[ لوحات يمنية ضمن مبادرة حفظ الذاكرة في البلاد (الألمانية) ]
في اليمن الذي يعاني واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، انتشرت مبادرات نسوية تهدف إلى خلق واقع مشرق بعيدا عن أوجاع الصراع المستمر منذ نحو 9 سنوات. ومن بين هذه الأنشطة اللافتة، مبادرة برزت مؤخرا تهتم بإنتاج وصنع المعرفة وحفظها.
الفنانة التشكيلية جهاد جار الله، المعروفة بنشاطها الثقافي والمعرفي والفني في اليمن، نجحت هي والكاتبة والباحثة اليمنية سبأ حمزة في تأسيس مبادرة لحفظ وأرشفة وإنتاج المعرفة.
تأسست المبادرة في عام 2022، وتسعى لإنتاج وحفظ المعرفة التي تصنعها اليمنيات، إضافة إلى حفظ وإنتاج المعارف التي تتحدث عن النساء في البلاد.
وأفادت جهاد بأن هذه المبادرة المعرفية تعمل وفق مسارين، يشمل المسار الأول حفظ المعرفة التي أنتجتها النساء اليمنيات وعنهن في الماضي من خلال البحث والجمع والتوثيق والأرشفة الرقمية.
في حين يتمثل المسار الثاني في المساهمة في إنتاج المعرفة من خلال تقديم البرامج المختلفة الداعمة للنساء في اليمن والخارج من خلال خلق مساحة آمنة للتدوين وبناء المعرفة.
وجهاد جار الله فنانة تشكيلية ونحاتة مهتمة بالفن المعاصر، وتشكّل منجزها الفني بأنماط وخامات مختلفة كالخشب والقماش والفخار والخيوط، وقد بدأت بالرسم منذ عام 2014، وتعمل إلى جانب ذلك في مجال الكتابة والبحث الفني والثقافي.
وسبق أن خاضت جهاد خلال الفترة الماضية تجربة فن النحت، ولها معرض فني منفرد بعنوان "صمت ملون" أقامته في عام 2017، وشاركت في مشروع "أحكي الفني" التابع لمؤسسة بيسمنت الثقافية عام 2018.
على مدار عقود من الزمن، تم إنتاج العديد من المعارف في اليمن بواسطة نساء برزن في مجالات ثقافية متنوعة. لكن هذه المعارف لم يتم حفظها وأرشفتها، مما جعلها عرضة للإهمال والضياع، رغم أن بعضها تحمل أفكارا إبداعية لافتة وتفوق ما أنتجه الرجل اليمني.
وفي سياق مهمة المبادرة في هذا الإطار، تقول جهاد جار الله "نؤمن في مبادرة أرشيف المرأة اليمنية بأهمية التدوين وحفظ الذاكرة والعدالة الاجتماعية".
وحول الدوافع التي أدت إلى تأسيس هذه المبادرة، أشارت جهاد إلى أن "المبادرة أقيمت بجهود طوعية وبإيمان النساء حولنا بهذا المشروع المعرفي، ونعتمد بشكل أساسي عليهن، ورأس مالنا هو النساء".
وخلال الأشهر الماضية، قامت هذه المبادرة ببعض الأنشطة الرامية إلى تعزيز المناخ المعرفي في اليمن، رغم تداعيات الحرب التي انعكست على مختلف مجالات الحياة.
وتلقت المبادرة دعما ماليا من السفارة الهولندية في اليمن لتنفيذ أول مشاريعها الثقافية تحت اسم "جدارية هن"، الذي ضم 14 كاتبة وفنانة تشكيلية من محافظات يمنية مختلفة.
وحول أبرز اهتمامات المبادرة، توضح جهاد التي لديها أيضا كتابات ثقافية في عدد من وسائل الإعلام، "نهتم بالمعرفة بمختلف مجالاتها، ونعمل على خلق مساحة لكل المعارف الناشئة من قصص النساء وتجاربهن في اليمن والخارج".
وتشدد على أهمية العمل الذي تقوم به في ظل الظروف الصعبة التي تعاني منها بلادها "إيماننا بأهمية المشروع هو ما دفعنا للبدء، وهو أيضا ما يحثنا على الاستمرار".
وأضافت "هناك القليل من المساحات الآمنة التي يمكن للمرأة أن توجد فيها.. نحن نؤمن أنه من أجل سلام دائم وعدالة انتقالية لابد من عدالة اجتماعية، من خلال التعرف على تجارب النساء والتي لا حصر لها، وأيضا التحولات التي تمر بها اليمنيات في حالة الحرب والسلم".
اهتمام لافت
هذا المشروع المعرفي الذي وُلد من رحم الظروف الصعبة، أثار اهتمام المتابعين، خصوصا اليمنيات. وذكرت جهاد جار الله أن" هناك اهتماما بالمشروع من قبل الكثيرين، وخصوصا النساء".
وتابعت "الدعم الذي نتلقاه من الكثير من اليمنيات شكّل نواة لشراكات دولية ومحلية مع جهات مهتمة بأنشطتنا، مما يساهم في تبادل الخبرات وتقديم الدعم الفني والمالي للمشروع وتوسعه ليشمل برامج ومستفيدات أكثر".
وحول واقع المرأة اليمنية في ظل الحرب، تشير جهاد جار الله إلى أن "الظروف القاهرة المتمثلة في الصراع والتدهور الاقتصادي، حفزت الكثير من النساء لاكتشاف أنفسهن واختبار قدراتهن، ونهدف إلى أن يوثق مشروعنا هذه المعارف".