[ اليمنيات أنجبن خلال الفترة التي تزامنت مع بدء الحرب نحو أربعة ملايين طفل (غيتي) ]
فيما كان مسلحو الحوثي يطوون الأرض نحو #صنعاء واحتلال المناطق اليمنية واحدة تلو أخرى 2014، كان #أطفال_اليمن أجنة في بطون أمهاتهم تخفق مرتاعة من أصوات "القاذفات" التي أعلنت مرحلة مريعة صنفت اليمن السعيد أسوأ مكان لعيش الصغار.
بعد أن كبر الصغار، بات بعضهم يتخطون بأجسادهم الذاوية وألوانهم الممتقعة عتبات الصفوف الابتدائية الأولى، في حال توفرت لهم، ومن لم يلتحق منهم بمقاعدها، ستنتظره سنوات قليلة أخرى ليشكلوا مجتمعاً مختلفاً شحنته أصعب مرحلة في تاريخ اليمن المعاصر.
تقول إحصائية، إن اليمنيات أنجبن خلال الفترة التي تزامنت مع بدء الحرب نحو أربعة ملايين طفل، بحسب تقرير عن منظمة الصحة العالمية صدر في أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بات معظمهم على رصيف المجاعة وسوء التغذية والمرض، فضلاً عن ظروف الخوف والتشريد التي قضوها في كنف ثماني سنوات دامية أحاطت بهم.
تلك الظروف حالت دون التحاق مليوني طفل من مواليد الحرب بالمدارس بسبب استمرار القتال الذي أشعلته الميليشيات الحوثية عام 2014، بحسب إحصائية صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في سبتمبر (أيلول) 2019.
بين الجوع والاستغلال الجنسي
تتعدد أسباب تهديد مستقبل ملايين الأطفال، إلا أن في مقدمها الفاقة التي تلهب بطونهم الخاوية ما اضطرهم للالتحاق بسوق العمل في عمر الزهور بحثاً عن مقابل يكفل جلب ما تيسر من خبز وماء كما هي حال الأسر الفقيرة في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية التي دفعت بأطفالها إلى جبهات القتال أو مثيلاتها النازحة في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية.
ولهذا دعت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (حكومية)، أخيراً، إلى إيجاد آلية لمساعدة الأسر النازحة المتوزعة على 13 محافظة تابعة للحكومة الشرعية التي يعولها أطفال تصل إلى نحو 10 آلاف أسرة، منها 7474 أسرة يعولها طفل (ذكر)، و1831 أسرة يعولها طفل (أنثى)، وهو ما يكشف، وفقاً لمراقبين، عن تقصير حكومي فادح في المحافظات التي تسيطر عليها خصوصاً ومهمة التمويل الدولي تبدو أكثر سهولة وسلاسة من مناطق سيطرة الميليشيات.
وأظهر مسح في هذا الصدد أن 18 في المئة من إجمالي الأطفال النازحين في المنازل في سن الدراسة غير ملتحقين بالتعليم، بينما بلغت نسبتهم بالمخيمات 42 في المئة، كما أن 30 في المئة من المخيمات لا يتوفر فيها تعليم للأطفال، و40 في المئة منها مستوى التعليم بها "ضعيف جداً".
الحاجة تدفع للاستغلال
أما أكبر المشكلات فهي أن يتم استغلال هؤلاء الأطفال للزج بهم في جبهات القتال كمساعدين أو عمال لخدمة المجندين أو تدريبهم على الأسلحة ليتم استغلالهم كمجندين للمستقبل، الأمر الذي جعلهم عرضة للاستغلال الجسدي والجنسي.
كان فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الأممي المعني باليمن قد قال في تقرير صدر عنه في يناير (كانون الثاني) الماضي، إنه سجل "حالة اغتصاب واحدة على الأقل بحق أحد الأطفال خلال التدريبات العسكرية التي نظمها الحوثيون".
تبعه مسح نفذته اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان حول طريقة معاملة الأطفال المجندين من قبل الحوثيين.
وقال، إنهم وثقوا شهادات أطفال مجندين في صفوف الحوثيين تعرضوا لاعتداءات جنسية.
جحيم على الأرض
وفي جردة الضحايا بعد ثمانية أعوام من الحرب، وتعرض أطفال اليمن لـ35 ألف حالة انتهاك طال براءتهم، كما جرى توثيق قتل أكثر من 5700 طفل في اليمن، غالبيتهم في مدينة تعز، بحسب تقرير حديث لمنظمة سام للحقوق والحريات. وهو ما دفع المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي لوصف واقع حال الطفولة في اليمن بأنه "جحيم على الأرض".
