في خضم مساعي السلطات الشرعية اليمنية لبسط سيطرتها على المناطق المحررة ولا سيما محافظة عدن، نجت هذه السلطات من ضربة قوية كادت تطيح بأبرز قياداتها الأمنية، مع نجاة محافظ عدن العميد عيدروس الزبيدي ومعه محافظ لحج ناصر الخبجي، إضافة إلى مدير أمن عدن العميد شلال علي شائع، وعدد من المسؤولين المحليين، من محاولة اغتيال جماعية استهدفتهم أمس الثلاثاء، فيما قُتل اثنان من مرافقيهم وأصيب 7 آخرون في انفجار استهدف الموكب الذي كان يقلهم أمام مدينة إنماء السكنية في الخط الرابط بين مدينة المنصورة ومدينة البريقة شمال غرب عدن.
الانفجار يأتي بعد يومين من بدء قيادة محافظة عدن الجديدة، إجراءات أمنية انطلقت بفرض السيطرة على ميناء عدن الرئيسي في مدينة المعلا، بعد اشتباكات مع مجموعات مسلّحة رفضت تسليم الميناء، لكن الأمر ما لبث أن حُلّ مع تمكّن قوات الأمن من بسط سيطرتها على الميناء، وهو أول تحرك للأمن منذ تحرير عدن. وظلت عدن طوال فترة تحريرها حتى اغتيال محافظها السابق اللواء جعفر محمد سعد، من دون أجهزة أمنية، بعد تحريرها من قوات الأمن التابعة للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، التي كانت تبسط قبضتها على عدن. بعدها نجحت فصائل في "المقاومة" ببسط سيطرتها على كل المرافق، وعملت على حمايتها وإدارة بعضها.
لم تتمكن الحكومة الشرعية والسلطات المحلية من فرض سلطتها في ظل عدم اكتمال تجهيز قوات أمن جديدة لنشرها في عدن، فقوات التحالف العربي كانت حينها تقوم بتدريب كتائب وقوات أمنية. واستمرت هذه الفصائل في بسط سيطرتها على المرافق، وفرض بعض شروطها، وهي كانت في أغلبها تقول إنها من "المقاومة الجنوبية". لكن استمرار هذا الأمر على حاله، سهّل لبعض الخلايا المسلحة، بما فيها جماعات متشددة، أن تتحرك في عدن وتحاول هي الأخرى بسط سيطرتها. ونفذت بعض الجماعات هجمات واغتيالات وصلت إلى حد اغتيال المحافظ السابق. بعدها بدأ فصل جديد في عدن، مع اختيار الرئاسة اليمنية أبرز القيادات الميدانية التي تحظى بشعبية في الجنوب لإدارة عدن، بل أبرز قياديين في "المقاومة"، وهما العميد عيدروس الزبيدي، قائد "المقاومة" في المحافظات الجنوبية، وشلال علي شائع، قائد "المقاومة" في الضالع، وهما كانا من أول القيادات التي نجحت في تحقيق انتصارات على المليشيات في اليمن.
اختيار الزبيدي وشلال، لقي ترحيباً كبيراً من الشارع، كما أنه وضع حداً لكل الفصائل التي تدّعي أنها تنطوي تحت "المقاومة الجنوبية" وتفرض سطوتها على الأرض، لا سيما أن قائد "المقاومة" أصبح محافظ عدن، وعلى كل الفصائل أن تنصاع لقراراته، ولا سيما أن تنصيبه جاء في وقت كانت قوات أمنية باتت جاهزة وتستعد الحكومة لنشرها في الجنوب.
ومع بدء قيادة عدن الجديدة، بقيادة الزبيدي، تنفيذ إجراءات الانتشار الأمني واستلام المرافق العامة من قِبل القوات النظامية التي تم تدريبها وأغلبها من عناصر "المقاومة"، رضخت بعض قيادات الفصائل إلى قرار التسليم لهذه القوات، لكن البعض رفض ذلك لأسباب متعددة. فبعض الفصائل كانت تطالب بتسلم الرواتب، وبعضها كان يطالب بتوظيف عناصره في تلك المرافق، فيما فصائل أخرى تُنفذ أجندة خاصة بها. كما أن جزءاً من هذه المجموعات لم تحدد موقفها وما زالت تتمسّك بمناطق لم تبدأ مرحلة تسليمها بعد، وسط تخوّف من بعض الجماعات وانتماءاتها ومن استغلال تنظيمي "داعش" و"القاعدة" لهذا الأمر.
وتكشف مصادر في قوات الأمن لـ"العربي الجديد" أن "الإجراءات الأمنية بدأت تفرز الجماعات المقاومة الحقيقية، وبدأت تضيّق الخناق على الخلايا النائمة، لا سيما تلك التي تستخدمها مليشيات الحوثيين وصالح في عدن لمحاولة نشر الفوضى وإرباك عمل الحكومة والسلطات من خلال الاغتيالات والأحداث الأمنية". ويقول أحد المصادر إن "هذه الخلايا والجماعات هي من تقوم بهذه الأعمال التخريبية، وستستمر بالقيام بها لإيقاف إجراءات الأمن الجديدة التي تسعى السلطات عبرها لنشر الأمن في كل عدن".
ويأتي اتهام خلايا صالح بالوقوف وراء هذه الأحداث، انطلاقاً من واقع أن قرارات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في ما يخص المناصب في الجنوب تنطلق من تطبيق مخرجات الحوار الوطني في المناصفة، وهي التي يرفضها الحوثيون وصالح. إضافة إلى أن هادي بدأ في إشراك "الحراك الجنوبي" في السلطات، وهو الذي يثير غضب صالح، لا سيما أن "الحراك الجنوبي" والقيادات التي تم تنصيبها في المراكز كالزبيدي وشلال والخبجي، كانت من أكثر الشخصيات التي بدأت خلخلة نظام صالح وأرست قواعد الإطاحة بنظامه. لذلك يقول البعض إن الرئيس المخلوع سيستخدم كل خلاياه ووسائله لإفشال هادي والتحالف وهذه القيادات، من خلال استغلال بعض الأوراق التي ما زالت بيده مثل "القاعدة" أو "داعش"، لكن الإجراءات التي تُتخذ في عدن تحاصر كل أوراقه، كما يقول خصومه.
يشار إلى أن عمليات استهداف شخصيات عدن بدأت باغتيال القيادي البارز في "المقاومة الجنوبية" أحمد الإدريسي الأسبوع الماضي بعد تسليمه المرافق التي كانت تحت حمايته إلى قوات الأمن.