[ معهد واشنطن: اتفاق الرياض يحقق مكاسب سياسية في اليمن لكن تنفيذه أقل تأكيداً ]
قال معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إن اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا سيحقق مكاسب سياسية، لكن تنفيذه أقل تأكيدا.
وأضاف المعهد في تقرير أعدته الباحثة إلينا ديلوجر، وهي زميلة أبحاث في "برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة" في معهد واشنطن، أن اللغة الغامضة التي صيغت بها وثيقة الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر تنذر بصعوبات في التنفيذ.
وتابع أن العقبة الأكثر إثارة للقلق هي الافتقار التام للثقة بين الطرفين، اللذين لم يتفاوضا على الاتفاق وجهاً لوجه. وبدلاً من ذلك، كان المفاوضون السعوديون يترددون بينهما ذهاباً وإياباً منذ 20 آب/أغسطس، وقد تكون مراسم التوقيع هي المرة الأولى التي يكون فيها الطرفان في نفس الغرفة منذ اندلاع العنف هذا الصيف. وقد يحد هذا المستوى من عدم الثقة من قدرتهما على تلبية دعوة الوثيقة للتوحد في إطار سلسلة قيادة سياسية وعسكرية واحدة، حتى مع الوساطة السعودية.
انتصارات سياسية
وحسب معهد واشنطن فإن الاتفاق المكوّن من أربع صفحات يشير إلى الهدف المشترك بين الطرفين المتمثل في هزيمة المتمردين الحوثيين، ثم يحدد سلسلة من الصلاحيات العامة التي تمنح كل طرف الشرعية التي يسعى إليها. وبالنسبة لحكومة هادي، تنص الوثيقة على وضع كافة القوات العسكرية والأمنية، بما فيها تلك المتحالفة مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، تحت إمرة وزارة الدفاع، وفي ذلك مكسبٌ للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي طالب "المجلس الانتقالي" بأن يعترف صراحةً بدوره كرئيسٍ للحكومة الشرعية الوحيدة المعترف بها دولياً في اليمن.
وبالنسبة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، ينص الاتفاق على مشاركته إلى جانب الحكومة في مفاوضات السلام النهائية مع الحوثيين. وهذا حل وسط، حيث يبقى الهدف النهائي لـ"المجلس الانتقالي" هو انفصال جنوب اليمن عن شماله. ومع ذلك، فبدون الدعم الدولي للانفصال في الوقت الحالي، وبعد خسارته معركة ضد القوات المدعومة من هادي في محافظة شبوة المهمة في 26 آب/أغسطس، قرر "المجلس الانتقالي" أنه من الأفضل تأمين مقعد على طاولة المحادثات النهائية. ومن وجهة نظر [قيادة] "المجلس"، فإن ذلك يمنحهم الشرعية كممثلين لرغبات الجنوب وسيضمن عدم تهميش تلك الرغبات. وبما أن قضية الجنوب ستكون مطروحة للنقاش في المحادثات النهائية، فسيتمكن "المجلس" بدوره من الكفاح مرة أخرى لإجراء استفتاء على الانفصال.
صعوبات التنفيذ
يذكر التقرير أن الترتيبات المنصوص عليها في الوثيقة تهدف إلى وقف القتال ودمج القوى السياسية والأمنية والعسكرية لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" ضمن قيادة يمنية واحدة. ومع ذلك، تندرج هذه التدابير في إطار جداول زمنية ضيقة بشكل استثنائي كونها لا تتعدى الثلاثين أو الستين أو التسعين يوماً، وقد تمت صياغتها بلغة غامضة تعكس النقص نفسه في التعابير المحددة التي شابت اتفاق ستوكهولم المتعثر الذي وافق عليه هادي والحوثيون في كانون الأول/ديسمبر 2018.
على سبيل المثال، ينص اتفاق الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر على أن يعيّن هادي في الأيام الثلاثين القادمة حكومة تكنوقراط جديدة تضم ما يصل إلى 24 وزيراً. ويجب أن يكون نصفهم من الجنوب، لكن الاتفاق لا ينص صراحةً على وجوب توافق هؤلاء الوزراء مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، ولا يوضح من سيشغل أهم المناصب مثل رئيس الوزراء ووزير الداخلية ووزير الدفاع. ونظراً لأن أي خطأ في هذه التعيينات قد يقوّض الاتفاق بأكمله، فمن المرجح أن تكون المفاوضات بشأن هذه التفاصيل جارية حالياً أو سبق وأن تم الاتفاق عليها.
