[ مخطوطات ومطبوعات.. "ثروة عثمانية" بحوزة فلسطيني (تقرير) ]
على مدار سنوات طويلة من البحث والتفتيش، تمكّن الباحث الأكاديمي الفلسطيني في علوم التاريخ والآثار، محمد الزرد، من تجميع "ثروة" عثمانية، متمثّلة بمئات المخطوطات والمطبوعات والتي يعود أقدمها إلى القرن الثاني عشر.
هذه الثروة، تتنوع ما بين "المراسلات التجارية، والأوراق الرسمية التابعة للدولة، وشهادات الميلاد، وسندات الطابو، والكتب الأدبية، والرُخص، والقوانين"، كما قال الزرد (34 عاما)، لمراسلة "الأناضول".
وتابع: "هذه المستندات التي تعود لفلسطين في زمن الدولة العثمانية، توثق تاريخ حقبة مهمة في تاريخ فلسطين، فهي آخر حقبة كانت لنا سيادة وحرية في الأرض؛ قبل الاحتلالين البريطاني والإسرائيلي".
رحلة شاقة
الزرد يوضح أنه تمكّن من جمع هذه الثروة العثمانية بعد "سنوات طويلة وبحث مُضني، وتقديم مجهود عملي وعملي كبيريْن، للحصول عليها".
يصف الزرد رحلة جمع تلك المخطوطات والمطبوعات بـ"الشاقة"، لكنّه تحمّل تداعياتها إرضاء لشغفه في "التاريخ العثماني".
ويضيف: "وحده الشغف وحب التاريخ العثماني، لارتباطه الوثيق بتاريخ فلسطين، دفعني للبحث وامتلاك هذه الوثائق".
هذه الرحلة بدأت منذ أن كان الزرد بعمر الـ(8) سنوات، وامتدت حتى اليوم على مدار أكثر من 25 عاما دون كلل أو ملل.
نسخة محدودة
بين تلك الأوراق والكتب صفراء اللون، يحمل الزرد نسخة من كتيب صغير كُتب عليه بحروف عثمانية قديمة، ما معناه "قانون التعرفة التركية العثماني".
وبحسب معلومات هذا الكُتيب، فإنه أُصدر عام 1909 في عهد السلطان محمد رشاد الخامس، حيث أصدره مجلس الأعيان آنذاك (البرلمان)، وصادق عليها السلطان ووكيل وزارة المالية (سُمي بمالية ناظري وكيلي).
وقال الزرد إن هذا القانون يقدّم صورة كاملة عن "شكل التجارة والاستيراد، في زمن الدولة العثمانية والأراضي التابعة لها"، لافتا إلى أنه يذكر معظم السلع التي كانت الدولة تستوردها في ذلك الوقت.
لكن ما يلفت الانتباه، أن بعض السلع أعفاها القانون من الجمارك عند دخولها الأراضي التابعة للدولة العثمانية.
هذه السلع متعلقة بكل ما يخص الثقافة والعلوم والفن، كالكتب والمطبوعات والخرائط، كما قال الزرد، من خلال متابعته لقانون الجمارك العثماني.
وأضاف مستكملاً:" يدل على اهتمام الدولة في ذلك الوقت بالعلم والأدب والثقافة والعلم التاريخي والإنساني، لتشجيع الناس على القراءة والثقافة".
ولفت إلى أن هذه النسخة من قانون الجمارك العثماني كان يتم توزيعها بشكل محدود على جهات الاختصاص في الدولة.
وامتلك الزرد هذه النسخة، التي لم تحتفظ بكل ورقاتها بعد مرور نحو 11 عقدا على صدورها، عقب وفاة إحدى الشخصيات المتخصصة بالمجال القانوني (لم يكشف هويتها)، والتي كانت تملك هذه النسخة.
ويصف الزرد هذا الكُتيب بـ"التحفة التاريخية القيّمة"، قائلا ً إنها تفيد الباحثين في التاريخ الاقتصادي وتاريخ المحاسبات والتاريخ التجاري لفلسطين والدولة العثمانية.
الزرد يطمح لإعداد بحث عن هذا قانون الجمارك العثماني، لكن اللغة العثمانية التي كُتب فيها هذا الكُتيب، يجعل من الأمر صعبا عليه.
وقال:" كوني باحث أكاديمي في علم التاريخ، يهمني جدا أن أكتب بحثا مفصلا وموسعا عن هذه النسخة القيّمة، يشمل أنواع البضائع و التكلفات الجمركية عنها، لكن اللغة العثمانية القديمة لا أجيدها بشكل كبير أتمنى لو يكون هناك ترجمة للنسخة من أحد الباحثين العارفين بهذه اللغة".
في مديح "العثمانية"
وفي كتاب يمتلكه الزرد، أصدر عام 1908، بمناسبة تطوير الدستور العثماني، تم إلقاء عدد من الكلمات من شعراء ومسؤولين عرب، في مدح الدولة العثمانية والحداثة، كما قال.
من بين هذه الكلمات، أبيات شعر للشاعر المصري القديم حافظ إبراهيم، الذي كان حاضرا في تلك المناسبة، قال فيها "مني على دار السلام تحية، وعلى الخلفية من بني عثمان، وعلى رجال الجيش من ماش به، أو راكب أو نازح أو داني".
أما الشاعر المصري أحمد شوقي، فقد قال في مديحه، وفق ما جاء بالكتاب "أما ترى الملك في عرس وفي فرح، بدولة الرأي والشورى وأهليها، خلافة الله جر الذيل حاضرها، بما أصابت وهز العطف باديها".
وثائق ومخطوطات
تعود أقدم مخطوطة (كُتبت بخط اليد) إلى القرن الثاني عشر، وتحمل بعض آيات مُقتبسة من القرآن.
كما يحتفظ الزرد بأوراق خاصة بالبنك العثماني الرسمي الذي كان تابعا للدولة آنذاك، والمختص بإصدار الأوراق النقدية.
وتابع:" هذه الوثائق عبارة عن مراسلات بين البنك وتجار من فلسطين، من بينها أعداد كبيرة من وثائق (كشف الحساب)".
واعتقد أن ذلك يعكس حالة القلق التي عاشها تجار فلسطين في فترة الاضطرابات التي ضربت الدولة العثمانية، في نهاية عهدها، كما قال.
واستكمل مضيفاً:" هؤلاء التجار ربما أحبوا الاطمئنان بشكل دوري على أرصدتهم داخل البنك، حيث كانت المراسلات تطمئنهم أن الأرصدة بأمان، وبإمكانهم الحصول عليها وقت الطلب".