"يطلبون من التلاميذ ترديد شعارات الصرخة الخاصة بهم (الموت لأميركا وإسرائيل) ويحفزونهم على ضرورة المشاركة في القتال ومواجهة العدوان، ويحاولون تلقينهم دروسا تعبوية بلغة طائفية ويحدثونهم حتى عن استخدام الأسلحة"، هكذا رد أحد مديري المدارس الحكومية في صنعاء عن سؤال للجزيرة نت عن اتهامات للحوثيين بأنهم يحاولون غسل أدمغة الطلاب.
يضيف مدير المدرسة في حديثه للجزيرة نت -طالبا عدم الكشف عن هويته خوفا من التعرض لأذى الحوثيين- "هذه الممارسات تثير مخاوف أولياء الأمور من أن يتم غسل عقول أطفالهم وتلقينهم أفكارا غير سليمة، وقد بدأ البعض منهم بمنع أطفاله من استكمال الدراسة".
وزاد المخاوف تعيين الحوثيين خلال الأيام الماضية مشرفا اجتماعيا لكل مدرسة واقعة في نطاق سيطرتهم، إضافة إلى إصدار قرار يقضي بتنفيذ دروس وحصص أسبوعية للطلاب لتلقينهم أفكارا خاصة بالجماعة، تحت مبرر ما أطلقوا عليه "مواجهة الغزو الفكري والثقافي".
ووفقا لإفادة معلمين يمنيين تحدثت معهم الجزيرة نت عبر الهاتف، فإن المحاضرات والحصص التي أصبح الحوثيون يلقونها على الطلاب، تأتي استكمالا لتحريفهم المناهج التعليمية ومساعيهم لاستقطاب الآلاف منهم إلى معسكرات التدريب، تمهيدا للزج بهم في جبهات القتال إجباريا.
مخاوف
مصطفى كامل أحد أولياء الأمور، نقل طفله (في الصف الرابع ابتدائي) من مدرسة حكومية إلى مدرسة خاصة رغم التكلفة الباهظة، نتيجة مخاوفه من أن تتسلل تلك الأفكار إلى عقل ولده وتؤثر عليه بحسب حديثه للجزيرة نت.
وبحسب مصطفى، فإنه اتخذ ذلك القرار بعد أن لاحظ التغيير الحاصل في المنهاج الدراسي وما قام به الحوثيون من إضافة دروس طائفية ضمن مقررات بعض المواد، وتحريف واضح في مناهج التربية الإسلامية والسيرة النبوية وحتى اللغة العربية وبقية مقررات الفصول الدراسية.
وفي السياق، برر مسؤول حوثي في وزارة التعليم الخاضعة لهم بصنعاء، اتخاذ هذه القرارات في المدارس والتعديل في المناهج بحرصهم على أن يكتسب الطلاب ثقافات خاصة من خلال الأنشطة، وكذلك مراقبة سلوكهم.
وأضاف أنهم يحرصون أيضا على التزام الطلاب بالقيم الدينية وإكسابهم مهارات جديدة وخبرات تتوافق مع واقعهم الذي يعيشونه اليوم، في ظل ما ينشره إعلام العدوان في السعودية والإمارات وإسرائيل وأميركا من سموم وكراهية للشعب اليمني، على حد وصفه.
في المقابل، قال مسؤول يمني في وزارة التربية والتعليم التابعة للحكومة الشرعية إن ممارسات جماعة الحوثي لم تتوقف عند تغيير المناهج وفرض المحاضرات الخاصة بها والتحريض عل القتال، بل تجاوزت ذلك وأصبحت تهدد المجتمع بشكل عام من خلال الأنشطة الثقافية التي تقيمها وتجبر إدارات المدارس والجامعات على الالتزام بها.
ويضيف المسؤول التربوي للجزيرة نت أن الأمر يزداد خطورة كل يوم، فالحوثيون يصدرون تعليماتهم المباشرة دون خجل بضرورة تدريس كراسات وكتب مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، متطلبا دينيا في الكثير من الكليات، ويغلقون أقساما رئيسية في بعض الجامعات ويفتتحون أقساما أخرى لتدريس اللغة الفارسية والتاريخ الثوري الإيراني.
أسباب وتبعات
ولمعرفة الأسباب التي جعلت الحوثيين يقدمون على هذا الممارسات، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء الدكتور عبد الباقي شمسان إن هذا في الواقع يعتبر نتاجا طبيعيا لإطالة أمد الحرب في اليمن، والتي تسببت بها السعودية والإمارات وما تقومان به من ممارسات.
ويضيف شمسان للجزيرة نت أنه نتيجة لهذا التأخر في استعادة الدولة اليمنية، وجد الحوثيون الفرصة سانحة أمامهم لدعم شخصيات موالية لهم وتوزيعها في جميع مناطق سيطرتهم ومن بينها المؤسسات التعليمية والأكاديمية التي سيطروا عليها، وكانت جامعة صنعاء أول مؤسسة دخلوها بعد سيطرتهم على صنعاء إضافة إلى تحكمهم حتى في خطب المساجد.
وذكر شمسان أن الحوثيون يحاربون جميع النخب الأكاديمية التي تحمل أفكارا متنورة، بعد أن ذهبوا لتغيير المناهج وفرض برامجهم الخاصة في المدارس الحكومية، وهم يهدفون من خلال هذا العبث والتحريف -وفقا لشمسان- إلى إعادة صياغة الذاكرة الوطنية لأجيال بأكملها.
تشويه رموز
ويلفت شمسان إلى أن الحوثيين يشوهون الرموز الوطنية والذاكرة اليمنية، خصوصا أن العملية الثقافية للجماعة العقائدية التابعة للحوثيين كانت قد انطلقت قبل أكثر من ثلاثة عقود في اليمن، وهاهم يسعون الآن لتعميم تلك الثقافة.
ويؤكد شمسان أن تجاوزات الحوثيين وصلت إلى تغيير أئمة المساجد وقيادات المجتمع ومسؤولي المؤسسة الأكاديمية الجامعية وكوادرها، حيث أصبح هناك دروس لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي تحت إشراف النائب الأكاديمي لجامعة صنعاء.
وفي إجابة لأستاذ علم الاجتماع بخصوص ملامح المستقبل الذي ينتظره اليمنيون إزاء كل هذا، قال شمسان "بالفعل نحن أمام قنبلة حقيقية تنتظر اليمنيين وقد ينتج عنها انفجارات عقائدية متراكمة".
وأضاف "في المستقبل سيكون هناك من يدافع عن الثقافات التي يجري غرسها الآن وتلقينها للطلاب، ولن يكون بالسهولة إصلاح هذا الخلل الذي يحدث في التنشئة خصوصا في المدارس، وبناء على ذلك يجب الإسراع بالحسم العسكري في اليمن وإنقاذ ما يمكن إنقاذه".