لم تعد محمية الحسوة -الحائزة على جائزة من الأمم المتحدة عام 2014- مزارا ملائما للعائلات في اليمن، فقد تحوّلت تلك الطبيعة الخلابة التي كانت مقصدا للسياحة والترفيه إلى بقعه مهجورة يقصدها القتلة للتخلص من جثث قتلاهم ومكان كئيب تفوح منه رائحة الصرف الصحي وتحوم فوقه الغربان.
للوهلة الأولى تبدو المحمية بطبيعة مكانها المجاورة للبحر وبما توفر من منظر طبيعي استثنائي في وسط مدينة عدن، كموقع مثالي يُغريك للدخول والتنزه؛ لكن الأمر ليس كما تراه من بعيد، فالمساحة الخضراء التي شكلت في الماضي منطقة جذب للسكان، أصبحت مكانا موحشا ينفر منه الجميع.
مكب للنفايات
رائحة الصرف الصحي النفاذة، أول ما يستقبلك عند مدخل المحمية المتهالك، حيث لم يبق غير لوحة تعريفية باهتة الألوان تلاشت حروفها ومبنى تذاكر مهجور، ووراء المدخل، تنتشر كلاب شاردة ينبغي تجنبها، ومستنقعات تفوح منها روائح كريهة لا تطاق.
وأكثر ما يلفت انتباهك في المحمية، جداول مائية دائمة التدفق، تفوح منها رائحة صرف صحي قوية، وبرك آسنة تتكدس فوقها الحشرات، إلى جانب أغصان أشجار مقطوعة، ومخلفات من النفايات ومواد البناء التي تنتشر في أرجاء المكان.
وأعلنت الحكومة اليمنية رسميا الحسوة -الممتدة على مساحة 189 هكتارا- محمية طبيعية في عام 2006، وفي أوج نشاطها عام 2014، نالت المحمية ضمن 26 موقعا على مستوى العالم جائزة "خط الاستواء" من الأمم المتحدة، التي تكرّم أصحاب الجهود المبذولة لحماية التنوع الحيوي وتعزيز السياحة المراعية للبيئة.
وكانت المحمية تعد وأحده من أجمل مناطق الجذب السياحي في عدن وأشهرها، وتستقبل أكثر من 50 ألف زائر سنويا، وتشكل موئلا للطيور المهاجرة والمستوطنة والكائنات الحية المهددة بالانقراض، لكن نشاطها توقف، وأصبحت بقعة مهملة بعد اندلاع الحرب في اليمن مطلع عام 2015.
واجهة سياحية
يتذكّر بسام هادي، مواطن ثلاثيني من سكان المنطقة، كيف أن محمية الحسوة كانت تعد واجهة سياحية ومتنفسا لكثير من الأسر، يقول "كان يحيط بها سياج من أغصان الأشجار وسعف النخيل، وفيها ممرات وطرق داخلية منظمة، وعمال نظافة، وفرق توعية يعملون على خدمة الزوار".
ويضيف هادي للجزيرة نت "كل شيء فيها كان مصنوعا من الأشجار وسعف النخيل كالكراسي وأماكن الاستراحة وكانت تستقبل أسرابا كبيرة من الطيور المهاجرة وتضم برج مراقبة ومتحف، لكن وضعها تدهور بعد الحرب، حتى أصبحت مهجورة، وكل شيء بداخلها دمر".
وتبدو المحمية اليوم، وقد فقدت الكثير من ملامحها السابقة وضرب الإهمال أجزاء كبيرة من مساحاتها الخضراء وحدائقها الجميلة، وتناقص عدد الطيور والحيوانات فيها، وأصبحت تصنف ضمن أشهر الأماكن المهجورة في مدينة عدن التي توفر ملاذا آمنا لهواة الجريمة بسبب بعدها عن العيون.
فمنذ شهر تقريبا تم اكتشاف جثة متحللة لشخص مجهول الهوية، وتبين للشرطة أن الضحية تم قتله بالرصاص قبل التخلص من جثته في المحمية بدفنها بشكل سطحي، وهو ما مكّن الكلاب من النبش عن الجثة والبدء بنهش بعض أجزائها.
وخلال السنوات الماضية عُثِر على عشرات الجثث لضحايا قتل فردي وإعدام جماعي، لعل أبرزها في ديسمبر/كانون الأول 2015 حين أعلنت السلطات الأمنية في عدن العثور على 11 جثة بعضها مفصولة الرأس، وهي العملية الأبشع التي عرفتها محمية الحسوة.
عوامل خراب محمية الحسوة
وقضت عوامل كثيرة على هذا المحمية، أبرزها تراجع الدعم المادي لها بعد اندلاع الحرب، وتحويل جزء من مساحتها إلى مكب للنفايات، إضافة إلى استنزاف السكان المحليين للمساحة الخضراء في الرعي للماشية، وعمليات الاحتطاب وقطع الأشجار.
لكن المشكلة الأكبر، وفق مدير إدارة المحميات الطبيعية في اليمن سالم بسيس، هي حدوث تلوث كبير داخل محمية الحسوة، نظرا لعدم توفير الصيانة لأحواض معالجة مياه الصرف الصحي والمنظومة التابعة لها منذ عام 2015، إلى جانب وجود تعديات على أرض المحمية.
وقال بسيس للجزيرة نت إن "المحمية كانت تعتمد على مياه الصرف الصحي المعالج لكن وحدات المعالجة تعطلت، كما أنه تم الاستيلاء على أراض تابعة لمشروع المعالجة (داخل المحمية)، ما أدى إلى تعطيل سبل صيانة منظومة معالجة هذه المياه".
وأضاف "أصبحت المياه تتدفق مباشرة إلى أرض المحمية دون معالجة، وتحولت تلك الجداول المائية إلى مستنقعات تفوح منها الروائح الكريهة، "وهذا الأمر جعل أرض المحمية ملوثة نتيجة لعدم معالجة مياه الصرف الصحي وتراكم المعادن الثقيلة في التربة وأصبح المكان بيئة خصبة لنشر الأمراض للناس".