[ ستراتفور: الناشطون في الولايات المتحدة والغرب سيعملون على مقاطعة الشركات التي تتعامل تجاريا مع السعودية (الجزيرة) ]
قال مركز ستراتفور الاستخباراتي الأميركي إن المملكة العربية السعودية خسرت علاقتها الحميمة مع الكونغرس، عازيا ذلك في جانب منه إلى حادثة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية الرياض في مدينة إسطنبول التركية العام الماضي.
وأشار المركز -في مقال تحليلي بموقعه الإلكتروني- إلى أن خسارة المملكة لتلك العلاقة يعني أن ثمة تشريعا جديدا مناهضا للسعودية أو عقوبات أو قرارات قد تصدر في نهاية المطاف من الكونغرس، الذي يُعد أعلى هيئة تشريعية في الولايات المتحدة.
ورغم أن الرئيس دونالد ترامب سيجهض أي تشريع مناوئ للسعودية من الكونغرس في الوقت الراهن، فإن غضبا عارما إزاء أي انتهاك جديد لحقوق الإنسان من جانب الرياض، أو فوز مرشح من الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2020 من شأنه أن يُحدث تحولا في مدى قابلية البيت الأبيض أو قدرته على التراجع عن طريقة تعامله مع الكونغرس.
خطر العقوبات الأميركية
وفي كل الأحوال، تظل السعودية بمواجهة خطر فرض عقوبات أميركية عليها وسن تشريع معارض لها، بينما سيعمل الناشطون في الولايات المتحدة والغرب على مقاطعة الشركات التي تتعامل تجاريا مع السعودية.
ولطالما كانت العلاقات الأميركية السعودية مجرد "زواج مصلحة"، لكن اغتيال خاشقجي كشف الفجوة في القيم بين واشنطن والرياض، وفق مقال ستراتفور.
ووصف الموقع التابع لمركز دراسات إستراتيجي وأمني أميركي يحمل الاسم نفسه، الصحفي السعودي المغدور بأنه بات "رمزا" للتباين الصارخ بين نظرة كل من الولايات المتحدة والسعودية لحقوق الإنسان، والقيم السياسية واختلاف الرأي.
وقد أخفق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تهدئة الغضب العارم بالولايات المتحدة، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات في واشنطن، وخاصة داخل الكونغرس، المطالبة بإعادة النظر في التحالف مع المملكة.
البيت الأبيض الداعم الوحيد
وبحسب الموقع الاستخباراتي، فإن دعم البيت الأبيض الحالي للرياض هو أحد العوامل القليلة التي تغطي سوأة العلاقات بين البلدين، وربما تتعرض السعودية لعقوبات أشد وصفقات أسلحة أقل ومقاطعات أكثر في المستقبل إذا نجح الكونغرس في مبتغاه.
وتمكنت الولايات المتحدة والسعودية طيلة العقود الماضية من التستر على خلافاتهما من أجل مكاسب إستراتيجية مشتركة، غير أن المستجدات التي طرأت على صناعة الطاقة حدَّت من اعتماد واشنطن على النفط السعودي.
كما أن الناخبين الأميركيين أبدوا رغبة متزايدة في انسحاب بلادهم من الشرق الأوسط عموما.
ولعل هذا التغير جعل لانتهاكات حقوق الإنسان الأثر الأكبر على علاقات البلدين، وأضفى على جمال خاشقجي رمزية تتسم بالديمومة وهو ما من شأنه أن يدفع منتقدي الرياض نحو تضافر جهودهم.
ومع أن ولي العهد السعودي أنكر في مقابلة أجرتها معه إحدى القنوات الفضائية الأميركية أخيرا أن يكون هو من أصدر أمرا بقتل خاشقجي، لكنه أقر بمسؤوليته السياسية عن الجريمة.
سباحة ضد التيار
ومع ذلك، فإن مركز ستراتفور الاستخباراتي والأمني يرى أن محمد بن سلمان يسبح ضد التيار في واشنطن. فلطالما كانت حقوق الإنسان قضية ثانوية في العلاقة الأميركية السعودية قبل أن تصبح بعد مقتل خاشقجي نقطة خلاف رئيسة بينهما.
ويمضي المركز إلى القول إن عدد المرات التي صوّت فيها الكونغرس بشأن قضية خاشقجي تظهر مقدار الغضب الذي يعتمل في الهيئة التشريعية حتى أنها سنت قانونا يستهدف العلاقات مع السعودية.
ويزعم مقال ستراتفور أن الكونغرس لم يعد يثق بالسعودية، مشيرا إلى أنه من غير المحتمل أن يفقد بعض أعضاء تلك الهيئة التشريعية الأشد حماسة في انتقاد الرياض مقاعدهم في الانتخابات التي ستجرى العام المقبل.
المفاجآت الممكنة
ثم أنه لا يوجد ضمان على أن ترامب سيفوز في انتخابات الرئاسة المقبلة، أو أن انتهاكا جديدا لحقوق الإنسان من جانب السعودية لا مناص سيجعل الرئيس الأميركي يغير رأيه بخصوص علاقات البلدين الوثيقة.
وما لم يحدث تغيير جوهري في سجل السعودية بشأن حقوق الإنسان، وتحول كبير في سمعة ولي عهدها في الغرب، فإن جريمة اغتيال خاشقجي ستظل تُفرِّق بين واشنطن والرياض.
وثمة عائق واحد ربما يحول دون النيل من علاقة واشنطن بالرياض ألا وهو احتمال نشوب صراع مع إيران يضفي على مكانة السعودية أهمية باعتبارها قاعدة عسكرية وحليفا إقليميا.
وإذا ما اندلع صراع من ذلك القبيل فإنه سيجعل من قتل خاشقجي قضية هامشية لكنه لن يطمرها، فما إن ينتهي الطارئ العسكري حتى تثار من جديد الأسئلة حول مقتل الصحفي السعودي.
ويرى مركز ستراتفور -في ختام مقاله- أن مقتل خاشقجي سيظل يطارد ولي العهد السعودي في سمعته وإرثه طيلة وجوده في مركز السلطة، مما سيخلق تهديدا لحكومات الدول والشركات التي تريد التعامل معه.