تطييف التعليم... تفخيخ النشء
وبحسب منظمات حقوقية، فإن دخول مواليد الحرب المدرسة وتلقيهم تعليماً طائفياً بين التحديات كذلك، إذ يعني نشأة جيل مختلف عن سابقيه بل ويعاديه كونه كان "على ضلال" ومنفصلاً عن الهوية المدنية التي تشكلت منذ قيام الجمهورية وإنهاء الحكم الإمامي في عام 1962 الذي جاء النهج الحوثي امتداداً له انطلاقاً من فكرة التفويض الإلهي لهم بـ"قيادة الأمة".
ولهذا لم يأت اختيار شقيق زعيم الميليشيات يحيى الحوثي وزيراً للتربية والتعليم مصادفة، فمهمة السيطرة على الوعي الجمعي في أكبر مخزون بشري متمثل في شمالي البلاد الذي يسيطرون عليه، باتت جلية وتمت إحالة ملفها لشخصية راديكالية من الأسرة الحاكمة، المنتمية" لــ"العترة المطهرة" و"سادة الأرض" كما يسمون أنفسهم.
وفي الجانب الآخر، يظهر عدم الاهتمام الرسمي للشرعية اليمنية المنشغلة بالصراع البيني، بحق هؤلاء المشردين ورعايتهم.
يقول رئيس منظمة "ميون لحقوق الإنسان"، عبده الحذيفي، إن أهم المشكلات التي تواجه واقع الطفولة في اليمن اليوم تتمثل في الفقر والتجنيد والنزوح والعمالة وهي مشكلات فاقمتها الحرب الدائرة.
يشير إلى أن جماعة الحوثي تحرص في مناطقها على العمل وفق استراتيجية ممنهجة لتجنيد الصغار مستغلة إمكانات الدولة اليمنية التي باتت تحت سلطتها، لا سيما في صنعاء، إضافة إلى "الخبرات والمستشارين من قبل ما تسميه الجماعة محور المقاومة لإعداد وتجهيز الأطفال لعمليات التجنيد لتجهيز أكبر عدد منهم كمقاتلين مستقبليين، بل إن هناك توثيقاً لقتلى أطفال مجندين في سن الثامنة والتاسعة من العمر"، في حين يواجه النازحون في مناطق السلطة الشرعية، وغالبيتهم أطفال من مواليد الحرب، ظروفاً صعبة منها انعدام الغذاء والدواء والتعليم فضلاً عن مخيماتهم التي تفتقر لأبسط متطلباتهم الإنسانية التي يقع المأوى والتعليم والغذاء في مقدمها، خصوصاً وهي المخول أمام المجتمع الدولي الداعم لها بإيوائهم وتوفير احتياجاتهم".
تعبئة حربية
عن الاستراتيجية الحوثية التي تتم ودور الأهالي، يشير الحذيفي خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، إلى أنها "تستغل مجالين بارزين أولهما التعليم الأساسي، مستغلة منهجاً دراسياً قامت بتعديله ليواكب تطلعاتها في إعداد الأطفال نفسياً ومعرفياً للزج بهم في جبهات القتال والتضحية بهم في سبيل مكاسبها السياسية"، كما تعمل على "وسائل الإعلام لتحقيق أهدافها بنشر مواد إعلامية حماسية تلامس عواطف ومشاعر هؤلاء الأطفال لخوض أعمال يعتقدون أنها بطولية تدعو للفخر ورضا الرب والصالحين ومن ولاهم على الأرض، في إشارة لقادة السلالة الحوثية".
جنود السبع سنوات
لوحظ في مناطق الحوثي تسرب أعداد كبيرة من الطلاب من المدارس، في حين تؤكد تقارير أن قطاعاً واسعاً من مواليد الحرب ألحقهم الحوثيون بجبهات القتال أو دورات تأهيلية فكرية وعملية تمهيداً لتخرجهم ميليشيات جديدة على غرار "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري وغيرهما.
في تفاصيل جديدة كشف عنها تقرير صادر عن الأمم المتحدة أخيراً، أفادت لجنة الخبراء التي أخرجته، أنه "في أحد المعسكرات تم تعليم أطفال لا تتجاوز أعمارهم سبع سنوات تنظيف الأسلحة".
