تشهد أسعار التمور ارتفاعات قياسية في أسواق اليمن تفوق قدرات المستهلكين الذين قرر كثير منهم تجاهلها، كما جرت العادة مع حلول شهر رمضان، في ظلّ تركز اهتمامات كثير منهم على استيعاب ما أمكن تجميعه من موازنة مالية شحيحة، لتوفير أهم الاحتياجات الغذائية الضرورية.
وباتت التمور تحضر بشكل شحيح على موائد إفطار الأسر اليمنية، مع تصاعد تكاليفها، إذ وصل الأمر في الموسم الرمضاني الحالي إلى وضع تسعيرة جديدة لبعض أصناف التمور بعملات أجنبية وعربية خصوصاً بالريال السعودي، حسب تجار في أسواق صنعاء وعدن وحضرموت لـ"العربي الجديد".
ويصل متوسط سعر الكرتونة الواحدة من التمور التي تحتوي على 8 علب، يقدر وزنها بحوالي 6 كيلوغرامات إلى نحو 220 ريالاً سعودياً، وهو ما يعادل حوالي 7 آلاف ريال يمني للكيلوغرام الواحد بالعملة المحلية.
ويوضح تاجر مواد غذائية في صنعاء، وائل نعمان، لـ"العربي الجديد"، أن بعض أصناف التمور الفاخرة أسعارها عالية جداً، ولكن لها زبائنها من ذوي الدخول المرتفعة، في حين يقول البائع في محال مجاور، عبد الله البكيري، إنّ هناك أصنافاً تناسب المواطنين من ذوي الدخل المحدود، يصل سعر الكيلوغرام الواحد منها إلى نحو 1000 ريال يمني، ولكن جودتها ضعيفة جداً.
وفي المقابل، تشهد الأسواق المحلية في عدن قفزة كبيرة في الأسعار مع وصول سعر العلبة الواحدة من التمور متوسطة الجودة إلى أكثر من 20 ألف ريال يمني، الأمر الذي أدى إلى تذمر المستهلكين.
المواطن عيدروس عبد الغني، أكد في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن سلع رمضان، ومنها التمور في اليمن، أصبحت خاصة بالأثرياء والأسر المقتدرة، بينما الفقراء وذوو الدخل المحدود "فلهم الله"، بحسب تعبيره.
وتقدر بيانات مسح ميزانية الأسرة في اليمن الصادرة قبل الحرب عن الجهاز المركزي للإحصاء الحكومي، إجمالي إنفاق واستهلاك نحو 695 ألف أسرة في المدن والأرياف من التمور بحوالي 11 مليار ريال.
ويبلغ عدد أشجار النخيل في اليمن، حسب تقديرات بيانات رسمية زراعية، نحو 4.680 ملايين نخلة من مساحة زراعية تبلغ حوالي 23 ألف هكتار، والتي تراجعت الأصناف المثمرة منها هذا العام بنسبة تصل إلى ما يقارب 45%، بكمية إنتاجية تقدر بنحو 50 ألف طن سنوياً.
ويرى الباحث الاقتصادي أحمد السلامي، في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ التمور ليست من السلع الضرورية التي يجب أن تتصدر اهتمامات الأسر اليمنية، لكنّها هنا بمثابة نموذج يجسد حالة عامة يمر بها اليمن، وترسم صورة واضحة للأوضاع المعيشية المتردية التي أصبحت تطاول غالبية الشرائح السكانية.
ولفت إلى أنّ التمور الفاخرة وأجود أنواع العسل من أهم الاهتمامات التي لا تفارق موائد الأثرياء وذوي الدخول المرتفعة طوال العام، في حين الغالبية العظمى من اليمنيين لا يضعون التمر في موائد إفطارهم إلّا قليلاً في رمضان، باعتباره من أهم خصوصيات وطقوس ومتعلقات هذا الشهر.
وتتسم الأسواق المحلية اليمنية في مثل هذه المواسم التجارية من كل عام، خصوصاً في السنوات الخمس الماضية، بالبطء والاختناق الشديد، وصعوبات عديدة في عرض الاحتياجات الاستهلاكية ليس فقط من التمور التي يرتفع الطلب عليها خلال شهر رمضان، بل من مختلف السلع والاحتياجات الغذائية الضرورية.
وانتشرت المعارض التجارية الخيرية في عدد من المدن الرئيسية في اليمن بالذات في صنعاء وعدن قبل قدوم شهر رمضان، بهدف مساعدة ذوي الدخل المحدود بتوفير سلع غذائية واستهلاكية بأسعار مناسبة، لكن يجمع كثير من المواطنين ممن زاروا هذه المعارض على عدم صحة ذلك، فلم يلمسوا أي انخفاض في أسعار السلع المتداولة في هذه المعارض.
ويؤكد تجار على استمرار تفاقم الأزمة التي واجهتهم خلال السنوات التي تلت الحرب في اليمن منذ عام 2015، والتي أصبحت بموجبه بعض الأنشطة والأعمال مثل تجارة التمور وغيرها من السلع الغذائية والاستهلاكية غير المجدية، بعد أن تلاشت عملية الربح منها، واضطرار الكثير إلى البيع بخسارة أو بسعر التكلفة، مع تراجع الطلب عليها من قبل المستهلكين بشكل كبير.
ويرجع عضو الاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية علي عيسى، في حديثه لـ"العربي الجديد"، سبب الركود إلى الظروف الراهنة التي أنتجتها الحرب في اليمن، مع توسع حجم ومستوى التحديات والصعوبات في النقل التجاري الداخلي، نتيجة وعورة الطرق المستحدثة، وتعدد النقاط والمنافذ الجمركية على امتداد هذه الطرق، وتوزيع السلع بين المدن والمناطق اليمنية.
وحسب تقارير رسمية، فإن معظم إنتاج التمور في اليمن يأتي من ثلاث مناطق تتصدرها المنطقة الغربية في سهل تهامة، والتي تستحوذ على النسبة الأكبر من الإنتاج بنسبة تزيد عن 70%، بينما تتوزع النسبة المتبقية على المنطقة الوسطى، والأهم في المنطقة الشرقية، إذ تتركز زراعتها هناك في محافظة حضرموت، ويبلغ إنتاجها ما يزيد عن 20% من إنتاج اليمن.