يسود اضطراب شديد الأسواق المحلية في اليمن، إثر الاتفاقية الموقعة لإتاحة مليار دولار وديعة سعودية لحساب البنك المركزي اليمني، في ظل سحب متواصل للعملات الأجنبية، وصراع محتدم منذ منتصف فبراير حول الشحن التجاري إلى الموانئ اليمنية، والأزمة التي فجرها السعر الجمركي الجديد.
ويسود حذر شديد سوق صرف العملة المحلية، وسط موجة إشاعات دفعت إلى فرض إجراءات تداول حذرة للنقد الأجنبي، في ظل إقبال نسبة كبيرة من الصرافين على شراء العملات الأجنبية من الدولار والريال السعودي، مقابل الامتناع عن البيع.
اضطرابات واضحة
وعند محاولة تتبع وضعية الأسواق المحلية في اليمن الذي يعيش على وقع تقلبات وتغييرات واسعة في صرف الريال اليمني، تم رصد أكثر من خمس تسعيرات مختلفة، بسبب موجة الاضطراب السائدة.
وأكد مصدر حكومي مسؤول عدم التهاون مع أي اختلالات أو أي تبعات قد تؤثر على الاستقرار النسبي الذي طرأ خلال الأشهر القليلة الماضية على سعر صرف العملة المحلية.
وقال المصدر إن هناك العديد من الإجراءات التي ستُتخذ للتأكد من عدم المساس بمعيشة المواطنين اليومية، وضمان أن تترافق مع الخطوات الرامية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومنع انهيار العملة الوطنية.
ويحذر مصرفيون وخبراء اقتصاد من الوضع الراهن الذي يمر به اليمن والذي ينبئ بأزمات كارثية على جميع المستويات الاقتصادية والمصرفية، في ظل تردي معيشي يطاول جميع السكان في البلاد.
ويشير الخبير المصرفي علي التويتي، إلى أن هناك عجزاً كبيراً بالنقد الأجنبي في صنعاء وعدن، وسط صخب إعلامي كبير يحاول استهداف سوق الصرف والتأثير عليها.
ويتوقع التويتي حدوث كارثة اقتصادية في اليمن الذي يحتاج إلى أكثر من مليار دولار لتغطية السوق النقدية، خلال النصف الثاني من هذا العام أو الربع الثالث بالتحديد، لأن النقد الأجنبي يجري سحبه إلى الخارج لاستيراد المحروقات، وهو ما أثر في السيولة التي أصبحت شحيحة للغاية، لذا لا بد من حلول عاجلة قبل وقوع الكارثة.
ويستهلك اليمن مبالغ طائلة تقدر بنحو 3 مليارات دولار سنوياً لشراء المشتقات النفطية من الخارج، وتشغيل محطات الطاقة الكهربائية في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً.
ويؤكد البنك المركزي اليمني في عدن أن الحكومة اليمنية فقدت أكثر من 70% من مصادر موازنتها، وذلك بسبب إيقاف تصدير النفط، وأنها باتت تعتمد على 10% من إجمالي موازنة ما قبل الحرب التي دمرت كل مصادر الإنتاج المحلي، وأوصلت نسبة التضخم إلى 60%.
كما أن تحول مسار السفن التجارية والنفطية إلى ميناء الحديدة حرم الدولة والبنك المركزي من موارد ضريبية تقدر بحوالي 350 مليار ريال منذ العام الماضي، وهو ما وضع البنك أمام تحديات كبيرة، تمثلت أهمها بتوفير 100 مليون دولار شهرياً من احتياطه لوقود محطات الكهرباء.
ويرى الباحث الاقتصادي والمصرفي وحيد الفودعي، أن اليمن بحاجة ماسة للعملة الصعبة في الظرف الراهن الذي يعيشه، ولا يجب الانجرار وراء الموجة الراهنة التي تجري عادة عند أي حدث ما، والذي يستغله كبار المضاربين بجر السوق إلى الهبوط، ومن ثم شراء ما يمكن شراؤه من العملات على حساب المخدوعين الذين يتورطون في بيع مدخراتهم.
انعكسات أخرى
ويؤكد خبراء اقتصاد أن الدعم المقدم سيكون لبرامج الإصلاحات الاقتصادية، وبإشراف صندوق النقد العربي، ولفترة تبدأ من الآن، وتنتهي في 2025، في حين يجب التركيز خلال الفترة القادمة على استئناف تصدير النفط.
ويحتاج اليمن إلى هذا الدعم في ظل تصدير النفط الذي كان متوقعاً أن تصل إيراداته العام الماضي إلى 1.5 مليار دولار، قبل أن تتوقف عملية تصديره في الربع الأخير من العام، نتيجة الهجمات التي شنها الحوثيون واستهدفت موانئ تصدير النفط الخام في حضرموت وشبوة جنوب اليمن.
بدوره، يعتقد الباحث الاقتصادي مراد منصور، أن الصراع الاقتصادي مرشح للتصاعد في اليمن بصورة شرسة، في ظل الأجواء الضبابية التي تسود مباحثات مسقط التي ترعاها سلطنة عمان، والتي كانت تحاول حلحلة عدد من الملفات التي تغذي هذا الصراع بالذات فيما يتعلق بموضوع رواتب الموظفين المدنيين، ومشكلة الشحن البحري، والاستيراد.
وتحذر منظمات دولية من استمرار الصراع الدائر وتبعاته الكارثية على الاقتصاد اليمني، وسبل العيش، ودفع مزيد من الناس إلى مستويات طارئة من الفقر والجوع، حيث يعاني أكثر من 10 ملايين شخص في الحصول على الغذاء، أو أسوأ من ذلك، حتى في ظل وجود المساعدات الإغاثية.