وكشف التقرير الأممي المتزامن صدوره مع يوم "اليد الحمراء" أو "اليوم العالمي لمكافحة استغلال الطلاب كجنود" يوم 12 فبراير (شباط) من كل عام، أن نحو ألفي طفل يمني جندهم الحوثيون، لقوا حتفهم في ساحة القتال بين يناير 2020 ومايو (أيار) 2021.
كما كشف فريق الخبراء عن قائمة تضم أسماء 1406 أطفال جندهم الحوثيون لقوا حتفهم في ساحة المعركة عام 2020، وقائمة أخرى تضم 562 طفلاً جندتهم الميليشيات أيضاً وقتلوا في ساحة المعركة بين يناير ومايو 2021
وقال الخبراء "كانت أعمارهم بين 10 و17 سنة، وقتل عدد كبير منهم في عمران وذمار وصعدة وصنعاء (شمال) وإب وحجة والحديدة (شمال غرب)".
تجريف الهوية
وما بين التطييف والحشد الحوثي والتقصير الحكومي، سيصبح لدى اليمن جيل سيغدو بمثابة الوقود الجاهز في أي لحظة لانفجارات لاحقة يغذيه إلى جانب المدرسة، المسجد والشارع والنادي والمراكز الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن والفعاليات الأخرى التي تحكم الميليشيات قبضتها الفكرية والتعبوية عليها وغيرها.
وبهذا الشأن، لطالما وجهت الحكومة الشرعية اتهامها للميليشيات الحوثية بتغيير المنهج الدراسي وتجريف الهوية اليمنية والعربية للشعب بمناهج طائفية بواسطة فريق من يمنيين وإيرانيين لتكريس ثقافة الولاء لإيران و"محور المقاومة"، ونشر المذهب الزيدي، وأن ينشأ كل طفل على عقيدة واضحة أنه مقاتل مسلح وظيفته الثأر من المخالفين لإيران والمذهب الزيدي، بحجة أن هذا تقرب "لآل البيت النبي الأطهار". وهو ما يعني، وفقاً للحقوقيين، خلق أجيال خطرة جاهزة للالتحاق بجبهات القتال كميليشيات سهلة التطويع.
أخاديد نفسية غائرة
علاوة على تفخيخ الوعي والواقع، يخشى اليمنيون من الأذى النفسي الذي لحق بهؤلاء الصغار ومن نجا منهم بعد أن شقت هذه الظروف أخاديد غائرة في صدورهم الغضة ستكون لها تبعاتها المتعلقة بصحتهم النفسية وسلوكياتهم مستقبلاً.
تقول المتخصصة في علم النفس ميسون السالمي، إن عهد أطفال الحروب يختلف عن بقية الأطفال من جانب عدم الاستقرار النفسي الاجتماعي وكذلك العقلي، وذلك جراء "ما عاصروه خلال أولى سنين تكوين شخصياتهم ووعيهم المبكر، كما في الحالة اليمنية، من مشكلات ونزاعات وحروب بدلاً عن الاستقرار الأسري والتعليم والحياة الطبيعية التي كان من المفترض أن يعيشوها التي تؤدي بالضرورة إلى استقرار نفسي صحي وطبيعي".
اضطراب... إذعان أو عنف
بحسب السالمي فالشعور الأسوأ الذي يشعل صدر الطفل يتمثل في عدم اتضاح الصورة والمفاهيم لهم والحيلولة دون وجود قضية حقيقية يمكن أن تبرر ذلك لهم لتعامل مع وضعهم، هذه الحال "تنتج شخصيات مضطربة وغير سليمة ولا مستقرة تتجه بين إذعان وعنف وتمرد فعلي بحسب شخصية الطفل الأساسية تكون النتائج المستقبلية".
توضح أن الدراسات تؤكد أن الصدمات التي يتعرض لها الطفل بفعل الإنسان أقسى من تلك التي يتعرض لها بفعل الكوارث الطبيعية وأكثر رسوخاً في الذاكرة. ولهذا "يزداد الأمر صعوبة إذا كانت هناك فترات متقاربة بين صدمة وأخرى، لأن الأطفال غالباً لا يعبرون عما في داخلهم والحالة النفسية التي يمرون بها تخزن في العقل الباطن وتتسبب مستقبلاً بمشكلات نفسية عميقة إذا لم يتمكن الأهل والبيئة المحيطة بالطفل من احتوائها ومساعدته على تجاوزها".