أكد المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أن الهدنة في اليمن هشة، وصامدة في ذات الوقت، لافتا إلى أن التأخير في تنفيذ بنودها قد يهدد بهدمها بالكامل.
وقال غروندبرغ في إحاطة جديدة لمجلس الأمن قدمها الثلاثاء، إن "الأسابيع الماضية كشفت عن هشاشة الهدنة وأظهرت أنَّ التأخير في تنفيذ بنودها قد يهدد بهدمها بالكامل، وأن اللجوء إلى سياسة المقايضة والتهديد بتعليق تنفيذ عنصر ما من الهدنة على تنفيذ عنصر آخر واستخدام الخطاب الإعلامي التصعيدي يقوض الهدنة".
وأضاف أن نجاح الهدنة الأممية، مرتبط برغبة الأطراف في حمايتها والوفاء بوعدها بهدف إفادة اليمنيين.
نص إحاطة المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن إلى مجلس الأمن، هانس غروندبرغ
شكرا لكم، أيها السيد الرئيس
يسعدني أن أكون معكم اليوم، وهذه هي المرة الأولى التي أحظى بفرصة إحاطة المجلس بصورة شخصية منذ أن أعلَنْتُ عن الهدنة في نيسان/أبريل. لاتزال الهدنة صامدة في اليمن منذ شهرين ونصف وهو أمر غير مسبوق خلال هذه الحرب، بل أنه أمر لم يكن يتصور حدوثه في بداية هذاالعام. لقد مدد الأطراف الهدنة بموجب البنود ذاتها حتى الثاني من آب/أغسطس. وإنني أثني على الأطراف ما أبدته من حسٍّ قيادي ولإصغائها لأصوات ملايين اليمنيين ممن استمرت نداءاتهم بوقف القتال ومنح الفرصة للسلام بعد أكثر من سبع سنوات على النِّزاع.
السيّد الرئيس، بعد مضي شهرين ونصف على الهدنة، أَوَدُّ تقييم ما وصلنا إليه في تنفيذها وإبراز التحديات و استشراف الطريق للمضي قدماً.
أولاً، ما زالت الهدنة صامدة عسكرياً، إذ لم تحدث أي ضربات جوية مؤكدة داخل اليمن منذ بدء الاتفاق، ولا هجمات عبر حدوده. كما حدث انخفاض ملموس في أعداد الضحايا المدنيين. إلا أنَّ هناك تزايداً مؤسفاً في عدد ضحايا الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة نتيجة دخول المدنيين بمن فيهم الأطفال إلى مناطق خطوط المواجهة التي كانت يتعذر الوصول إليها في السابق.
السيد الرئيس، رغم انحسار القتال بشكل عام، ما زلنا نتلقى تقارير من الجانبين بوجود انتهاكات مزعومة داخل اليمن تتضمن القصف المدفعي، والهجمات بالطائرات المُسيَّرة، والطيران الاستطلاعي، وإعادة نشر القوات. كما تواترت تقارير تفيد بحدوث اشتباكات في جبهات مختلفة والتي تم الإبلاغ عن معظمها في محافظات مأرب وتعز والحديدة. وكما تعلمون، فإن ليس لدينا قدرات مستقلة للرصد، لكنني آخذ كل هذه المزاعم على محمل الجد، حيث تستدعي الضرورة منع هذه الحوادث المزعومة من إثارة دوامة من التصعيد والعنف المتجددين. وفي هذا السياق، يسرني أن أبلغكم أنَّ مكتبي قد عقد أول اجتماعين للجنة التنسيق العسكري التي ضمت ممثلين عن الطرفين بالإضافة إلى قيادة القوات المشتركة للتحالف. وقد اتفقت اللجنة على الاجتماع مرة كل شهر وتأسيس غرفة تنسيق مشتركة لمعالجة الأحداث المثيرة للقلق في الوقت المناسب ، وتمثل الاجتماعات المباشرة وجهاً لوجه خطوة أولى مهمة نحو بناء الثقة وتحسين التواصل بين الأطراف.
