نشرت مجلة "نيويوركر" الأمريكية تحقيقا مثيرا عن الجهود الإماراتية لاستهداف مؤسسات وشخصيات إسلامية في أوروبا، بما في ذلك رموز حقوقية، مثل التونسي كمال الجندوبي، الذي ترأس لجنة خبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
وبحسب التحقيق الذي كتبه الصحفي الاستقصائي ديفيد كيركباتريك، فقد وضعت الإمارات بعد الانقلاب الذي نفذه قائد الجيش، عبد الفتاح السيسي، على أول رئيس مدني منتخب في مصر، محمد مرسي، قائمة من المنظمات الإسلامية على قائمة الإرهاب، وبدأوا حملات لتشويه صورتها في الغرب.
واستنجدت الإمارات بشركة "ألب سيرفيسيز" للاستخبارات والتأثير السويسرية، التي أسسها ماريو بريرو، البالغ من العمر 76 سنة، في سنة 1989، وهو خبير في الصناعة يتمتع بأساليب مثيرة للجدل. وقد حُكم عليه في فرنسا لحصوله بشكل غير قانوني في سنة 2011 على سجلات المكالمات الهاتفية لزوج آن لوفرجون، رئيسة المجموعة النووية الفرنسية "أريفا" آنذاك، التي وصفته بـ"العميل السري".
واستهدفت الحملة الإماراتية، التي تجاوزت الحد الأقصى في هذه المرة بحسب التحقيق، الشرطية الفرنسية من أصل تونسي سهام سويد، مستشارة العلاقات العامة الفرنسية التونسية في قطر، حيث تم التقاط 12 عشرة صورة لشقتها في العاصمة باريس.
وإضافةً إلى عملها أيضًا في شرطة الحدود الفرنسية، عاشت سويد في الشقة، والتي تقع في إحدى ضواحي باريس، مع زوجها وشريكها في العمل، أوليفييه فلتن، وطفليهما؛ حيث قام ألب بتسمية الصور بـ"الاسترداد"، بمعنى "الاستطلاع".
وفي إحدى الصور، حددت دائرة حمراء متراكبة "باب الدخول" إلى الشقة، بينما في صورتين أخريين، أبرز مربع أحمر شرفة الطابق الثاني، وتضمنت صورة أخرى تعليق بأنه "تم التقاط الصورة داخل صندوق بريدها بواسطة وكيلنا".
وبحسب التحقيق، لم تسمع سهام سويد قط عن شركة "ألب" أو مؤسسا بريرو، لكن بحلول نهاية سنة 2017، بدأت تشعر أن شخصًا ما كان يتابعها؛ حيث ظهرت سيارة مرارًا وتكرارًا خارج شقتها. وفي سنة 2018؛ سرق لص بعض مجوهراتها وأيضًا هاتفها الخلوي القديم وجهاز الكمبيوتر وبعض دفاتر الملاحظات، ثم كان هناك اقتحام ثان، بعد سنة، على يد لص لم يأخذ سوى جهاز كمبيوتر محمول وهاتف محمول. وقالت سويد: "إنه لأمر صادم أن تطبق دولة أجنبية مثل هذه الأساليب البلطجية خارج حدودها".
وتشابهت قصة سويد مع ما وقع مع رجل الأعمال المصري- الأمريكي حازم ندا، نجل رجل الأعمال يوسف ندا (86 عاما)، والذي استهدفته الحملة الإماراتية أيضا.
وقال ندا الابن إنه في إحدى الليالي في كومو في أيار/ مايو 2021، نظر من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص به ورأى متسللاً خارج نافذته؛ حيث يقع منزله على بعد أكثر من نصف ميل من الطريق، خلف بوابة طويلة، لذلك لم يضل أحد هناك عن طريق الصدفة. أمسك ندا قوسه ونشابه واختفى المتعدي بين الأشجار، فهل قام أحد عملاء ألب بمراقبة منزله؟
كما تضمنت حملة بريرو أحيانًا انتقامًا سريًا؛ حيث خلصت لجنة خبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، في تقرير سنة 2018، إلى أن الإمارات ربما ارتكبت جرائم حرب في تدخلها العسكري في اليمن، في حين كلف الإماراتيون بريرو بالتحقيق مع أعضاء اللجنة، وخاصة رئيسها كمال الجندوبي.
والجندوبي يعتبر أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في تونس، التي نُفي منها إلى فرنسا لمدة 17 عاما في عهد الدكتاتور الراحل زين العابدين بن علي، ليعود إلى بلاده عقب ثورة 2011، حيث شغل منصب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التي نظمت أول انتخابات حرة وديمقراطية في تونس في تشرين الأول/أكتوبر 2011.
وكان عضواً ورئيساً لعدد من الجمعيات المعنية بحقوق الإنسان، بما في ذلك الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. كما كان عضواً في المجلس التنفيذي للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب.
وبعد تقرير الجندوبي بشأن ارتكاب أبوظبي لجرائم حرب في تدخلها العسكري في اليمن، قال بريرو في عرض تقديمي للإماراتيين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2018: "اليوم، يتمتع كمال الجندوبي، في كل من غوغل الفرنسية وغوغل الإنجليزية، بسمعة ممتازة"؛ حيث "لا توجد مقالة نقدية واحدة في كلتا الصفحتين الأوليين".
وفي غضون ستة أشهر، وعد بريرو بأنه يمكن "إعادة تشكيل" صورة الجندوبي "بعناصر سلبية"، وذلك بتكلفة قدرها مئة وخمسون ألف يورو.
انتشرت شائعات عبر منافذ الأخبار العربية والمنشورات الأوروبية على شبكة الإنترنت بأن الجندوبي كان أداة لقطر ورجل أعمال فاشلا ومرتبطا بالمتطرفين، بينما اقترح مقال باللغة الفرنسية نُشر على موقع ميديوم أنه قد يكون "انتهازيًا متنكرًا في زي بطل حقوق الإنسان"، وطرح مقال باللغة الإنجليزية سؤالًا: "هل خبير الأمم المتحدة كمال الجندوبي مقرب جدًا من قطر؟"، وأنشأ ألب أو غيّر مدخلات ويكيبيديا الخاصة بالجندوبي، بلغات مختلفة، وذلك من خلال الاستشهاد بمزاعم من منافذ إخبارية غير موثوقة أو رجعية أو موالية للحكومة في مصر وتونس.
وفي التحقيق، قال الجندوبي إنه شعر بالحيرة بسبب موجة التشهير التي أعقبت تقرير جرائم الحرب، واصفا ويكيبيديا بـ"الوحش"، معلنا أنه تمكن من تنظيف المضمون الفرنسي، لكن الصفحة الإنجليزية لا تزال تمنعه من ذلك، وقال: "أنت تتحدث الإنجليزية، هل يمكنك المساعدة؟".