[ مستشفى الصداقة في عدن في اليمن ـ فرانس برس ]
في قسم أورام الأطفال في مستشفى الصداقة الحكومي في عدن، تفوح رائحة بول وتفتقر الغرف الى النظافة الضرورية للعناية الطبية والأسرة متهالكة.
على أحد هذه الأسرة، تتلقّى الطفلة آمنة علاجا لسرطان الدم، لأن "لا خيار آخر"، وفق ما تقول والدتها، في المدينة التي تعاني ككل أنحاء اليمن، من تداعيات الحرب المدمرة المتواصلة منذ سبع سنوات.
تجلس آمنة (خمس سنوات) على سريرها وقربها بعض الألعاب، بينما تقول والدتها أنيسة ناصر هادي "نحن هنا منذ شهرين"، مضيفة "كنا نرغب في إرسالها إلى الخارج لتلقي العلاج ولم نتمكن من ذلك" بسبب نقص الإمكانات المادية.
وتتابع "الخيار الوحيد للعلاج هو مستشفى حكومي".
والأم لا تعمل، وزوجها المقيم في السعودية لم يعمل كذلك منذ أربع سنوات.
ويوفر المستشفى جلسات العلاج الكيميائي مجانا، ولكن عائلة آمنة التي جاءت من محافظة أبين القريبة، تضطر إلى شراء الأدوية وإجراء الفحوصات خارج المستشفى.
وتقول الأم إنها لا تعمل وزوجها المقيم في السعودية لم يعمل منذ أربع سنوات.
ويشهد اليمن، أفقر دول شبه الجزيرة العربية، حربا مدمّرة بين الحكومة والمتمردين الحوثيين منذ 2014، أدّت إلى أزمة إنسانية كبرى. وتعاني المستشفيات الحكومية في مدينة عدن الخاضعة لسيطرة الحكومة، من أزمات عديدة من بينها نقص الكوادر الطبية.
ويفضل الأطباء والممرضون العمل في مستشفيات خاصة أو منظمات دولية مع تدهور سعر الريال اليمني وارتفاع الأسعار بالإضافة إلى مخاوف تتعلق بالسلامة.
في السنوات الأخيرة، تزايد عدد المشافي الخاصة في المدينة الجنوبية، لكن العائلات الفقيرة غالبا ما تكون مضطرة لتلقي العلاج في مستشفيات حكومية.
"حالة يرثى لها"
عند مدخل مستشفى الجمهورية الحكومي في عدن، لوحة تذكّر بأن ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية وضعت حجر الأساس لهذا المستشفى الذي سمي باسمها سابقا.
في عدد كبير من الأقسام، لا توجد إضاءة، كما يفتقر الطاقم الطبي الى المحاليل المخبرية ومعدات مختلفة وأسرة حديثة.
وتقول زبيدة سعيد (52 عاما)، وهي ممرضة تعمل في المستشفى منذ ثلاثين عاما، لفرانس برس، "المحاليل الطبية والمعدات غير موجودة في المستشفى. لا يوجد لدينا طاقم صحي".
وتتابع "لا صيانة في المستشفى، ولا يوجد تكييف... هناك تسرّب في المياه في الحمامات والمبنى قديم ومتهالك".
كما يشكو الطاقم الطبي من تدني الرواتب ونقص الكوادر. وقد نفذ أفراده مرات عدة احتجاجات للتنديد بتدهور الوضع.
ويعترف القائم بأعمال رئيس هيئة مستشفى الجمهورية الدكتور سالم الشبحي بأن "الوضع في حالة يرثى لها"، مشيرا الى أن ميزانية المستشفى ما زالت كما كانت عليه في عام 2014، أي قبل اندلاع الحرب.
وبميزانية قدرها مليارا ريال يمني سنويا (7,9 مليون دولار)، أكثر من نصفها مخصص للرواتب، يواجه المستشفى صعوبات تشغيلية كثيرة.
ويقول الشبحي لصحافيين خلال زيارة إلى المستشفى إنه لا يوجد حتى طبيب عام واحد في المستشفى، لذلك، "تتم الاستعانة بطلبة في كلية الطب يعملون مقابل 10 آلاف ريال (10 دولارات) يوميا".
وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في 2021 حول اليمن، "بات توفر مرافق البنية التحتية الصحية العاملة، مثل المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية أمراً صعب المنال تحت وطأة الصراع، إذ تواجه نسبة كبيرة من السكان تحديات في الحصول على الرعاية الصحية".
وجاء في التقرير أيضا "في الوقت الحالي، لا تعمل سوى 50% من المنشآت الصحية بكامل طاقتها، ويواجه أكثر من 80% من السكان تحديات كبيرة في الحصول على الغذاء ومياه الشرب وعلى خدمات الرعاية الصحية".
ويبدو قسم معالجة سوء التغذية في مستشفى الصداقة أفضل حالا بعض الشيء. ويحظى هذا القسم بدعم من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وهو أكثر نظافة وتأهيلا.
وتعالج الطفلة نوف (عام ونصف) من سوء التغذية الحاد الوخيم في غرفة طليت جدرانها باللون الزهري، بينما جلست خالتها أوجاد معها. ويقدم القسم أيضا وجبات طعام للعائلات.
وحذّرت وكالات إغاثة تابعة للأمم المتحدة في تقرير الاثنين من أنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع في اليمن سيتضاعف خمس مرات بحلول نهاية العام الحالي، وسط نقص كبير في التمويل.
وتعترف المديرة العامة للمستشفى الدكتورة كفاية محمد الجازعي بأن هناك "تباينا بين الأقسام المختلفة".
وتقول لوكالة فرانس برس "في حال وجد دعم من منظمة دولية (في قسم من الأقسام)، فإن كل الطاقم يرغب في العمل فيه بهدف تحسين ظروفهم المعيشية".
أطباء المستقبل
قبالة مستشفى الجمهورية، يتحضّر فوج جديد من الطلاب للتخرّج من كلية الطب في جامعة عدن هذا الأسبوع.
ويعرف هؤلاء الطلبة ما الذي ينتظرهم ويأمل بعضهم في الهجرة بينما يسعى آخرون للعمل مع منظمات دولية.
ويقول إياد خالد إنه بعد التخرج، "سأبحث عن فرصة عمل خاصة في المنظمات بسبب تدني الرواتب في المستشفيات، وعدم وجود حماية شخصية للطبيب في حال اعتدى عليه أقارب المريض. نحن نبحث على عمل براتب جيد ومكان آمن".
وترغب هبة عبادي (26 عاما) أن تتخصص في طبّ النساء والولادة "مع أن الوضع الصحي والنظام الصحي متدهوران".
وتقول "نأمل أن يتحسن الوضع ونساعد الناس هنا"، مضيفة "لمن نتركهم؟ يجب أن نتواجد هنا".