[ رمضان يمر صعباً على اليمنيين (محمد حويس/ فرانس برس) ]
لا يزال المواطن اليمني الأربعيني هاني مرشد، ينتظر أن تلوح في الأفق أي بارقة أمل لحل أزمة صرف رواتب الموظفين المدنيين مع حلول شهر رمضان، وقد علم كغيره من الموظفين في الدوائر الحكومية العامة في العاصمة اليمنية صنعاء بأن هناك تحركات ومفاوضات لحلها، كغيرها من الملفات التي يتم بحثها في أكثر من اتجاه بين الأطراف السياسية برعاية أممية ودولية.
بحسب حديث مرشد لـ"العربي الجديد"، فإن ما يعزز هذا الأمل لديه عدم إعلان سلطة صنعاء حتى الآن صرف نصف راتب كما جرت العادة قبل حلول شهر رمضان. بينما يعاني المواطن يحيى مراد، من سكان صنعاء ويعيل أسرة مكونة من 8 أفراد من أزمة سيولة وفق قوله لـ"العربي الجديد"، تمنعه من تلبية جميع الاحتياجات الغذائية والاستهلاكية الضرورية.
ودفعت هذه المشكلة في ظل تصاعد الأسعار وتفاقم الأوضاع المعيشية نسبة كبيرة من اليمنيين إلى تقليص فاتورة الاستهلاك لهذا العام خلال شهر رمضان في إطار خطة التقشف التي قررت أسر كثيرة تطبيقها هذا العام.
أوضاع لا تُحتمل
المواطن عبدالكريم دهيس، من سكان مدينة عدن جنوب اليمن، يقول لـ"العربي الجديد"، إن الوضع المعيشي لم يعد يحتمل، إذ لا جديد يطرأ على حياتهم التي تتأزم من عام لآخر والتي تصل إلى ذروتها في مثل هذه الفترات قبل حلول شهر رمضان والذي يتبعه مناسبتان مكلفتان والتزامات مالية للتعامل معهما.
لا تختلف هذه الصورة كثيراً لدى سكان المدن المجاورة لعدن مثل لحج من الجهة الشمالية وأبين من الجهة الجنوبية أو تلك البعيدة كحضرموت، في حين أن مواطنين من سكان تعز يعانون من الأسعار نتيجة فوارق سعر الصرف بين مناطق المحافظة الموزعة سيطرتها بين طرفي الصراع في اليمن، إضافة إلى الاختناقات التجارية في المدينة ومشكلة النقل للبضائع التي تعاني منها نتيجة استمرار الحصار الخانق الذي يفرضه الحوثيون على أهم مداخلها من الجهتين الشرقية والغربية.
ويشير مهيب العتيقي، من سكان شبوة جنوب شرق اليمن، لـ"العربي الجديد"، إلى غلاء فاحش يشمل جميع السلع في أسواق المحافظة مع وصول سعر طبق البيض إلى مستويات يصفها بالخيالية بتجاوزه 8000 ريال. (الدولار يساوي 1222 ريالاً في عدن وحضرموت، و 543 ريالاً في صنعاء).
تفاقم المشكلات
لا تزال أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية تحافظ على سقفها المرتفع كما يلاحظ في مختلف الأسواق، إذ يتراوح سعر الدقيق (50 كيلوغراما) في عدن ومناطق حكومية معترف بها دولياً بين 28 و32 ألف ريال ونحو 18 ألف ريال في صنعاء وجزء من مناطق نفوذ الحوثيين.
ويصل سعر كيس الأرز (50 كيلوغراما) إلى أكثر من 50 ألف ريال في عدن وحوالي 35 ألف ريال في صنعاء، بينما يتجاوز سعر السكر الذي يعد من السلع المطلوبة في رمضان ما يقارب 40 ألف ريال في مناطق الحكومة اليمنية ونحو 24 ألف ريال في مناطق نفوذ الحوثيين. ويعتبر تجار ومستوردون، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، أن الأزمة التجارية في اليمن مستمرة نتيجة بقاء مسبباتها التي تتفاقم من عام لآخر، وآخرها قرار رفع سعر تعرفة الدولار الجمركي.
