منذ أسبوع، تُصعِّد جماعة الحوثي عملياتها العسكرية في محافظة مأرب شرقي اليمن، وأعلن قادتها صراحةً رغبتهم في السيطرة على المحافظة الغنية بالنفط والغاز.
وجاء تصعيد الحوثيين المدعومين من إيران، بعد إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في 16 فبراير/ شباط الجاري، رفع الجماعة من قوائم الإرهاب، التي أدرجها فيها سلفه دونالد ترامب.
ويتزامن التصعيد مع رحلات مكوكية يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة الخاص باليمن مارتن غريفيث، ضمن مساعيه للحل السياسي، وكذلك مع جولات مماثلة للمبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ.
ومجددا، دخل حسن نصر الله، أمين عام جماعة "حزب الله" اللبنانية حليفة إيران على خط الحرب في اليمن، من خلال خطاب قال فيه مؤخرا إن "الحوثيين قادمين على نصر عظيم ورسم معادلة جديد".
أهداف متداخلة
وفيما تحتدم المعارك بين القوات الحكومية وجماعة الحوثيين على جبهات عديدة في محافظة مأرب ومحافظة الجوف المجاورة، يحضر الحديث عن القرار الذاتي والخارجي في معركة مأرب.
ففي الأوساط اليمنية يتردد سؤال بشأن إن كانت المعركة إرادة خالصة لجماعة الحوثي أم رغبة الراعي الإقليمي إيران، وبرضا دولي، إثر وصول بايدن للبيت الأبيض في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وقال رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث الاستراتيجية (غير حكومي)، عبد السلام محمد، للأناضول، إن معركة مأرب تداخلت فيها الأهداف المحلية للحركة الحوثية وأهداف إقليمية لإيران وأهداف دولية للولايات المتحدة.
وأوضح أن جماعة الحوثي ترى أن السيطرة على مأرب، آخر معقل رئيسي للسلطة الشرعية وآخر حركة مقاومة في اليمن، ستمكنها من التمدد في اليمن بسهولة.
واستطرد: "كما تريد الجماعة إسقاط قانونية السلطة الشرعية لتنتهي تماما وتصبح هناك مليشيات الأمر الواقع، ويكون فيها الحوثي هو الأقوى على مستوى اليمن".
واقتصاديا، وفق محمد، مأرب غنية بالنفط والغاز والحوثي تريد تسخيرها في دعم تحركاتها العسكرية إلى أبعد مدى، سواء داخل اليمن أو ربما مستقبلا خلف الحدود مع السعودية.
وعلى الصعيد الإقليمي، قال محمد إن إيران ترى أن مجيء بايدن للرئاسة الأمريكية يمثل فرصة للحصول على مكاسب جديدة ورفع السقف، خاصة وأنه يسترضيها للعودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وهي تريد العودة من حيث بدأ الاتفاق، بينما يريد الأمريكيون اتفاقا جديدا يتضمن أيضا برنامج الصواريخ والنفوذ الإيراني.
وتابع أن الإيرانيين يرون أن تقدم الحوثيين أكثر ونجاح معركتهم في اليمن هو مكسب جديد لهم، مستغلين الموقف الأمريكي والأوروبي ضد السعودية والإمارات، وخروج ترامب وإعلان بايدن نيته إيقاف الحرب في اليمن، بإيقاف الدعم العسكري للسعودية والإمارات، من دون أن يرى في الحوثي أي مشكلة.
ومنذ 2015، ينفذ تحالف عربي تقوده الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن دعما للقوات الحكومية في مواجهة الحوثيين.
وشدد محمد على استفادة طهران من التصعيد الحوثي في مأرب لكسب ورقة وسقف جديد في المفاوضات مع واشنطن.
معركة وجودية
وفقا للكاتب سيف الحاضري، رئيس "مؤسسة الشموع للإعلام والصحافة" في اليمن، فإن مأرب بالنسبة للحوثي هدف استراتيجي في إطار تحقيق مكاسبها العسكرية والسياسية محليا، وكذلك توسيع النفوذ الإيراني في المنطقة.
