[ تقوض سياسات الإمارات سلطة الحكومة بعدن(صالح العبيدي/ فرانس برس) ]
تدخل مواجهة الشرعية اليمنية للممارسات الإماراتية في اليمن، القائمة على دعم الانفصاليين ومحاولة تقويض نفوذ الدولة من خلال دعم الكيانات الانفصالية والمليشيات، تحديداً في جنوب اليمن ومدينة عدن العاصمة المؤقتة للشرعية، مرحلةً جديدةً تحاول من خلالها الإمارات منع بلورة أي حراك مناوئ لها.
وبعد اكتمال الاستعدادات منذ أمس الأربعاء لعقد المؤتمر الأول لـ"الائتلاف الوطني الجنوبي"، والذي يعوّل عليه لأن يكون كياناً موازياً لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي المدعوم من الإمارات، أدت تدخلات الأخيرة لدى النظام المصري إلى منع انعقاد المؤتمر في القاهرة، بعدما مهد لذلك رجل الإمارات الأول في جنوب اليمن، نائب رئيس "المجلس الانتقالي"، هاني بن بريك، عندما شن هجوماً على المؤتمر ولوّح باستخدام الأمن المصري لمنع انعقاده.
وقالت مصادر رسمية مصرية إن مسؤولين في جهاز المخابرات العامة، أبلغوا عدداً من الشخصيات اليمنية المتواجدة في القاهرة في الوقت الراهن، بصعوبة انعقاد المؤتمر، الخميس، بأحد فنادق العاصمة المصرية تحت إشراف من الجهاز.
ونقلت "العربي الجديد"عن المصادر، أن المسؤولين المصريين أبلغوا منظمي المؤتمر، أن عقده قد يتسبب للقاهرة بحرج إقليمي، نافية في الوقت ذاته توجيه الأمن المصري أي تهديدات للمسؤولين عن عقد المؤتمر لمغادرة الأراضي المصرية.
وكشفت في الوقت نفسه أن فكرة عقد المؤتمر في القاهرة منذ البداية جاءت بعد تدخل أطراف على علاقة قوية بالمملكة العربية السعودية التي تقود العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
من جهتها، قالت مصادر من "الائتلاف الوطني الجنوبي"، إن السلطات المصرية رفضت عقد لقاء الائتلاف.
وأوضح أحد المصادر، الذي رفض ذكر اسمه، أن الرفض جاء بحجة وجود شخصيات، ضمن المشاركين في الاجتماع الذي يسعى لدعم "شرعية" هادي، قد يسبب وجودها حرجاً للسلطات المصرية.
ورجح المصدر "تدخل السلطات الإماراتية لدى نظيرتها في مصر لمنع عقد الاجتماع".
بدوره، أكد مصدر أمني مصري، عدم عقد المؤتمر في القاهرة الخميس ، مضيفاً أن بعض الشخصيات التي كان من المقرر مشاركتها ستغادر مصر.
وكان التوجّه لعقد المؤتمر في عدن، إلا أنه تقرر عقده في القاهرة، بسبب تحفّظ بعض الشخصيات الموجودة خارج اليمن عن العودة.
وكانت مصادر سياسية يمنية أفادت، بأن المؤتمر الأول لـ"الائتلاف الوطني الجنوبي"، كان من المقرر أن ينطلق اليوم، بعد أن تم تأجيله يوماً واحداً، في انتظار وصول عشرات الشخصيات، التي تتوافد من داخل البلاد ومن عواصم مختلفة، إلى القاهرة، بعد أن شهدت الأيام الماضية، اتصالات مكثفة مع مختلف الشخصيات والمكوّنات المعنية.
وكان التوجّه في بادئ الأمر لعقد المؤتمر في عدن، إلا أنه تقرر عقده في القاهرة، بسبب تحفّظ بعض الشخصيات الموجودة خارج البلاد عن العودة، فضلاً عن المخاوف من أي تصعيد يترافق مع انعقاد المؤتمر.
وكان "الائتلاف الوطني الجنوبي"، أعلن للمرة الأولى أواخر إبريل/نيسان 2018، عبر بيان إشهار، ضم أسماء 63 شخصية يمنية جنوبية، وممثلين عن مكونات: "الحراك الجنوبي السلمي، المقاومة الجنوبية، أحزاب المؤتمر الشعبي العام (جناح الرئيس عبدربه منصور هادي)، التجمّع اليمني للإصلاح، التنظيم الوحدوي الناصري، حركة النهضة للتغيير السلمي (سلفيون)، حزب العدالة والبناء، واتحاد الرشاد السلفي"، إضافة إلى مكونات أخرى.
ومن أبرز الشخصيات التي كان يفترض أن تتصدّر قائمة المشاركين، الوزير السابق أحمد مساعد حسين العولقي، وهو من أبرز شخصيات محافظة شبوة، والتي برزت العام الماضي بفعاليات معارضة للسياسات الإماراتية. بالإضافة إلى محافظ أبين الأسبق، والذي كان يرأس فريق المشاركين في مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد في صنعاء (2013-2014)، القيادي محمد علي أحمد، والذي سبق له أن وجّه انتقادات لاذعة لـ"المجلس الانتقالي". كما يضم الائتلاف القيادي ناصر النوبة (مسؤول عسكري حالياً وهو من مؤسسي الحراك الجنوبي)، والقيادي في الحراك علي هيثم الغريب، وعدداً غير قليل من المسؤولين، بمن فيهم وزراء في الحكومة الشرعية.
