تؤكد مؤشرات ميدانية أن اليمن بات على أبواب استئناف حرب يحاول من خلالها كل طرف تعزيز حضوره الميداني والتفاوضي في الاستحواذ على مزيد من المساحة الجغرافية مما يعزز موقفه في المفاوضات التي لا يبدو أنها باتت قريبة وفق ما يفصح عنه الخطاب العسكري للحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة “أنصار الله” (الحوثيين).
ويقول مصدر سياسي يمني، طلب حجب هويته لمبررات أمنية، «إن الطرفين باتا قريبين جدا من استئناف الحرب، لدافعين الأول: رغبة كل منهما في اثبات قوته من خلال السيطرة على مزيد من المساحة الجغرافية لا سيما تلك المواقع الهامة التي ما زالت محط تنازع بين الطرفين على خطوات التماس الحالية، وبخاصة في محافظات تعز/ جنوب غرب، وجنوب محافظة مأرب/ شمال شرق، ومحافظة شبوة/ جنوب شرق؛ والاخيرتان يتوفر فيهما حقوق نفط وغاز يحرص الطرف الحكومي على استمرار بسط السيطرة عليها وحمايتها بأي شكل؛ لأن خسارتها ستشكل ضربة قاضية له، بينما تمثل للطرف الثاني المتمثل في الحوثيين هدفا مهما، وفي حال السيطرة عليها سيتعزز موقفهم التفاوضي والسياسي علاوة على ما تمثله محافظة تعز كمحور مهم من محاور المعركة بين الجانبين باعتباره أحد مراكز الثقل السياسي، بما فيها اطلالتها على مضيق باب المندب».
وأشار في تصريح لـ “القدس العربي” إلى أن «الدافع الثاني يتمثل في حرص الطرف الأول ممثلاً في الحكومة على عدم السماح للحوثيين في الاستحواذ على المناطق الشمالية التي ما زالت خاضعة لها في تعز ومأرب والجوف وغيرهما من مناطق هنا وهناك؛ لأنه في حال استحوذ عليها الحوثيون سيكونون حينئذ قد حققوا إنجازًا كبيرًا في تسوية وضعهم في مناطق الشمال؛ وهو ما سيضعف موقف الحكومة وبخاصة أمام القوى الانفصالية في الجنوب ممثلة في المجلس الانتقالي».
استعدادات
ثمة استعدادات حوثية شهدتها الأيام الأخيرة من خلال تعزيزات دفعت بها الجماعة إلى الخطوط الخلفية لمواقع التماس في كل من جبهاتها في محافظات تعز والضالع ومأرب والجوف مع ارتفاع حدة لهجة خطاب التهديد الموجه للتحالف، وبخاصة السعودية، لا سيما مع تعثر استئناف المفاوضات بين الجانبين، التي كانت قد بدأت بشكل رسمي في الثامن من أبريل / نيسان الماضي في صنعاء، واعتبرها الطرفان خطوة إيجابية، إلا أن استئنافها تعثر حتى الآن؛ ما رفع من حدة توتر خطاب الحوثيين تجاه الرياض.
وفي المقابل ثمة تحشيد للجيش اليمني التابع للحكومة المعترف بها دوليًا مع تواصل زيارات قيادات عسكرية لعدد من الجبهات وإلقاء خطابات فيها الكثير من التهديد والوعيد والتأكيد على الجهوزية العالية.
يأتي ذلك مع استمرار المناوشات بين الطرفين في عدد من الجبهات، وهي مناوشات يشهدها عدد من الجبهات في اليمن، في ظل تهدئة هشة سارية هناك منذ الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول عقب إعلان الأمم المتحدة فشل مساعيها في الحصول على موافقة الطرفين على تجديد الهدنة، التي استمرت ستة شهور.
وأعلن المركز الإعلامي لمحور تعز التابع للجيش اليمني، اليوم الثلاثاء، على صفحته في فيسبوك، أن «الجيش مسنوداً بالمقاومة الشعبية أحبط محاولة تسلل للحوثيين على مواقعه في منطقة الدمينة غرب مدينة تعز»، مشيرا إلى سقوط قتلى وجرحى من الحوثيين.
لكن في المقابل ما زال موقف الحكومة السياسي ضعيفا مع عجزها عن لملمة شتاتها وتوحيد صفها؛ إذ ما زال مجلس القيادة الرئاسي يعاني من اهتراء في العلاقة بين أعضائه؛ فالعضو فرج اليحسني ما زال معلقا مشاركته في اجتماعات المجلس منذ أكثر من شهر، كما أن تمزيق صور رئيس المجلس في المكلا وصور عضو المجلس طارق صالح في تعز، واستمرار تحركات عضو المجلس عيدروس الزبيدي خارجيا باسم المجلس الانتقالي الجنوبي يؤكد أن قوى الشرعية لم تستطع تعزيز الثقة فيما بينها، وتجاوز خلافاتها لصالح تماسك صفها؛ وهو ما يضعف قدرة المجلس على اتخاذ القرار… كل ذلك يلقي بثقله على العمل العسكري في الميدان بلا شك.
إبراز قوة الآخر
في السياق ذاته، قال منسق في لجنة الوساطة المحلية، عبد الله سلطان شداد، اليوم الثلاثاء، إن هناك مؤشرات في الرغبة لدى الجيش اليمني في الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة “انصار الله” لإنهاء التهدئة السارية في اليمن منذ انقضاء هدنة الأمم المتحدة مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ونقل موقع سبوتنيك الروسي عن شداد قوله إن «هناك مؤشرات في الرغبة للتوجه نحو التصعيد بهدف إظهار وإبراز قوة الآخر، وكأن الفترة الماضية لم تكن كافية بمعرفة كل طرف قوة الآخر».
وأضاف: «الفترة القادمة ربما يكون فيها جانب من التصعيد، لكنه تصعيد لن يحدث أي فارق على الميدان لصالح أي طرف سوى تقديم مزيد من التضحيات».
ورأى منسق اللجنة المحلية، أنه «لا يوجد أي مؤشرات على قرب التوجه نحو طاولة مفاوضات على المدى القريب». مضيفا «إن كان ذلك حتماً سيكون خلال السنتين القادمتين ربما».
وتؤدي لجنة الوساطة المحلية دور وسيط يمني محايد بين الجيش اليمني و”أنصار الله” في ملفات تبادل الأسرى والجثامين وغيرها.
ويشهد اليمن حربا منذ تسع سنوات، بينما يعيش البلد منذ تسعة شهور هدنة هشة أعقبت هدنة رسمية استمرت ستة شهور بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة “أنصار الله” (الحوثيين).
وتسببت الحرب بإزهاق أرواح مئات الآلاف من المدنيين اليمنيين بشكل مباشر وغير مباشر، كما تسببت بتدمير عدد كبير من مرافق الخدمة العامة، وبات الاقتصاد معرضا للانهيار عقب خسائر بمئات المليارات من الدولارات ما زال يتكبدها منذ بدء الحرب.