[ صحفيون مختطفون في سجون الحوثي منذ 7 سنوات ]
من صحافي متخصص بنقل مآسي وهموم المجتمع في إحدى الصحف اليومية اليمنية، تحوّل فيصل السراجي إلى مشرد يبحث عقب انقلاب الحوثيين عن فرصة عمل قبل أن تستقر به الحال بائعاً للثلج على رصيف أحد شوارع العاصمة صنعاء، بعد أن أغلقت الميليشيا كل نوافذ الإعلام غير الموالية لها.
والسراجي، المسؤول السابق عن قسم الشؤون الإنسانية في صحيفة "أخبار اليوم"، هو نموذج يجّسد معاناة مئات الصحافيين اليمنيين الذين فقدوا أعمالهم مع سيطرة الحوثيين على صنعاء وانقلابهم على السلطة وباتوا يبحثون عن أي عمل مهما كان بسيطاً ليوفروا "لقمة العيش" الأساسية لعائلتهم ويغطوا إيجارات منازلهم.
تحدث السراجي، وهو أحد الذين وضعوا لبنات للصحافة الإنسانية المتخصصة في اليمن منذ عقد من الزمن، بحرقة لـ"العربية.نت" عن ظروفه التي تشبه ظروف عشرات الصحافيين اليمنيين الذين "قذفت بهم الحرب إلى الشارع والعمل في أعمال شاقة، والعيش وسط ظروف صعبة دون أن تنفتح لهم نافذة انفراج"، حسب تعبيره.
وشرد الصحافي بعيداً وتوقف عن الحديث، ثم قضم أضافر أنامله، وقال: "كثير ما ينتابني الحزن على ما آلت إليه ظروفي، لكني لست الصحافي اليمني الوحيد الذي صار يعيش على هامش الحياة، بل هناك عشرات الصحافيين اليمنيين الذين يعيشون نفس حالي".
وأضاف بغصة: "لست أسوأ حالاً من الزميل والأخ الصحافي نبيل الشرعبي، فهو الآخر فقدَ عمله الصحافي كرئيس لقسم الاقتصاد ومسؤول الملحق الاقتصادي في صحيفة "أخبار اليوم" مطلع العام 2015 واضطر للعيش عدة أشهر على رصيف أحد شوارع العاصمة صنعاء".
وخنق السراجي غصته وكفكف دمعة جالت بعينيه، وبحسرة قال: "زميلي نبيل عاش ظروفا قاسية ولم يكن أمامه للعيش غير اللجوء إلى جمع مخلفات البلاستيك وعبوات المياه المعدنية والعيش من عوائدها المتواضعة".
واختتم حديثه بالقول: "رغم البؤس الذين يلف حياتنا كصحافيين يمنيين تنكر لنا الجميع، إلا أننا أفضل حالاً من صحافيين باعوا ضمائرهم وخانوا أمانة المهنة، ومارسوا القتل بالكلمة من خلال تزوير الحقائق ونقل واقع مغلوط ومشوّه عما يجري في اليمن".
وهناك عشرات القصص المتداولة عن صحافيين يمنيين وجدوا أنفسهم ضحية الحرب المستمرة منذ انقلاب الحوثيين على السلطة بقوة السلاح أواخر العام 2014 والذين يرون في الإعلام "خطراً أكبر من الرصاص"، كما صرح بذلك زعيمهم ذات مرة، ما جعل الميليشيا تغلق كل وسائل الإعلام غير التابعة لها وتطارد الصحافيين وتزج بهم بالسجون والمعتقلات وقد حكمت على أربعة منهم بالإعدام.
ويمتد ذلك إلى الصحافيات اليمنيات، فلهن أيضاً نصيب من المعاناة ولسن أفضل حالاً من زملائهن الصحافيين، ولكنهن لزمن الصمت لسنوات نظراً للرؤية المجتمعية تجاههن. وتحدثت صحافية، طلبت عدم الكشف عن اسمها، عن توقف وسيلة الإعلام الخاصة التي كانت تعمل فيها ما اضطرها للبحث عن عمل، واستقرت بها الحال نادلة في أحد مطاعم العاصمة صنعاء مقابل راتب زهيد.
وأضافت: "أشعر بخيبة أمل، وخذلان من الزملاء وكذلك من نقابة الصحافيين اليمنيين والجهات المعنية. لقد تخلى عنا الجميع، لكننا ما زلنا نعيش ولو على هامش الحياة".
وأشارت إلى أن هناك صحافيات يمنيات لا يرغبن في أن يعرف أحد كيف صار وضعهن في زمن الحرب، منهن من يعمل في تسويق السلع وبعض يعملن في محال تجارية وغير ذلك. وقالت: "هذا هو حال كثير من الصحافيين اليمنيين في زمن الحرب.. إنه زمن مقصلة الصحافة".