بعد أحداث الربيع العربي بداية عام 2011، انتهجت الإمارات سياسة خارجية واضحة المعالم للعب دور إقليمي أكبر في قضايا المنطقة بالتنسيق مع السعودية، لدرء مخاطر محتملة من وصول موجة الربيع العربي إليهما، بعد أن أصبحت تهدد أنظمة عدة إلى الجوار منهما، مثل اليمن والبحرين.
تدخلت الإمارات إلى جانب السعودية ودول خليجية أخرى عام 2011 ضمن قوات "درع الجزيرة"، للحد من تهديد الاحتجاجات التي شهدتها البحرين على نظام الحكم القائم.
ودعم البلدان انقلاب الجيش المصري في يوليو/تموز 2013 بقيادة "عبد الفتاح السيسي" على الرئيس المنتخب، محمد مرسي.
منذ عام 2011 سعت السعودية والإمارات إلى تحقيق بعض الأهداف المشتركة لتقليل تأثير ثورات الربيع العربي على منظومة الدول الخليجية والدول الحليفة لهما، مثل الأردن ومصر والمغرب.
ورأت القيادتان أن حركات الإسلام السياسي التي بدت في صدارة المشهد لثورات الربيع العربي تشكل خطرا وجوديا على الأنظمة القائمة في الدول الخليجية والدول الحليفة لهما.
وإلى جانب التهديد المشترك الذي تمثله حركات الإسلام السياسي، وجدت كل من السعودية والإمارات تهديدا وجوديا موازيا يمثله النفوذ الإيراني في المنطقة، المباشر منه، أو عبر القوات الحليفة لإيران.
وفي مواجهة التهديدين؛ برزت بوادر تباين في سياسات السعودية، التي ترى في التهديد الإيراني الأولوية على تهديد حركات الإسلام السياسي.
على خلاف السياسات الإماراتية التي حاولت التخفيف من التهديد الإيراني، وإعطاء الأولوية لتهديد حركات الإسلام السياسي ومواجهتها في ليبيا ومصر.
يرى محللون غربيون، أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي تسلم وزارة الدفاع مطلع 2015، بعد أيام من تولي والده الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم، وإعطاء المزيد من السلطات والمناصب لولي العهد، ارتبط بعلاقات وثيقة مع نظيره، محمد بن زايد، وكان بينهما تنسيق مشترك في الملفات الإقليمية والدولية، مثل الحرب في اليمن وحصار قطر.
وكانت محطة تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن مارس/آذار 2015، والتدخل العسكري بقيادة السعودية وشراكة دولة الإمارات، المحطة الأهم في العمل المشترك في مواجهة التهديدات الإيرانية المفترضة، جراء الدعم الذي تقدمه إيران لجماعة (الحوثي) التي سيطرت على العاصمة اليمنية سبتمبر/أيلول 2014، واتجهت جنوبا للسيطرة على بقية المحافظات والمدن.
ويعد قرار الإمارات بالانسحاب الجزئي من اليمن يوليو/تموز 2019، محطة فارقة في تاريخ العلاقات بين الإمارات والسعودية، وأنها قادرة على لعب دورها الإقليمي بمسارات مستقلة عن السياسات السعودية، بما فيها التباين في المواقف، خاصة من إيران، التي تحتفظ الإمارات معها بعلاقات تنسيق في مجالات الأمن البحري، وتستضيف على أراضيها نحو 400 ألف مقيم إيراني ومئات الشركات الإيرانية، بينما لا توجد أي علاقات بين السعودية وإيران، كما أنه لا توجد أي جالية أو شركات إيرانية على الأراضي السعودية.
ويبدو أن الإمارات حققت بعض الأهداف المهمة لصالحها في اليمن، ولم تعد بحاجة إلى تواجد عسكري مكثف، بعد أن ضمنت وجود المزيد من القوات الحليفة لها في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يقتسم السلطة والإدارة مع الحكومة الشرعية، بعد سنوات من سيطرته على معظم جنوب اليمن.
ولم تظهر خلافات البلدين إلى العلن، لكن ثمة ما يشير إلى تباين حقيقي في سياسات كل من الإمارات والسعودية في اليمن.
