قاد انهيار سعر صرف الريال اليمني إلى مرحلة انحدار جديدة للأوضاع المعيشية في البلاد، الرازحة تحت توترات أمنية وحرب مستمرة منذ عام 2015.
خلال الأيام الماضية، شهدت العملة المحلية تراجعا قياسيا جديدا، حيث بلغ سعر الدولار الواحد في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة قرابة 1400 ريال، للمرة الأولى في تاريخ البلاد.
وقبل الحرب في اليمن عام 2015، كان متوسط سعر الدولار في السوق المحلية 215 ريالا.
وأدى تراجع سعر العملة، إلى احتجاجات في عدة مدن يمنية، ومطالب شعبية متكررة بضرورة علاج أزمة الريال، وسط تحذيرات من اتساع رقعة الجوع والفقر.
يأتي ذلك، في الوقت الذي استمر استقرار العملة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، منذ أكثر من عام، حيث يباع الدولار بـ 600 ريال.
وأمام هذا التفاوت، بات سعر العملة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، أكبر من ضعف نظيره في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة.
تبعات الانقسام
هذا الانقسام والتباين في سعر العملة بين مناطق الحوثي والحكومة، أدى إلى تداعيات سلبية أثرت على حياة المواطنين.
على سبيل المثال، من يريد تحويل مبلغ مالي من مدينة عدن (جنوب) إلى العاصمة صنعاء (شمال)، ينبغي له دفع أكثر من المبلغ المحول، كعمولة تحويل بسبب فارق سعر الصرف بين المحافظتين.
وأدى هذا الأمر إلى تكبد المواطنين خسائر مالية كبيرة، جراء تباين سعر العملة، وعزوف البعض عن التحويل المالي من مناطق الحكومة إلى الأخرى الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
أما من يقوم بتحويل مبالغ مالية من صنعاء إلى مناطق الحكومة، فيقوم بتحويلها إلى الدولار أو الريال السعودي قبل إرسالها، كي يتم صرفها بما يعادلها بسعر العملة المحلية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة.
محنة ارتفاع الأسعار
أدى الانهيار الكبير في العملة إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار مختلف المواد، بما في ذلك الغذائية الأساسية.
وشكا مواطنون في أحاديث للأناضول، من تداعيات إنسانية خطيرة جراء ارتفاع الأسعار.
وقالت أم عبد الله، ربة بيت في مدينة تعز جنوب غربي البلاد، إن الأسعار أصبحت جنونية بشكل لا يوصف.
وأضافت: "نذهب إلى السوق لشراء بعض مستلزمات البيت، فنعود ونحن نحمل كتلة كبيرة من الهم جراء الارتفاع الكبير للأسعار".
"خلال شهر واحد، ارتفعت الأسعار قرابة 30 بالمئة، فيما الكثير من الناس دون سيولة مالية.. أصبحنا نفكر كثيرا في كيفية شراء المستلزمات الأساسية فقط.. كل شيء مرتفع، ولا وجود لأي حلول.. ننتظر فقط لطف الله".
وفي 13 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أعلن برنامج الأغذية العالمي ارتفاع أسعار المواد الغذائية في اليمن، بنحو 70 بالمئة بالمناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، منذ مطلع 2021، جراء تدهور العملة المحلية.
فيما يرى مراقبون أن الأسعار قد ارتفعت بما يقارب 100 بالمئة بالمناطق الواقعة تحت سلطة الحكومة، خلال عام واحد.
وفي ظل استمرار تدهور العملة، أصبحت الأسعار في مناطق الحكومة ضعف الأسعار في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
مخاوف الجوع
أدى ارتفاع الأسعار، إلى اتساع المخاوف من تزايد حالات الجوع في اليمن الذي يعتمد معظم سكانه على المساعدات.
والجمعة الماضية، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، أن "دوافع أزمة اليمن، المتمثلة بالصراع والانحدار الاقتصادي، لا تظهر أي بوادر لتراجعها، ما يؤدي إلى تزايد الجوع".
وأوضح البرنامج، في بيان مقتضب، "هذا يدفع العائلات في اليمن إلى اللجوء إلى تدابير قاسية، مثل أكل أوراق الشجر للبقاء على قيد الحياة".
كان البرنامج نفسه قد دعا منتصف أكتوبر الجاري، المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الجوع في اليمن.
وقال المواطن محمد علي سيف إن "الجوع يطرق أبواب الكثير من اليمنيين، وسط عجز واضح من قبل السلطات في معالجة أزمة ارتفاع الأسعار".
وأضاف: "ثمة أسر تعيش ظروفا أشبه بالمجاعة، حيث أصبح الشاي نوعا من الرفاهية، فيما شرب الماء النقي أصبح مقصورا على بعض الأسر".
إجراءات حكومية
أمام استمرار تدهور العملة المحلية ولهيب الأسعار، قررت الحكومة اتخاذ العديد من الإجراءات في سبيل الحفاظ على قيمة الريال، غير أن ثمار ذلك لم تأت حتى الآن.
وخلال الأيام الماضية فقط، أعلن البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، إغلاق 54 شركة ومنشأة صرافة، بعد اتهامها بالمضاربة بسعر العملة.
فيما أغلقت السلطات المحلية في مدينة تعز 14 شركة صرافة مخالفة، بسبب المضاربة بسعر العملة.
والأربعاء، أعلنت الحكومة حظر استخدام العملات الأجنبية في التعاملات الداخلية، وحصرها بالعملة المحلية فقط، للحد من عمليات المضاربة على أسعار صرف العملة الأجنبية، ووقف تدهور العملة المحلية أمام نظيراتها الأجنبية.
وشددت الحكومة وفق بيان على "استخدام العملة الوطنية في جميع المعاملات الداخلية من بيع وشراء السلع والخدمات والعقود والصفقات".
ولم يشهد الريال اليمني أي تحسن بعد هذه الإجراءات، فيما يرى مراقبون أن سعر العملة فقط قائم على العرض والطلب، وأن معالجة أزمة الريال تتطلب بشكل سريع توفير نقد أجنبي فوري.
وسبق أن ناشدت الحكومة اليمنية المجتمع الدولي بضرورة التدخل العاجل لوقف انهيار الاقتصاد والعملة، في مؤشر على عجز واضح في معالجة أزمة الريال.
ويشهد اليمن حربا منذ أكثر من 7 سنوات، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على الدعم والمساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.