[ صاروخ بثه الإعلام الحربي التابع للحوثيين قال إنه أطلق باتجاه السعودية ]
في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، هددت جماعة الحوثي اليمنية باتخاذ خطوات تصعيدية ضد أهداف عسكرية واقتصادية حيوية في العمق السعودي؛ بدعوى الرد على "التصعيد العسكري المستمر" من قبل التحالف العربي، بقيادة الرياض.
وبالفعل نفذ الحوثيون تهديدهم، ففي 23 من الشهر نفسه، أطلقوا صاروخًا أصاب خزان وقود يتبع "أرامكو" (أكبر شركة نفطية بالعالم) في مدينة جدة غربي المملكة.
وقالت الجماعة، عبر بيان، إن "الاستهداف تم بصاروخ مجنّح نوع قدس 2"، ووصفوا درجة الإصابة بأنها "كانت دقيقة جدا".
فيما قالت وزارة الطاقة السعودية إن فرق الإطفاء أخمدت الحريق الناجم عن "الاعتداء الإرهابي" على خزان الوقود، ولم تحدث إصابات ولا خسائر في الأرواح، ولم تتأثر إمدادات "أرامكو" من الوقود.
أما التحالف العربي فقال، في بيان، إنه "ثبت تورط المليشيا الحوثية الإرهابية، المدعومة من إيران، في هذا الاعتداء الإرهابي الجبان".
وشدد على أنه "ستتم محاسبة العناصر الإرهابية المخططة والمنفذة لهذه العمليات العدائية".
وقوبل الهجوم الحوثي بإدانات محلية وعربية ودولية، بينها الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية.
ومنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ التحالف عمليات عسكرية في اليمن، دعمًا للقوات الموالية للحكومة، في مواجهة الحوثيين، المسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
فوز بايدن
جاء هجوم الحوثيين ضد العمق السعودي في ظل فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن في انتخابات الرئاسة الأمريكية (3 نوفمبر الماضي)، على حساب الرئيس دونالد ترامب، الداعم للرياض.
وتعهد بايدن، خلال حملته الانتخابية، بإعادة تقييم علاقة الولايات المتحدة بالسعودية، والعمل على إنهاء حرب اليمن.
وأودت الحرب المستمرة للعام السادس بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ويبدو أن الحوثيين يهدفون من هذا التصعيد العسكري إلى الزعم بأنهم الأقوى على الأرض، لقدرتهم على ضرب أهداف في العمق السعودي، وبالتالي الحصول على مكاسب سياسية في أي مشاورات مقبلة قد تضغط الإدارة الأمريكية المقبلة لإجرائها، بغرض إنهاء الحرب.
وفق المحلل السياسي، عبد الناصر المودع، فإن "تصعيد الحوثيين يأتي ضمن رغبتهم في الحصول على تنازلات سعودية في أكثر من ملف، أهمها التوصل إلى مقايضة تتوقف الرياض بموجبها عن ضرب مسلحي الجماعة في الجبهات، مقابل توقف الحوثيين عن استهداف المملكة".
وتابع المودع للأناضول: "يبدو أن السعودية ليست في وارد القبول بهكذا صفقة؛ لأنها عمليًا تعني القبول بالهزيمة وستؤدي إلى تمدد الحوثيين إلى مناطق تعتبرها السعودية حيوية، كمحافظة مأرب (شرق) ومحافظات جنوبية"، ملاصقة لأراضٍ سعودية.
ووفق أهدافها المعلنة، دخلت المملكة حرب اليمن أساسًا للدفاع عن السلطة الشرعية برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ولحماية أمنها القومي، فسيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة يمثل "خنجرًا إيرانيًا" موجهًا لظهر السعودية، خاصة من حدها الجنوبي.
ورأى المودع أن "الحوثيين يحاولون من خلال الهجمات على المراكز الحيوية السعودية إحراج المملكة وإظهار عجزها عن الرد بعد أن استنفدت الرياض بنك الأهداف العسكرية التي يمكن ضربها عبر الطائرات الحربية".
وأردف: "أي هجمات موجعة للحوثيين ستؤدي إلى خسائر بين المدنيين، فالحوثيين يخزنون الأسلحة الاستراتيجية ويختفي زعماؤهم داخل مناطق مكتظة بالسكان المدنيين، ولهذا فإن يد السعودية أصبحت مشلولة للرد على الهجمات الحوثية التي تطال مدنها أو منشآتها الحيوية".
ارتباك سعودي
تمر الحرب اليمنية بتحول حقيقي مع التغيير في الإدارة الأمريكية، حيث سيتسلم بايدن مهام منصبه رسميا في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل.
