير ثلاثة منازل بشكل كامل، فيما تضررت عشرات المنازل بشكل جزئي نتيجة القصف المستمر الذي نفذه الانقلابيون، كما تمّ تدمير منزل بقصف جوي لطيران التحالف، على الرغم من أنه لم يكن هدفاً للمقاومين.
من رفض لغة السلاح إلى حمله
وخلال شهر الحرب، فإن سكان المديرية الذين كانوا يرفضون حمل السلاح، نتيجة ثقافتهم المدنية، حملوه حين استدعت الضرورة. إياد ناصر، وهو من أبناء المنطقة، قال لـ"العربي الجديد"، إن "الحرب وصلت إلى منطقتنا وعمري 20 سنة، ولا أملك سلاحاً ولم يسبق لي أن استخدمت السلاح، وكانت الضرورة كشباب أن نحمي منطقتنا في مواجهة الانقلابيين".
وأضاف ناصر: "كنت في الأيام الأولى أتناوب بالكلاشنكوف أنا واثنان من رفاقي من أبناء المنطقة، وتعلمنا التعامل مع السلاح من قبل العسكريين الذين كانوا يقودوننا في الجبهة، وخلال أيام أجدت التعامل مع الكلاشنكوف بشكل جيد جداً، واكتشفت أني أمتاز بمهارة القنص، ما جعل القيادات يعطونني سلاحاً متوسطاً عبارة عن معدل رشاش". ولفت إلى أنه "بعد انتهاء الحرب في المديرية، شاركت في جبهات أخرى في تعز بالتزامن مع دراستي الجامعية، وبعد تخرجي من الجامعة اضطررت للاغتراب والعمل في الخليج".
بدوره، قال أسامة سعيد، من أبناء المنطقة، لـ"العربي الجديد": "كنت أدرس في قسم الجيولوجيا حين وصلت الحرب إلى منطقتنا، ولم أحمل السلاح من قبل، لكني اضطررت إلى حمله للدفاع عن أرضي وأهلي، وأصبت إصابة خطيرة أفقدتني السمع في أذني اليسرى". وتُعد مديرية مشرعة وحدنان، وهي إحدى ثلاث مديريات في جبل صبر (إلى جانب مديرية صبر الموادم ومديرية المسراخ)، جنوب مدينة تعز، أصغر مديرية في المحافظة، ويبلغ عدد سكانها نحو 30 ألف نسمة، يعيشون على مساحة 14.8 كيلومتراً مربّعاً.
مبكراً، استعد الحوثيون للحرب في مشرعة وحدنان، وعبر قائدهم عبد العزيز الرميمة، قاموا بجلب السلاح إلى المديرية، وتجنيد بعض الشباب مقابل السلاح والمال. بدأت المعركة باستقدام الحوثيين لدبابة إلى المنطقة الجبلية ذات الموقع الاستراتيجي الهام والتي تطل على مدينة تعز، وتبعد عنها حوالي 10 كيلومترات جنوباً، وكان الحوثيون يهدفون من خلال استقدام الدبابة إلى القيام بقصف مواقع الجيش الوطني والمقاومة الشعبية.
الأهالي نظّموا مسيرة جماهيرية سلمية إلى موقع دبابة الانقلابيين في قرية ذي عنقب عقب صلاة عصر يوم 15 يوليو 2015، ليقوم مسلحو جماعة الحوثي بإطلاق النار على المتظاهرين، ما تسبب بقتل المتظاهر جمال سلطان وإصابة ثلاثة آخرين بجروح. عقب مقتل المتظاهر، قام شاب من أبناء المنطقة وكان جندياً في قوات الحرس الجمهوري ويدعى مبارك محمد هزاع، بصبّ كمية من البترول على أجزاء من الدبابة، ومن ثم إحراق الدبابة، لتندلع المعركة بعدها.
في الأيام الأولى للحرب، تداعى العسكريون من أبناء المنطقة للاجتماع بهدف تشكيل مجلس عسكري لإدارة المعارك، وتم تشكيل المجلس برئاسة اللواء محمد عبدالله المحمودي، والعقيد فيصل محمد هزاع نائباً للرئيس، وعضوية آخرين.
بالتزامن مع تشكيل المجلس العسكري، تم تأسيس مجلس تنسيقي للإسناد والدعم، من الوجاهات الاجتماعية، وقيادات الأحزاب السياسية في المنطقة برئاسة القاضي عبد العزيز محمد راجح. اعتمد الأهالي في تسليحهم على السلاح الشخصي المتمثل بالكلاشنكوف والبنادق القديمة مع افتقادهم لأي سلاح متوسط أو ثقيل، ومع قلة قطع السلاح المتوفرة، فقد كانوا يتناوبون على قطعة السلاح الواحدة، حيث يستخدمها ثلاثة أو أربعة مقاتلين.
إيصال السلاح والذخائر إلى المسلحين لمحاربة الحوثيين لم يكن بالأمر السهل، فقد كانت المديرية محاصرة بشكل كامل من جميع الجهات، ما جعل بعض الشباب يخاطرون بحياتهم، ويقومون بنقل السلاح والذخائر من مناطق المقاومة داخل المدينة عبر المرور بنقاط تفتيش تابعة للانقلابيين. كما أن عدداً من نساء المديرية بادرن إلى بيع الذهب والحلي والمجوهرات الخاصة بهن لدعم المقاومة في شراء الذخيرة، بسبب نقصها لدى مناوئي الحوثيين الذين لم يكونوا مستعدين للحرب.
معركة مشرعة وحدنان... ذوبان جماعي من أجل المقاومة
وغاب دعم التحالف لمعركة مشرعة وحدنان على الرغم من كثرة التواصل والاستغاثات، غير أن المعركة التي قامت على التسليح الذاتي حظيت ببعض الدعم من قيادة المحور وقيادة المقاومة في المحافظة، وهو دعم انحصر بالذخيرة.
