لم تكن المصورة القطرية المحترفة موضي الهاجري تعلم، وهي تطوف اليمن في رحلاتها هناك خلال الأعوام (2007-2013) أن ذلك البلد سيشهد فيما بعد حرباً ستنال من بعض مظاهر تلك الحياة التي توقفت عندها عدستها، بل أن بعض المعالم الحضارية التي وثقتها فوتوغرافيا، قد نالت منها الحرب.
وبالتالي فإن صدور كتابها “اليمن عشق يأسرك” الذي يتضمن توثيقاً بالكلمة والصورة لما عاشته وشاهدته خلال رحلاتها تلك، قد يمثل رسالة مهمة باعتباره يوثق، من رؤية تخص هذه الفنانة، الجانب الجمالي والإنساني والحضاري من هذا البلد المنسي، بل كأن الكتاب يقول إن هذا البلد يتمتع بتنوع ويتعايش ابناؤه بمحبة وتسامح، وهو ما تؤكده الصورة وتدلل عليه صاحبة الكتاب التي تنقلت بين مختلف مناطقه واقتنصت عدستها مناظر تعكس هذا التنوع وجماله وبساطته ومحبته للسلام.
“لم أشعر للحظة أن هذا البلد سيشهد حرباً، لدرجة أنني اشتريت قطعة أرض في المحويت (شمال)، وقررتُ بناء بيت هناك” ونتيجة لما شهده اليمن جراء الحرب، تضيف الهاجري، التي تحمل بكالوريوس علوم 1987 في الفنون التشكيلية والتصوير الفوتوغرافي “أصبحت لديّ مسؤولية كبيرة لأنقل للآخرين، وبصدق وحب، صورة اليمن الحقيقية، والتي غفلت عنها وقصرت في حقها وسائل الإعلام”.
ولهذا تعتبر الهاجري “إصدار هذا الكتاب، الآن، بمثابة صرخة لإيقاف هذه الحرب، التي تهدد الجمال الفطري والنقي هناك سواء في البشر أو الحجر”.
درب اليمن
يتجلى من عنوان الكتاب ما تكنه صاحبته من محبة، وما تكوّن لديها من رد فعل تجاه ما شاهدته في اليمن، فلم يكن أمامها سوى أن تُعرِّف اليمن بعشقٍ يأسرك، فظلت رحلاتها تترى ولم توقفها عنها سوى الحرب. فكأن عنوان كتابها يروي ما وجدته ويعكس انطباعاتها إزاء ما رأته.
تقول موضي، وهي عضو الجمعية القطرية للفنون التشكيلية ونالت عدداً من الجوائز ونظمت عدداً من المعارض “عندما زرتُ اليمن في البداية كان لدي تصور مسبق حسب ما أسمع، ولكنني وجدت ورأيت غير ذلك في هذه البقعة النقية التي تبدو كمخطوطة جمالية حية نابضة بالحياة”. وتؤكد “لقد كانت تجربة ممتعة بكل ما فيها من تفاصيل”.
أما فكرة الكتاب، كما توضح، فلم تولد في أول رحلة لها، كما لم تخطط لرحلات متعددة “وإنما اليمن وشعبه هو من خطط بجماله وأصالته وعراقته لذلك” معتبرةً ما تضمنه الكتاب هو “جزء من خلاصة تجربة امتدت سبع سنوات، ولم تكن ستتوقف لولا الظروف التي يمر به اليمن وشعبه. حيث كنت أظن أن كل رحلة هي الأخيرة وسأكتفي، ولكنني كنتُ اكتشف أنني ما زلتُ في بداية الطريق”.
وتضيف “”لكن عندما بدأت الحرب، قررتُ أن اكتفي بما لدي، وألقي الضوء على أكبر جريمة في حق اليمن. اليمن لا يخص اليمنيين فحسب إنما كل العرب”.
