[ جورج قرداحي ]
بشكلٍ مفاجئ، طفت على السطح أزمة جديدة بين لبنان والسعودية، عقب انتشار تصريح سابق لوزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، تحدث فيه عنه رأيه بالتدخل السعودي الإماراتي في حرب اليمن.
وانتشرت مقابلة لقرداحي، ضمن برنامج "برلمان شعب" من إنتاج قناة "الجزيرة" الإلكترونية بُث الإثنين، اعتبر خلالها أن الحوثيين في اليمن "يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات".
وفور انتشار المقابلة، قالت وسائل إعلام لبنانية إن أزمة دبلوماسية جديدة تلوح بالأفق بين البلدين الذين تسود بينهما تاريخيًا علاقات مميزة لكنها باتت تشهد توترات من آن إلى آخر.
التبرؤ من تصريح قرداحي
سارع رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، إلى التبرؤ من كلام وزير الإعلام، وقال في بيان الثلاثاء إن "هذا الكلام مرفوض ولا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا، خاصة في ما يتعلق بالمسألة اليمنية وعلاقات لبنان مع أشقائه العرب، وتحديدا الأشقاء في السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي".
وأضاف أنه "والحكومة حريصون على نسج أفضل العلاقات مع المملكة العربية السعودية"، مع إدانة "أي تدخل في شؤونها الداخلية من أي جهة أو طرف".
والأربعاء، جدد ميقاتي موقفه عقب لقائه رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، إذ قال: "عون طلب مني تأكيد موقف لبنان بالتطلع إلى أطيب العلاقات مع الدول العربية".
كما صدر عن وزارة الخارجية والمغتربين بيان أكدت فيه أن كلام قرداحي "لا يعكس موقف الحكومة"، وأن "الوزارة أدانت مراراً وتكراراً الهجمات الإرهابية التي استهدفت المملكة العربية السعودية، وهي ما زالت عند موقفها في المدافعة عن أمن وسلامة أشقائها الخليجيين، وتنأى عن التدخل في سياساتهم الداخلية والخارجية".
ولم يصدر بعد بيان رسمي سعودي حول موقفها من لبنان عقب هذا التصريح.
قرداحي يرد
والثلاثاء، أوضح وزير الإعلام أنه لم يقصد الإساءة إلى السعودية أو الإمارات، معتبرا أن حديثه عن ضرورة توقف حرب اليمن "العبثية والمؤذية" يعكس "محبةً" للرياض وأبو ظبي.
وأردف قائلًا: "هذه المقابلة أجريت في 5 أغسطس (آب) الماضي، أي قبل شهر من تعييني وزيرا في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي".
إلا أن قرداحي رفع حدة خطابه، الأربعاء، قائلاً إنه "لا يجوز أن يكون هناك من يملي علينا ما يجب القيام به من بقاء وزير في الحكومة أو عدمه" (من دون أن يذكر أي جهة معينة).
كما اعتبر الوزير اللبناني أنه لم يخطئ بحق أحد لكي يعتذر.
الأمور عند نقطة الصفر
الصحفي والمحلل السياسي محمد نمر، يرى في حديثه للأناضول، أن "تصريحات قرداحي تسببت بأزمة دبلوماسية مع أكثر من دولة خليجية، وعلى رأسها السعودية، خصوصا أن السفير السعودي في لبنان وليد البخاري بدأ جولة الأربعاء على سفراء اليمن والكويت للوقوف عند هذا الحدث".
ويعتبر نمر أن "حكومة ميقاتي تلقت ضربة شديدة من تصريحات قرداحي، ولن تهدأ الأزمة إلا بإقالته، كما حصل مع الوزير السابق شربل وهبة".
ففي مايو/ أيار الماضي، طلب وزير الخارجية اللبنانية آنذاك، شربل وهبة، إعفاءه من مهامه، إثر تصريحات اعتبرها البعض "مسيئة" إلى السعودية ودول الخليج.
ويشدد نمر على أن "ميقاتي أمام امتحان لعلاقته مع الدول العربية، فإما أن يأخذ خيار إقالة قرداحي، وإما فهو يقول إن لبنان وحكومته سقطا في المحور الإيراني".
ويذكّر بأن "السفير السعودي في لبنان كان قد بدأ جولة إيجابية على مرجعيات رسمية لبنانية، لكن ما حصل أمس أعاد الأمور إلى نقطة الصفر".
وقبل انتشار الفيديو، كان بخاري زار، الثلاثاء، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، مؤكدا أن السعودية "حريصة على أمن واستقرار لبنان ومؤسساته، وعلى العيش المشترك الإسلامي المسيحي وتعزيزه، وعلى علاقاته الأخوية بين البلدين.
وقال بخاري إنه "لا شرعية لمشروع وخطاب الفتنة، ولا شرعية لمشروع يقفز فوق هوية لبنان العربي، مبديًا تعاطفه ومحبته للشعب اللبناني الذي يناضل من أجل حرية بلده وسيادته وعروبته".
تضخيم لكلام قرداحي
بالمقابل، يعتبر المحلل السياسي قاسم قصير، أن "كلام قرداحي أتى قبل تسلمه الوزارة، وإنه لم يتكلم بشكل رسمي، كما أن لبنان يضمن حرية التعبير".
ويرى أن "هناك تضخيم للحدث، علماً أن قرداحي قارب الأزمة بوجهة نظر موضوعية، معتبراً أن الشعب اليمني يدافع عن وجوده".
ويضيف قصير: "ثمة حرص لبناني على تحسين العلاقة مع السعودية والإمارات، لذلك ممكن أن يتم التعاطي مع الموضوع من خلال إظهار التضامن مع السعودية أكثر من النظر بموضوعية مما يجري في اليمن".
ويشير إلى أن "البعض يريد أن يستغل الحدث لتحسين علاقته بالسعودية، والبعض الآخر يريد أن يرد الجميل بعد دعم السعودية له بمكان ما، وهناك من يريد أن ينتقم من قرداحي لأنه يمثل جوا سياسيا معينا".
حكومة لا تمتلك قرارها
وعن موقف السعودية من حكومة ميقاتي، يشير نمر إلى أن "الموقف السعودي من الحكومة هو أنها لا تمتلك قرارها السياسي، وكلام قرداحي أثبت للمملكة خيارها بعدم دعم الحكومة".
واتهمت السعودية، في 2017، جماعة "حزب الله" اللبنانية، حليف إيران، بأنها تسيطر على القرار السياسي والأمني في لبنان، فضلا عن تدخلها في حرب اليمن، بدعم جماعات تعمل ضد المملكة.
ورداً على سؤال حول أن المقابلة قديمة، فما جدوى كل الجدل، يرى نمر أنه "كان من الأجدى أن يطلب قرداحي من القناة إما حذف هذه الفقرة من البرنامج، أو أن يصدر بيانا قبل بث المقابلة ليوضح فيه موقفه".
لا تزال نهاية الأزمة الجديدة بين البلدين غير واضحة، في ظل محاولات رسمية للتهدئة وتأكيد الحرص على نسج أفضل العلاقات مع دول الخليج العربي.