مع بدء غروب الشمس، تتوهج منذ أسابيع في العاصمة اليمنية صنعاء، الأضواء الخضراء في الشوارع الرئيسة، ضمن مراسم احتفالية تفرضها جماعة الحوثيين في ذكرى المولد النبوي، التي تتوسع سنوياً منذ سيطرتها قبل ثماني سنوات.
يحرص محمود الوادعي على تعليق الزينة الخضراء في محله التجاري الواقع في شارع الزبيري في الأيام الأولى من إعلان الحوثيين بدء الاحتفالات السنوية بالمولد النبوي، لاعتقاده أنّ ذلك قد يمنع عنه مخالفات كثيرة قد تواجهه من السلطات التي تريد ذلك من الجميع من دون استثناء.
يقول الوادعي، لـ"العربي الجديد"، بينما كان يجلس في متجره الصغير لبيع المواد الغذائية في الشارع الرئيسي وسط العاصمة: "تأتينا توجيهات من سلطة الحوثيين بضرورة تعليق زينة المولد سنوياً، ويُسلَّم لنا ظرف برسالة تدعونا للتبرع لاحتفالات المولد النبوي، وهذه أصبحت عادة منذ سنوات".
وأعلن الحوثيون الساحات في المدن المركزية التي سيجري فيها الاحتفال بالمولد النبوي. وتلجأ الجماعة لتوظيف المناسبة والتحشيد قبل أن يلقي زعيم الجماعة خطبة تنقل عبر شاشات كبيرة ويتحدث فيها بمواضيع سياسية لها علاقة بالصراع والحرب الجارية في البلاد.
وأمس الجمعة، قال الحوثيون إنّ "العاصمة صنعاء و14 محافظة تتأهب لإقامة احتفالات مليونية غير مسبوقة هي الأضخم في تاريخ اليمن والعالم، احتفاءً بذكرى المولد النبوي، وستنطلق فعالياتها بشكل متزامن بعد ظهر السبت"، وفق ما نقلت "المسيرة" التابعة للحوثيين.
ويتزامن احتفال الحوثيين هذا العام مع انتهاء الهدنة الأممية في اليمن، الأحد الماضي، 2 أكتوبر/تشرين الأول، لكن التهدئة ما زالت مستمرة، ولم يحدث أي تصعيد عسكري، رغم تهديدات الحوثيين باستئناف القصف بالطائرات المسيرة واستهداف منشآت حيوية. ويتوقع أن يتطرق عبد الملك الحوثي، في كلمته اليوم السبت، إلى أسباب فشل تمديد الهدنة من وجهة نظر الجماعة.
احتفال إجباري
ويحشد الحوثيون لفعاليات في المؤسسات الحكومية والخاصة وعلى مستوى الأحياء والمدن الرئيسة، سواء بمهرجانات أو فعاليات أخرى. وتبرز الزينة والأضواء بشكل متفاوت على حجم المؤسسة أو الجهة التي تنفذ ذلك في واجهتها.
ورغم كل الضوضاء الكبيرة للاحتفال، يعتقد مطهر الوادعي، الذي يعمل مدرساً في صنعاء، أنّ "السكان يشعرون بأنهم في وضع إجباري للاحتفال، باختلاف قناعاتهم، فهناك من يعتقد دينياً أنّ هذه المناسبة بدعة، لكن الحوثيين يصرون على تطييف الناس بلون واحد".
في المقابل، يعتبر حسين شرف الدين، الذي يشارك في فعاليات الحوثيين، أنّ احتفالات المولد النبوي "فخر لليمنيين، وأنها أكبر الاحتفالات مقارنة بالدول الإسلامية، ونحن نعبّر عن حبنا للرسول، ونوصل رسالتنا للأعداء أننا أمة متمسّكة بالنبي، سواء بميادين الاحتفال أو القتال"، على حد تعبيره.
ويقول، لـ"العربي الجديد"، إنه "رغم الوضع المعيشي السيئ لليمنيين بسبب الحرب والحصار، إلا أنهم يحتفلون ويفرحون بمولد النبي، ولسنا أقل من الغرب الذين يحتفلون بأعياد الميلاد كل عام، ومعهم حتى عرب ومسلمون".
جبايات وتبرعات بالإكراه
لكن المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين يشكون استغلال الجماعة لمناسبة المولد النبوي لفرض جبايات وجمع تبرعات لهم أو لدعم الجبهات، التي تعد من ضمن الفعاليات السنوية، رغم أنّ البلاد تعيش تدهوراً في المعيشة ومأساة إنسانية.
وقال زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في خطابه بتدشين فعاليات المولد النبوي، الأسبوع الماضي: "من الممنوع أي جباية مالية إجبارية للمناسبات. نحن لا نسمح بذلك، والكثير يتعاونون من ذات أنفسهم، والذي سيحتاج إلى إجبار لا خير فيه".
لكن الكثير من التجار والمواطنين يُبلَغون بضرورة التبرع. يقول محمود الوادعي: "يخبرونك أنّ التبرع ليس إجبارياً، ويتركون لك الحرية، لكن إذا رفضت فقد تُمارَس ضدك مضايقات كثيرة، تصل إلى حد تصنيفك أنك تعمل ضدهم، وتُنبَش غرامات قديمة لم تكن تتوقعها".
ويضيف، في حديث لـ"العربي الجديد": "الأمر لا يقتصر على المحلات التجارية فقط، بل على المواطنين جميعاً، عبر عُقال الحارات (أشخاص يتبعون للجماعة ويتولون مسؤولية إدارة الأحياء السكنية) الذين هم في الأساس مسؤولون عن توزيع الغاز المنزلي". ويلفت إلى أنّ "المواطنين يشعرون بالخوف إذا لم يستجيبوا لتلك الدعوات".
وتُوجَّه دعوات الجباية من قبل الحوثيين للمواطنين عبر الرسائل التي توزع، إما للاحتفاء بالمولد النبوي أو قافلة دعم لجبهات القتال بمناسبة الذكرى، التي هي من ضمن الفعاليات الاحتفالية أيضاً.
توظيف سياسي
يقول الباحث اليمني نبيل البكيري، في سلسلة تغريدات عبر حسابه في "تويتر": "يحتفي المسلمون بالمولد النبوي في كل أنحاء العالم الإسلامي، إلا أنّ احتفاء الحوثي نوع من البحث عن مشروعية سياسية يفتقر إليها ويغلّفها دينياً بالمولد النبوي لدغدغة مشاعر البسطاء".
ويرى أنّ "خطورة التوظيف السياسي للمولد النبوي، كما تفعل الحوثية اليوم، هو في تحول الاحتفاء بالرسالة إلى الاحتفاء بالرسول الجد، وليس برسالته العظيمة رسالة الإسلام، وبالتالي محاولة تصوير الأمر وكأنهم يحتفلون بالمؤسس الذي أسس لهم كل هذه الامتيازات السياسية، ما يسيء إلى الرسول والرسالة معاً".