جاء الكتاب في أكثر من أربعمئة صفحة من القَطع الكبير بطباعة فاخرة، كما لم تعتمد صاحبة الكتاب على الصور فقط بل كانت الكلمة حاضرة من خلال وصفها لما وجدته في كل محطة، فجاءت الكلمة والصورة لتروي القصة. “أحببتُ أن يعيش القارئ كل لحظة كما مررتُ بها وبأدق التفاصيل”.
تنقلت الهاجري بين معظم محافظات اليمن واشتغلت بحرفية ومهارة فنية على مشاهد الإنسان والمكان في مزج فوتوغرافي بصري بقدر ما يؤكد حرفيتها كمصورة يؤكد خصوصية رؤيتها كفنانة ومثقفة وإنسانة، إذ التقطت الكثير من الصور في الكثير من الأماكن، وكثيراً ما كانت تنجذب نحو وجوه الأطفال “كل ما في اليمن شدني، والأطفال حقيقة هُمّ أكثر ما أثّر فيّ”.
حياة الناس
وتتابع “ملامح الناس ووجوههم شدتني، ولقيت فيها البساطة والتلقائية والعفوية، فهناك لست بحاجة إلى التصنع والتكلف”.
ويتعرف القارئ والمشاهد من خلال هذا الكتاب على أبرز معالم البلاد ليس التاريخية وحسب وإنما معالم الحياة العامة، فقد اقتربت العدسة من الناس في كل محافظة زارتها، فوثقت ملامحهم وأزيائهم وأسواقهم وشوارعهم ومظاهرهم العامة “للمكان في اليمن خصوصية مميزة، والكل يسألني دائماً، حتى اليمنيين أنفسهم (لماذا اليمن؟)”.
وهو سؤال أرادت أن تجيب عليه بطريقتها، مؤكدة خصوصية جمالية لهذا البلد، وهي في تاريخ نابض بالحياة، تقول “كل بلاد العالم لديها آثار وصروح تاريخية، لكنها مهجورة وتحكي قصصا غابرة. أما مُدن ومعالم اليمن فما زالت الحياة تنبض في تلك الصروح الشاهقة والغنية بجمالها الأخاذ وطيبة وكرم وعنفوان ساكنيها. ما شاهدته، هي حياة عامرة في كل مكان تاريخي، فمثلًا صنعاء القديمة ما زالت كمتحف مفتوح يعيش فيه الناس، وفي مأرب وجدت عرش بلقيس ما زال قائمًا، وهو الذي كنا نسمع عنه في الحكايات فقط، وكذلك الحال في مدن كوكبان وحبابة وثلا، جماليات مدهشة في كل شيء”.
وأضافت:” كلي أمل وتفاؤل أن الحرب ستتوقف وسأكون من أوُل زوار اليمن”.
الحرب
وتُعرِب الهاجري عن حزنها لما تشاهده يوميًا في نشرات الأخبار عن الحرب هناك “يومياً أتابع الأخبار وأحاول من خلال الأصدقاء الاطمئنان على مصير المواقع الأثرية والمدن، وأسأل عن مصير أصدقائي الأطفال في تلك الأماكن”.
وأضافت “للأسف لم يتعرف العالم إلى اليمن وأسماء مدنها إلا في هذه الظروف السيئة، والكثير منهم بدأ يسأل عن هذه المناطق وكيف كانت وعن تاريخها؟ ومن هنا قررتُ أن أجيب عن تساؤلاتهم بمعرض صور اليمن وهذا الكتاب في الوقت نفسه وأقول لهم هذا هو اليمن”.
وتضمن الكتاب مجموعة وافرة من الصور تم اختيارها بعناية موزعة وفق تقسيم جغرافي مبتدأه بتعريف اليمن، ومن ثم خريطة الرحلات بداية من محافظة صنعاء والمدينة القديمة وسوق الملح وصولاً إلى مأرب ومحافظة شبوة وحضرموت وعدن وتعز…الخ وصولاً إلى جزيرة سقطرى في المحيط الهندي. مبدية إعجابا بما شاهدته في كل مكان نزلته، بل لقد كانت ذكية في اختيار نوعية المشاهد وأوقات التصوير حرصاً على تقديم ما لم يقدّمه غيرها ممن زار اليمن.