تسعى السعودية للوقوف إلى جانب مؤسسات الدولة والحكومة الشرعية للحفاظ على وحدة اليمن التي يرى مراقبون أنها تتعرض لتهديدات جدية من السياسات الإماراتية الداعمة لبناء دولة موازية في جنوب اليمن، من خلال تدريب قوات مناطقية لإعادة تأسيس دولة "اليمن الجنوبي" وانفصالها عن الدولة اليمنية.
وحاولت كل من السعودية والإمارات استثمار العلاقات العميقة مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، بعد توليه الرئاسة، وقيامه بأول جولة خارجية في مايو/أيار 2017 ابتدأها من الرياض، وفرض حصار شامل على دولة قطر، بعد أيام فقط من زيارة ترامب.
الحصار استمر لأكثر من ثلاثة أعوام ونصف، وانتهى مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض يناير/كانون الثاني الماضي وانتهاجه سياسة جديدة تجاه السعودية، ترتكز على إعادة تقييم العلاقات معها، وإعطاء أولوية لمسألة انتهاكات حقوق الإنسان، ووقف مبيعات الأسلحة والدعم العسكري للسعودية في الحرب اليمنية.
والتقت السعودية مع الإمارات بالتنسيق مع إدارة دونالد ترامب، على كبح جماح التهديدات الإيرانية في المنطقة، ومنع طهران من زيادة نفوذها عبر القوات الحليفة لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، من خلال عقوبات "الضغط الأقصى" التي فرضها ترامب بعد انسحابه من صفقة الملف النووي في مايو/أيار 2018.
الدور الإقليمي الإماراتي في إفريقيا، واليمن، والخليج أتاح لصناع القرار انتهاج سياسة أكثر استقلالية عن الرياض، بعد الهجمات التي تعرضت لها منشآت النفط السعودية 14 سبتمبر/أيلول 2019، وقبلها بعدة أشهر تعرض أربع ناقلات نفط لهجمات في المياه الإقليمية للإمارات.
وقد تكون بوادر المحاولات الإماراتية للافتراق عن السياسات السعودية قد بدأت مع الهجمات التي تعرضت لها ناقلات النفط الأربع في ميناء الفجيرة مايو/أيار 2019، التي تشير تقارير أمريكية إلى وقوف إيران خلفها، وهو ما يتوافق مع سياسات التصعيد التي تنتهجها السعودية ضد إيران، خلافا للسياسات الإماراتية التي تجنبت تحميل إيران مسؤولية تلك الهجمات، أو الهجمات التي أعقبتها على ناقلتي نفط في بحر عمان في يونيو/حزيران من نفس العام.
ونتيجة لمخاوف إماراتية، تبنت أبو ظبي سياسة أكثر حذرا في التعامل مع إيران لتحاشي ضربات مماثلة تشنها طهران أو القوات الحليفة لها، مثل جماعة الحوثي التي هددت الإمارات أكثر من مرة، لكنها لم تنفذ تهديداتها على الرغم من تعرض السعودية لمئات الضربات بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.
من غير المستبعد أن تشهد الأسابيع أو الشهور القادمة تحولات في السياسات الخارجية لدولة الإمارات بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، أو على صعيد علاقات "التحالف" والشراكة مع السعودية في الملفات الإقليمية الساخنة، وهي علاقات التقت على ثنائية مواجهة حركات الإسلام السياسي، وكبح جماح التهديدات الإيرانية واتساع نفوذ طهران في الدول التي تعد مناطق نفوذ تقليدية للسعودية، مثل اليمن.
وعلى الرغم من عدم وجود زيارات متبادلة بين ولي عهد أبوظبي وولي العهد السعودي أو اتصالات هاتفية معلنة خلال عام أو أكثر، فإن ذلك لا يعني تراجعا في العلاقات "الشخصية" على الأقل أو التنسيق المتبادل بينهما.
ومع حقيقة تباين أولويات البلدين في مواجهة التهديدات المفترضة؛ إلا أنه لا توجد أي إشارات إلى احتمالات وجود توترات في العلاقات بين البلدين أو تراجع التنسيق المشترك بينهما.