يقول معهد واشنطن إن وثيقة الاتفاق تشير إلى أن الأفراد المشاركين في القتال في عدن منذ شهر آب/أغسطس ليسوا مؤهلين للتعيينات الوزارية. وعلى الرغم من أن القصد من هذا البند كان بمثابة تدبير لبناء الثقة بين الطرفين، إلا أنه استبعد بعض الشخصيات النافذة ومن الممكن أن يخلّف وقعاً غير مقصود وهو انحراف هذه الشخصيات نحو مسارٍ مفسد في المستقبل.
ويدعو الاتفاق إلى وضع جميع الأسلحة المتوسطة والثقيلة في مستودعات عسكرية تحت إشراف التحالف في عدن في غضون خمسة عشر يوماً، لكن من غير الواضح كيف ستجمع الحكومة أو "المجلس الانتقالي الجنوبي" هذه الأسلحة، خاصة من تلك الأطراف التي تشعر بالاستبعاد.
وأردف معهد واشطن أن الاتفاق فشل أيضاً في التعامل مع القضايا الأخرى التي ستبرز حتماً عند محاولة توحيد القوى المتخاصمة. على سبيل المثال، ينص الاتفاق، على أنه سيتم اختيار "قوات حماية المنشآت"، المسؤولة عن تأمين المنشآت الرئيسية مثل "البنك المركزي" والموانئ والمصافي، إمّا من صفوف عناصرها الحالية أو من قوات هادي أو من "المجلس الانتقالي الجنوبي". وهذا النوع من اللغة غير الدقيقة، التي تغطي كامل الاتفاقية، يمهد الطريق لاتخاذ قرارات تكتيكية صعبة في المرحلة القادمة، وهي مهلة أمدها ثلاثون يوماً فقط.
ووفقا للمعهد فإن مما يضيف إلى الارتباك، هو عدم وضوح تسلسل المكوّنات المختلفة ويُعتقد على نطاق واسع أنه أحد العوامل وراء تأجيل [التوصل إلى] اتفاق، إلى جانب المخاوف بشأن التعيينات الوزارية الرئيسية. ولا يستطيع المرء إلّا أن يأمل بأن السعوديين كانوا قد بدؤوا بالفعل بالتفاوض حول مثل هذه القرارات التكتيكية من وراء الكواليس قبل هذا الأسبوع بفترة طويلة.
العبء على السعوديين
وتوقع المعهد أن يقع التطبيق بالكامل على عاتق الرياض، ولإثبات وحدة الهدف، حصل ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد على مقعد في المقدمة والوسط بجوار ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في حفل التوقيع. ومع ذلك، لم يتم ذكر دولة الإمارات في الاتفاقية، واستمرت قواتها في تخفيض عددها في اليمن، ويبدو أن قادتها تركوا للسعوديين إدارة المفاوضات بين هادي و"المجلس الانتقالي الجنوبي".
ورجح أن المناقشات بين هادي و"المجلس الانتقالي" حول التنفيذ بعيدةً. فخلال حفل التوقيع في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر، ترك الرئيس هادي ورئيس "المجلس الانتقالي" عيدروس الزبيدي مهمة التوقيع على الاتفاق لمسؤولين من أدنى رتبة، ويبدو أنهما لم يتصافحا. وبعد ذلك، التقيا مع ولي العهد السعودي بشكل منفصل، مما يشير إلى أنهما قد يواصلان الاعتماد على دبلوماسية المكوك التي تقودها السعودية في المرحلة القادمة.
وقال إنه من الصعب تصوّر أي اختلاط ودي بين قوات هادي وقوات "المجلس الانتقالي" - ناهيك عن التعاون بفعالية لمواجهة الحوثيين- إذا لم يقُم قائدهما حتى بمصافحة الآخر.
على الجانب الإيجابي، يقول معهد واشنطن إذا تم تنفيذ الاتفاق بشكل جزئي، فلديه القدرة على تهيئة ظروف أفضل لـ"مبعوث الأمم المتحدة الخاص" مارتن غريفيث، بما أن أي محادثات سلام شاملة ينجح في إقامتها ستشمل الآن أطرافاً كانت قد تعمل كعناصر مفسدة أو معرقلة. على سبيل المثال، يمكن لوفد هادي في مثل هذه المحادثات أن يضم ممثلين من "حزب الإصلاح" (على افتراض أنهم سيحتفظون ببعض المناصب الوزارية) و"المجلس الانتقالي الجنوبي"، بينما سيواصل الوفد الحوثي ضم ممثلين عن "حزب المؤتمر الشعبي العام".