اللواء محمد عبد الله المحمودي، قائد المجلس العسكري لمشرعة وحدنان، قال لـ"العربي الجديد": "لم ننتظر دعم التحالف العربي أو غيره، ولم يكن هناك تنسيق سابق مع التحالف للمعركة، ومعروف أن التحالف كان تعامله محصوراً مع بعض الشخصيات، وبعض التوجهات السياسية، ونحن لم يكن لنا ارتباط بأي شخصية أو طرف سياسي".
وأضاف: "كنا في البداية نعتبر غياب التحالف عن المعركة يمثل إشكالية لنا، ولكنه كان شيئاً ايجابياً جعل من المديرية تقاتل كجسد واحد وقيادة واحدة وقضية واحدة".
وما تجدر الإشارة إليه أن الأحزاب السياسية شاركت في المعركة من خلال تحشيد أعضائها للالتحاق بصفوف المقاومة، وكذلك توحدها تحت قيادة المقاومة. كما رأت القيادات الميدانية للمقاومة في ذوبان الانتماءات الحزبية لأبناء المديرية حافزاً للعمل كجسد واحد، وهو ما أزال التباينات في وجهات النظر لصالح العمل من أجل هدف واحد وقضية واحدة.
القيادي الحزبي (الناصري) عبد الله علي جسار، والذي كان من أبرز الداعمين للمقاومة بالذخيرة والدعم اللوجستي، رأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإرادة التي امتلكتها المقاومة ووحدتها القتالية، والتحام الأهالي، والاعتماد على الذات، كانت من أبرز عوامل النصر".
ولفت إلى أن "الأهم عدم دخول تجار الحروب في هذه المعركة، ولا المقاولين، بل كانت مقاومة خالصة، ولم تكن مقاولة ولا ارتزاق، بل كان كل مقاتل وكل فرد من أفراد المقاومة يقاتل من دون أي مقابل مادي، حتى ما يسمى بالمصاريف اليومية، وكان التمويل الغذائي للمقاومة يرسل من كل بيت".
من جهته، قال القيادي الميداني ناظم العقلاني لـ"العربي الجديد"، إن "المديرية انتصرت على الانقلابيين لأن أبناءها مؤمنون بمخرجات الحوار الوطني، وبالنظام والقانون، ودولة المؤسسات، ويرفضون عسكرة المدن والأرياف، واغتصاب السلطة، والمشروع الطائفي الذي حاول الانقلابيون فرضه بالقوة".
أما القائد الميداني وعضو المجلس العسكري للمديرية، النقيب فؤاد عبده عبد القادر، فرأى في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ذوبان الانتماءات المناطقية والحزبية لدى أبناء المنطقة ساهم في تشكيل قيادة موحدة تشرف على مجموعات المقاتلين، وهو ما ساهم في تذليل الصعوبات خلال إدارة المعركة عسكرياً، خصوصاً مع التزام المقاتلين بتوجيهات قادة المجموعات، ومعرفتهم بالطبيعة الجغرافية للمنطقة الجبلية".
بدوره، قال القائد الميداني، عضو المجلس العسكري، النقيب بدر أمين الجحيشي، لـ"العربي الجديد"، إن "المعركة مع الانقلابيين لم تكن سهلة، وذلك بسبب عدم التكافؤ في الخبرة والعتاد والعدة، وكذا الطبوغرافيا (طبيعة الأرض) العسكرية الميدانية". واستدرك: "لكن وجود الشباب المتعلم في صفوف المقاومة كان له دور كبير في سهولة تعليمهم في الميدان، والتزامهم بالتوجيهات وهو ما صنع منهم مقاتلين محنكين".
صعوبات في إسعاف الجرحى
افتقاد المسلحين المناوئين للحوثيين للخدمات الإسعافية، اضطرهم إلى نقل الجرحى عبر طريق وعر يمتد لحوالي ثمانية كيلومترات سيراً على الأقدام إلى منطقة عزلة أدود التابعة لمديرية صبر الموادم غرباً، والمخاطرة عبر المرور بالجرحى من نقاط عسكرية تابعة للانقلابيين داخل مدينة تعز.
هذا الأمر جعل المسلحين يسارعون إلى إنشاء مستشفيين ميدانيين بالإمكانات المتاحة، وتم تجهيزهما بالأدوات الإسعافية البسيطة مثل أدوات خياطة الجروح وبعض الأدوية، والاستعانة ببعض الأطباء والممرضين من أبناء المنطقة لإدارة المستشفيين.
بلال حمادي، أحد المتطوعين لتقديم الإسعافات الأولية، قال لـ"العربي الجديد"، إنه تمّت الاستعانة حتى بالنساء لتهريب الأدوية من مدينة تعز عبر منطقة أدود مروراً بنقاط تفتيش تابعة للانقلابيين، وبلغ عدد الحالات التي وصلت المستشفى بإصابات حرجة ومتوسطة وخفيفة إلى أكثر من 320 حالة. وبعد هزيمتهم، هرب مؤيدو الحوثيين إلى صنعاء، وحاولوا تصوير هزيمتهم باعتبارها تطهيراً عرقياً مورس ضدهم.
ورأى نائب رئيس المجلس التنسيقي في المديرية، الشيخ مختار الرميمة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أبناء المديرية وقفوا في وجه أقرب المقربين إليهم ما دام أنه اختار أن يكون في طرف الانقلابيين المتمردين، مقدمين في ذلك الولاء للمعتقد ثم للوطن على أي ولاءات أخرى حزبية أو مناطقية أو أسرية".