السيّد الرئيس، في آخر مرة أحطت بها هذا المجلس، كانت أول رحلة تجارية جوية قد انطلقت إلى عمّان في اليوم الذي سبق تلك الإحاطة، وذلك بعد مضي قرابة الست سنوات من إغلاق مطار صنعاء. ومنذ ذلك الوقت، بدأنا رحلات جوية إلى القاهرة أيضاً. وحتى تاريخ اليوم، بلغ عدد الرحلات التجارية ذهاباً وإياباً ثمان رحلات نقلت 2795 مسافراً من صنعاء إلى عمّان والقاهرة. وأود أن أعرب عن تقديري للجهود التي بذلتها حكومة اليمن بمنح الأولوية لاحتياجات اليمنيين من خلال تيسير فتح المطار. وكذلك أكرر خالص تقديري لجمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية، على أدوارهم المحورية في تيسير الرحلات الجوية.
لقد استمر تدفق الوقود إلى ميناء الحديدة بانتظام طيلة مدة الهدنة، فخلال شهري نيسان/أبريل وأيَّار/مايو، أجيز دخول ما يزيد عن 480 طنَّاً مترياً من منتجات الوقود وهو ما يزيد عمَّا دَخَلَ إلى الحديدة من وقود خلال العام الماضي بأكمله. ومنذ تمديد الهدنة، أجيز إدخال سفينتين من سفن المشتقات النفطية، وآمل ألَّا يضيع زخم فترة الهدنة السابقة. فقد خفَّف الدخول المنتظم للوقود من الضغوط الواقعة على الخدمات الحيوية، وقلَّل إلى درجة كبيرة من طوابير الوقوف عند محطات المشتقات النفطية وهي الظاهرة التي كانت قد سادت في شوارع صنعاء، كما سمح ذلك لليمنيين بالانتقال بسهولة أكثر في جميع أنحاء البلاد. وكما سوف نسمع من السيدة غادة مضوي، من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد أدت الهدنة أيضاً إلى بعض الآثار الإيجابية على الجانب الإنساني.
السيّد الرئيس، من الضروري أن تؤدي هذه الهدنة إلى تخفيف وطأة المعاناة عن أهل تعز. فمنذ سنوات، يتسبب النزاع في إعاقات هائلة لحرية الحركة. وكما يعلم التعزيون ، فإن الطرق الوحيدة المفتوحة إلى المدينة طويلة وشاقة. وقد سافرت بنفسي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي لمدة زادت عن الست ساعات على طول طريق جبلي متعرج وعر من عدن إلى مدينة تعز، علماً بأنَّ هذه الرحلة ما كانت لتستغرق أكثر من ثلاث ساعات باستخدام الطريق الرئيسي قبل النزاع. وهناك في تعز، التقيت بالرجال والنساء والشباب الذين أخبروني عن معاناتهم اليومية التي يواجهونها بسبب إغلاق الطرق الرئيسية إلى داخل المدينة وخارجها. كما شهدت بنفسي أثر هذه القيود المتشددة على إعاقة الاقتصاد وتدهور قدرة الحصول على الخدمات الصحية وتعريض المدنيين إلى الخطر في سفرهم.
بعد تعيين الطرفين لوفود كل منهما، عَقَدتُ اجتماعات مع الطرفين في عمَّان للوصول إلى اتفاق حول فتح طرق في تعز والمحافظات الأخرى. وأود أن أؤكد على الدور المحوري الذي لعبه الوسطاء المحليون وممثلو المجتمع المدني الذين حضروا الاجتماع لإبداء وجهات نظرهم وأولوياتهم ولتقديم خبراتهم بشأن فتح الطرق.
بعد جولتين من المداولات الصريحة والبنَّاءة حول وجهات النظر والخيارات التي اقترحها كل جانب، قدَّمت للأطراف مقترحاً لفتح الطرق على مراحل تضمن فتح طريق رئيسي من مدينة تعز إلى منطقة الحوبان شرقي المدينة إضافة إلى طرق إضافية في تعز ومحافظات أخرى، وتضمَّن المقترح أيضاً عناصر لآلية تنفيذ والتزامات بسلامة المسافرين المدنيين. وقد شجعتني الاستجابة الإيجابية لحكومة اليمن تجاه مقترح الأمم المتحدة، إلا إنني ما زلت أنتظر الرد من أنصار الله. وبعد النقاشات البنَّاءة التي أجريتها في صنعاء في نهاية الأسبوع الماضي، أحثُّ أنصار الله على الاستجابة الإيجابية دون تأخير لمقترح الأمم المتحدة.