ووفقاً لمصادر قريبة من الحكومة، فإن رجل الأعمال المعروف أحمد العيسي، والذي يشغل منصب نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية، من أبرز الشخصيات التي تقف وراء الدعم والتحضير للمؤتمر، وهو من الشخصيات المهمة التي يعتمد عليها هادي، ويتعرض لحملات إعلامية من حين إلى آخر، من قبل حلفاء الإمارات.
وكان يفترض أن تشارك في المؤتمر أيضاً شخصيات مما يُعرف بـ"المقاومة الجنوبية"، وقياديون سلفيون ميدانيون، الذين سبق أن تضرروا من ممارسات القوات المدعومة إماراتياً، بمن فيهم معتقلون سابقون، وخطباء وأئمة مساجد فروا من عدن، خوفاً من الاغتيالات المنظّمة التي تعرّض لها دعاة في عدن في الأعوام الأخيرة. وقبل أسبوع من المؤتمر، دعمت الرئاسة اليمنية انعقاد الملتقى الأول لأئمة وخطباء المساجد في عدن، بحضور وزير الداخلية أحمد الميسري، والذي أشار إلى أن استهداف الخطباء والدعاة في عدن كان "عملاً ممنهجاً ومنظماً وهناك من يدعمه".
وكان الائتلاف، أعلن في بيانه التأسيسي العام الماضي أهدافه بوضوح، على نحو يتطابق مع الموقف الحكومي، وتتمثّل في "دعم الشرعية بقيادة الرئيس هادي وتأييد التحالف العربي الداعم لها"، وكذلك "الالتزام بالمرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، والقرارات الدولية ذات الصلة)"، والعمل "من أجل تحقيق مشروع الدولة الاتحادية وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل"، والتمسك بما يخص الجنوب وفقاً لمخرجات الحوار، والقرارات الدولية ذات الصلة. وقال الائتلاف إنه "جزء من العمل السياسي الوطني السلمي، وخطوة نحو تحقيق الشراكة السياسية والمجتمعية وإرساء دعائم الديمقراطية والمصالحة الوطنية".
وعلى الرغم من التحفّظات التي تُثار حول خطوة كهذه، تجعل من الشرعية في موقع رد الفعل الذي يسعى لتأسيس تكتل على أساس شطري ومن التقييم الذي ينظر إليه كمكوّن "سلطة"، إلا أن الخطوة وفي حال تحوّل الائتلاف إلى الفعل الميداني، ستكون لها تداعيات مهمة، نتيجة للظروف الراهنة التي تعيشها المحافظات الجنوبية. وينظر البعض إلى المكوّن الداعم للشرعية، على أنه لا يخلو من رسائل سعودية إلى الإمارات، باعتبار الرياض محوراً لتحرك القيادات الداعمة للمكوّن الجديد بمواجهة "المجلس الانتقالي" المحسوب على الإمارات، وتشارك فيه شخصيات عارضت ممارسات أبوظبي علناً في أكثر من مناسبة.
وبصرف النظر عن الموقف السعودي الذي يلتزم سياسة الصمت أو دور الوسيط في أزمة الشرعية اليمنية مع الإمارات علناً على الأقل، فإن العامل الأهم، في الائتلاف، هو ما يمكن وصفه بـ"المصائب تجمع المصابين"، إذ إن هناك عدداً كبيراً من المكونات السياسية والشخصيات الاجتماعية المحلية الجنوبية المتضررة من سياسات الإمارات وحلفائها، وبالتالي فإن المحاولات التي جرت لعقد مؤتمر "الائتلاف الوطني الجنوبي"، تأتي في توقيتٍ يستطيع أن يجذب إليه طيفاً واسعاً من الجنوبيين من شرائح اجتماعية وسياسية متعددة، يجمعها التضرر من ممارسات أبوظبي والسياسات التي اتبعتها خلال الأعوام الماضية.
" من زاوية أخرى، تزامن الحراك لعقد المؤتمر الأول للجنوبيين المؤيدين للشرعية مع احتفاء "المجلس الانتقالي الجنوبي" المدعوم إماراتياً، بزيارة وفد من قياداته برئاسة عيدروس الزبيدي، إلى العاصمة البريطانية لندن، واللقاءات التي عقدتها هذه القيادات، وهو تطور حاول مناصرو المجلس تصويره كما لو أنه "انتصار دبلوماسي" غير مسبوق للمجلس المطالب بالانفصال، خصوصاً مع التأثير المحوري لبريطانيا في الملف اليمني دولياً وحضورها في الذهن "الجنوبي" على نحو خاص.
ومن غير المستبعد أن يلجأ "المجلس الانتقالي" إلى خطوات تصعيدية رداً على تحركات "الائتلاف"، إلا أن قراره يظل مرتبطاً بما تمليه عليه أبوظبي ومدى ملاءمة الظروف لدخولها معركة جديدة مع الشرعية. وكان نائب رئيس "المجلس الانتقالي"، هاني بن بريك، بادر إلى الهجوم على "الائتلاف الوطني الجنوبي"، إذ قال في تغريدة عبر "تويتر" إن "أجهزة الأمن المصرية لن تكون بعيدة أبداً عن تحركات شخصيات إخونجية بارزة في الشرعية اليمنية الإخونجية من وزراء ومن مكتب الرئاسة والتي تخطط لعقد مؤتمرات جنوبية .... لتفريخ مكونات جنوبية تديرها جماعة الإخونج الإرهابية، ونحن على تعاون تام مع الأمن المصري لفضحهم".