رئيس الغرفة التجارية والصناعية المركزية في أمانة العاصمة صنعاء، حسن الكبوس، يشرح لـ"العربي الجديد"، أن جهود التجار تركزت بشكل كبير على استدامة أنشطة الإمدادات للسوق بهدف استقرار الأسعار، موضحاً أن الأسعار ستنخفض بشكل أكبر عندما تتوفر السلع للسوق عبر ميناء الحديدة والتي توقع أن تنخفض في حال تم ذلك بنسبة تصل لنحو 30 في المائة من التكلفة الحالية.
وحسب الغرفة التجارية والصناعية المركزية في أمانة العاصمة صنعاء، فإنها عملت على حشد أعضائها لتخفيض الأسعار وإقامة المعارض التجارية في صنعاء والمحافظات بالرغم مما يتكبده القطاع الخاص من معاناة من الرسوم والإتاوات غير القانونية من قبل الكثير من الجهات والتي تترتب عليها زيادة التكلفة على السلع وتوثر على مستوى معيشة الناس.
عوائق تجارية
ويؤكد القطاع الخاص في اليمن أنه وفر كل الاحتياجات الخاصة بالمستهلكين لشهر رمضان وأن السوق مستقرة ولا تعاني أي شحة تذكر، لكن في المقابل يتطلب ذلك مساعدته في حل الإشكاليات التي فرضتها الإجراءات التي يراها غير قانونية والمترتبة على رفع الدولار الجمركي في عدن ومنح التسهيلات للإفراجات عن البضائع في جمارك الرقابة الجمركية.
مدير الغرفة التجارية والصناعية في تعز مفيد سيف، يتحدث لـ"العربي الجديد"، أن القطاع التجاري الخاص في اليمن يبذل جهوداً كبيرة لتوفير احتياجات الأسواق المحلية من السلع الأساسية والغذائية والاستهلاكية بالرغم من كثرة العقبات والصعوبات والتحديات الهائلة التي يواجهها بدءاً من إجراءات الاستيراد والشحن التجاري وانتهاءً بإيصال البضائع إلى الأسواق، إذ يحاول القطاع الخاص توفير السلع مع مراعاة الأوضاع المعيشية الصعبة للمواطنين بالرغم من الكلفة العالية التي يواجهها في سبيل استمرار أنشطته وتلبية الاحتياجات السلعية للأسواق.
وانعكست أزمة الشحن التجاري والاعتماد على ميناء عدن والمنافذ الواقعة في مناطق إدارة الحكومة اليمنية على الأسواق المحلية في اليمن، إذ برزت مشكلة التكاليف الخاصة بالنقل بشكل كبير كما يفيد تجار وملاك شركات عاملة في الشحن التجاري، فالتاجر يدفع تكاليف إضافية لنقل الحاوية من عدن لصنعاء منها فارق سعر شراء الديزل والذي يقدر بحوالي 350 ألف ريال للحاوية الواحدة.
في المقابل، تقدر تكلفة نقلها إلى ما يقارب 3 ملايين ريال للحاوية الكبيرة لكي تصل إلى وجهتها من ميناء عدن إلى مخازن التجار في صنعاء بسبب إغلاق الطرق الرئيسية الرابطة بين العاصمة اليمنية والعاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً. تأجيج الغلاء ويرى الباحث الاقتصادي سهيل مجاهد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن هذه التعقيدات والأعباء المالية المترتبة عليها تدفع إلى تأجيج الغلاء في الأسواق المحلية اليمنية.
لذا فإن الضرورة تقتضي وفق هذا الباحث الاقتصادي، جلوس الطرفين في الحكومة والتجار والمؤسسات الممثلة للقطاع الخاص والبحث في حلول جدية لمختلف المشاكل التجارية بما يحقق المنفعة العامة وتخفيف الأعباء عن اليمنيين الذين لم يعد بوسع الكثير منهم تحمل تبعات الأزمات المعيشية والاقتصادية والتجارية التي تواصل تفاقمها.
ويلفت إلى أن هذه المشكلات تترافق مع تضخم مرتفع تجاوز الأرقام القياسية وسيولة ومداخيل تكاد تكون منعدمة لدى نسبة كبيرة من السكان وما تبقى من رواتب عامة مستمرة لجزء من الموظفين المدنيين لم يطرأ عليها أي تغيير منذ أكثر من تسعة أعوام.