وخسرت السعودية حليفها الأبرز، الرئيس ترامب، وهو ما يحاول الحوثيون استغلاله لتحقيق مكاسب عسكرية قبيل أي تسوية سياسية مرتقبة.
الكاتب السياسي يعقوب العتواني، قال للأناضول، إن "جماعة الحوثي تضع باعتبارها حساسية وضع السعودية في الوقت الراهن، مع التغير الذي حدث بفوز بايدن، وانتظار صعود إدارة واضحة جدا في توجهها لاحتواء التدخل السعودي في اليمن، والدفع باتجاه التسوية بدلا من الحرب".
وأضاف: "نسبة التوتر في أعلى مستوياتها حاليا عند صانع القرار السعودي، والكثير من السياسات السعودية معلقة على نتائج ما يحدث في البيت الأبيض".
وتابع: "الحوثيون يستشعرون هذا الارتباك السعودي مع فوز بايدن، ويسعون إلى استغلاله من خلال التصعيد والضغط على الرياض وإحراجها أمام الإدارة الأمريكية المقبلة، لتحقيق مكاسب سياسية عن طريق التصعيد".
ورأى العتواني أن "الرد السعودي على الحوثيين في الوقت الراهن من شأنه أن يثير غضب الرئيس الأمريكي المنتخب (بايدن)، وقد يصعب مهمة الرياض القادمة في التوصل إلى تفاهمات مع إدارته".
ورغم ذلك، يرى مراقبون أنه توجد مبالغة في الاعتقاد بأن إدارة بايدن ستكون معادية تمامًا للسعودية، خاصة مع وجود مصالح كثيرة تربط بين البلدين، وستحتم على بادين الحفاظ على علاقة جيدة مع المملكة، خاصة وأن تعهدات الحملات الانتخابية لا تجد في أحوال كثيرة طريقها إلى أرض الواقع.
تسوية مرتقبة
ويبدو أن الحوثيين يسعون عبر التصعيد العسكري إلى إيجاد تسوية سياسية مع السعودية، التي تتصارع مع إيران على النفوذ في دول عربية أخرى.
ورأى المحلل السياسي ياسين التميمي، أن الهجمات الحوثية الجديدة على السعودية، تأتي على المستوى التكتيكي في سياق ضغوط ميدانية تمارسها الجماعة في الجبهات الداخلية والعابرة للحدود، عبر الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، لإعادة تصويب نتائج المعركة الحالية نحو تسوية ثنائية بين الحوثيين والرياض".
وأضاف التميمي للأناضول، أن "الجماعة تهدف إلى إبعاد السلطة الشرعية اليمنية واللاعبين المحليين الآخرين من المعادلة السياسية".
واعتبر أن "هذا الضغط الحوثي يستثمر الشلل الراهن في إدارة ترامب، التي تدفع إلى اتخاذ قرار يصنف جماعة الحوثي تنظيمًا إرهابيًا، وهو التطور الذي حاولت السعودية استثماره لإعادة فرض خيار المنطقة العازلة (مع اليمن) مقابل الذهاب إلى تسوية متعددة الأطراف للحرب اليمنية".
واستطرد: "الضغوط الحوثية المسنودة من إيران، عبر ضابط الحرس الثوري الذي أصبح سفيرًا لطهران في صنعاء حسن إيرلو، تستثمر أيضًا التحول الدراماتيكي في السعودية نحو محاربة جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وهي معركة خلطت الأوراق ورسمت مسارا قاتما للحرب التي تقودها السعودية باليمن".
وحول خيارات المملكة للتعامل مع تصعيد الحوثيين، أجاب التميمي بأنه "على الرغم من أن الخيار المتاح للرياض للخروج من مأزق اليمن هو إعادة الزخم للمعركة الشاملة ضد الحوثيين، إلا أنه يبدو أن المملكة تبتعد كثيرا عن هذا الخيار، ما يدفعها أكثر من أي وقت مضى نحو تعويم الفوضى وتقديم تنازلات كارثية، بينها التسليم بما حازه الحوثيون من مكاسب سياسية وعسكرية".
وعادة ما تؤكد المملكة دعمها لجهود التوصل إلى حل سياسي شامل في اليمن، عبر حوار برعاية أممية، وسبق وأن أعلنت في أبريل/نيسان الماضي، عن وقف شامل لإطلاق النار لمدة أسبوعين قابل للتمديد.
وأعربت آنذاك عن أملها أن ينتهز الحوثيون فرصة وقف إطلاق النار، ويتجاوبوا بشكل فاعل وجدي مع هذه المبادرة، وتغليب مصلحة الشعب اليمني.
لكن الهدنة سريعا ما انهارت، مع استمرار الحوثيين في عملياتهم العسكرية، والتي يرد عليها التحالف.