السيّد الرئيس، لقد كشفت الأسابيع الماضية عن هشاشة الهدنة وأظهرت أنَّ التأخير في تنفيذ بنودها قد يهدد بهدمها بالكامل. كما أن اللجوء إلى سياسة المقايضة والتهديد بتعليق تنفيذ عنصر ما من الهدنة على تنفيذ عنصر آخر واستخدام الخطاب الإعلامي التصعيدي يقوض الهدنة. فالأمر في نهاية المطاف رهن برغبة الأطراف في حماية الهدنة والوفاء بوعدها بهدف إفادة اليمنيين.
السيّد الرئيس، خلال الشهرين ونصف الماضيين، هيَّأت الهدنة بيئة أكثر ملاءمة لانخراط الأطراف في الحوار على أساس حسن النوايا. لكن تنفيذ الهدنة أظهر قضايا خلافية ذات تداعيات سياسية ، كإدارة الإيرادات وسداد رواتب موظفي القطاع العام ووثائق السفر والوصول إلى وقف أكثر استدامة لإطلاق النَّار. وهذه كلها موضوعات سياسية مرتبطة بالحوكمة، وعلينا أن نتخذ خطوات نحو اجراءات أكثر استدامة فيما يتعلق بتلك القضايا.
ولقد تم التطرق إلى بعض هذه القضايا بالفعل خلال المشاورات القائمة التي تهدف إلى المساعدة في صياغة الأولويات لعملية منظَّمة متعددة المسارات. وخلال الشهر المنصرم، عَقَدتُ مشاورات مع شخصيات يمنية عامة، ومختلف المجموعات النسائية، ومع الخبراء الاقتصاديين والقطاع الخاص من أجل إفادة تصميم ومحتوى هذه العملية متعددة المسارات. وانبثقت من هذه المشاورات عدة موضوعات بما فيها ضرورة تحويل الهدنة إلى وقف مستدام لإطلاق النَّار يستشرف ترتيبات أمنية على المدى الأبعد، ودعوة عاجلة لسداد رواتب موظفي القطاع العام وإدارة الإيرادات وتنسيق السياسية النقدية وإعادة الإعمار. وشدد المشاركون أيضاً على ضرورة أن تكون العملية السياسية أكثر شمولية مع تمثيل النِّساء والشباب والمجتمع المدني في المسارات المختلفة. ويقر مكتبي أدرك منذ زمن طويل المساهمات القيِّمة لجهات السلام الفاعلة في اليمن، ومن هنا أتطلع إلى الاستماع إلى إحاطة السيدة آزال السلفي.
لقد منحتنا القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية التي أثارها اليمنيون خلال مختلف جولات المشاورات توجيهاً للطريق الذي ننتهجه. وبينما نعمل على تعزيز منافع الهدنة، من المهم أن ندرك أنَّ عمليةً منظمة شاملة للجميع متعددة المسارات يمكنها أن تكون المنصة المطلوبة للوصول إلى مثل هذه الحلول المستدامة، كما ستوفر أيضاً فرصة لنقل اليمن نحو تسوية سياسية مستدامة تلبي الطموحات والمطالب المشروعة لليمنيات واليمنيين.
خلال فترة الشهر ونصف القادمة، سوف أنتهج خطين من الجهود، أولاً، سوف أعمل مع الأطراف لضمان تنفيذ عناصر الهدنة وتمتينها بما في ذلك فتح طرق في تعز وفي محافظات أخرى. وثانياً، سوف أعمل على تحقيق حلول أكثر استدامة للاحتياجات الملحة الاقتصادية والأمنية. ولذلك، أخطط للشروع في مفاوضات على المسارين الاقتصادي والأمني، وينبغي أن يرتكز هذا العمل إلى سياق سياسي وأن يتوجه نحو تسوية سياسية.
السيد الرئيس، ما زلت ممتناً للدعم المستمر الذي أتلقاه من هذا المجلس وكذلك من سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية وعموم المجتمع الدولي. وسيبقى ذلك الدعم محورياً في الأشهر القادمة. فالأمر في نهاية المطاف رهن برغبة الأطراف في اغتنام هذه الفرصة للتفاوض على أساس حسن النوايا وتقديم التنازلات المطلوبة من أجل مصلحة اليمن ككل. وهذه الهدنة تقدم فرصة نادرة للتحول نحو السلام ولا ينبغي تفويتها.