وأضاف للأناضول أن الحوثي يريد أحد أمرين، إما اجتياح مأرب ليفرض سيطرته على المناطق الشمالية، ويتمكن من فرض شروطه في أي حوار قادم وتبقى الشرعية عبارة عن هامش لا قيمة له والحوثي هو صاحب الكلمة الأعلى شمالا وجنوبا، أو على الأقل فرض اتفاق جديد لتقاسم النفط.
ورأى أن معركة مأرب بالنسبة للحوثيين هي معركة وجودية، لإدراكهم أن بقاء مأرب تحت سيطرة الشرعية يمثل أكبر تهديد لوجودهم، لذلك سيدفعون إليها بكل ثقلهم ويسخرون لها كل إمكاناتهم.
أما فيما يتعلق بالبعد الخارجي لهذه المعركة، فذهب الحاضري إلى أنها معركة مهمة بالنسبة لإيران من أجل تحقيق انتصار كبير على السعودية وتحالفها الذي يقود ويدير المعركة ويتحكم بها.
الذارع الأقوى
وفي حال تحققت للحوثيين انتصارات عسكرية في مأرب، وفق محمد، فمن الممكن أن يتمددوا إلى باب المندب (جنوب غرب) ويسيطروا على المنطقة بشكل أكبر، لتصبح إيران هي الذراع الأقوى في المنطقة العربية، ما يعطيها الأمل في التمدد مستقبلا إلى دول الخليج.
وعلى الصعيد الدولي، قال إن بايدن يرى في سيطرة الحوثي على مأرب إيقافا للحرب وتحقيقا لوعده الانتخابي بإنهائها ومعاقبة السعودية، ومن جهة أخرى ردا على ترامب، الذي وضع الحوثيين، قبل خروجه من البيت الأبيض، على قوائم الإرهاب، فكان أول رد من بايدن هو رفعهم من هذه القوائم.
واعتبر محمد أن هذا يأتي في إطار الصراع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة، وأن المستفيد هو إيران.
وأعرب عن اعتقاده بأن الأيام القادمة ستحدد توجه الإدارة الأمريكية نحو الرياض وإدارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من خلال الملف اليمني.
واستطرد أن واشنطن وجدت في الملف اليمني فرصة للضغط على السعودية، فرفعت الحوثيين من قوائم الإرهاب، أثناء معركة مأرب، ما اعتبره الحوثيون ضوءا أخضر للتصعيد.
وشدد على أن التداخلات المحلية والإقليمية والدولية هي السبب في معركة مأرب، وأن حركة الحوثيين مزيج من تداخل المصالح المحلية والإقليمية، فهم يستفيدون من إيران لإحراز مكاسب على الأرض مقابل إعطاء مكاسب لطهران.
وتابع أن الحركة الحوثية لم تعد حركة وطنية ذات امتداد ومصالح داخلية، بل بات تفكيرها على مستوى أكبر، وهذا دليل على تأثير الحرس الثوري الإيراني على أفكارها وعقديتها الأيديولوجية، ففي حين يتمددون على الأرض، يعطون آمالا لأتباعهم بالذهاب إلى مكة، وقتال الولايات المتحدة في أماكن أخرى غير اليمن.
ستوكهولم مأرب
أما سقوط مأرب فستكون له، بحسب الحاضري، آثار كارثية على السعودية وبقية دول الخليج والجوار بالكامل؛ لأنه يعني توسع سياسي لإيران، حيث ستكون مُقبلات على مائدة النفوذ الإيراني.
إلا أنه رأى أن المعطيات الراهنة تفيد بعدم تمكن جماعة الحوثي من السيطرة على مأرب مع استنفار الجيش والهبة الشعبية المساندة له.
واستدرك: "لكن الخطر يكمن في احتمال حدوث تفاهم أمريكي إماراتي سعودي لتقدم الحوثيين بهدف فرض ستوكهولم مأرب على غرار ما حدث في الحديدة (غرب)".
وبرعاية الأمم المتحدة، وقعت الحكومة والحوثيون اتفاقا بشأن الحديدة في ستوكهولم يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، لكنه لم يسهم في إنهاء الحرب، حيث يتبادل الطرفان اتهامات بالمسؤولية عن تعثر تنفيذه.
وأودت الحرب المستمرة منذ 7 أعوام، بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.