ينتقل بين طيات الآلام اليومية وصراخ الأحياء الباحثين عن الموتى، إلى عالم آخر يرتطم الصمت فيه بجدار اجتازه رصاص القناصين في اشتباك سابق. ويستعين الرسام اليمني مراد سُبيع بألوان الأكريليك والبخاخات للرسم على الجدار الشبه صامد في إحدى مناطق اليمن.
ويلتصق جلد الشخصية التي يرسمها بعظامها لتبدو هزيلة لا قوة لها، بينما يبدو شعر الشخصية الأشعث متطايراً بلا مبالاة، ويحتل السواد أبيض العيون، ولكن كل تلك التفاصيل لم تخرج من عدم الفنان، بل من التجارب التي عاشها خلال الحرب في اليمن.
وأراد الفنان اليمني "نقل وتأريخ الفترة الصعبة جداً" في تاريخ "بلد يحدد مستقبله" على حد تعبيره، إذ اختار سبيع في عمله الفني "وجوه الحرب" أن يرسم شخصيات هزيلة، في إشارة إلى حالات "الجوع والحرب والمرض" التي يعيشها أهل اليمن، وشبّه شعر شخصياته بـ "الغابات المحترقة"، وقرر استبدال الأعين "بثقب أسود" ليجسد "تأثير الحرب التي أخرجت العيون من محجرها".
ولا تتربص ويلات الحرب وأشباحها بفن سُبيع دائماً إذ تخترق الألوان المبهجة أعماله الفنية بين الحين والآخر، حيث هدف أول مشروع له حمل عنوان "لوّن جدار شارعك" والذي بدأه في عام 2012 إلى "محو الصراع" الذي حصل في موقع اللوحة وإخفاء آثار الدمار على الجدران.
وبدأ الفنان اليمني بالرسم وحيداً في بداية الحملة، إلا إنه وبعد أسبوع من العمل تقريباً، بدأ أهل المنطقة بالانضمام إليه والانغماس في عالم الألوان أيضاً، واعتبر سُبيع الحملة الفنية "كرنفالاً لونياً فريداً من نوعه بسبب تواجد الناس".
ويرى الفنان اليمني أن الفن هو "وسيلة للتواصل مع الآخرين"، بينما اختار ممارسة فن الشارع كونه "بعيد عن الأماكن المغلقة ويستطيع الفنان من خلاله الوصول إلى كل الناس".
أما فيما يتعلق بحيثيات الرسم على الجدران في اليمن، فقال سُبيع لموقع CNN بالعربية إنه من الضروري زيارة الحائط قبل البدء بالرسم وذلك بهدف "التشبع بالقصة وتكوين علاقة مع الجدار".
وغالباً ما تتلقى الأعمال الفنية نقداً في الحالة الطبيعية، إلا أن جداريات سُبيع عانت من عمليات "الطمس" على حد تعبيره، كما منع في بعض الأحيان من إكمال الرسم، وتعرضت مجموعة الفنانين المشاركين معه في أحيان أخرى للاعتقال.
ولكنه رغم كل المصاعب استمر برش الألوان على الحائط دون استسلام، ليقينه بأن "الفن أهم في وقت الحرب" كونه الزمن الذي "تختفي فيه الآمال والأحلام والحياة" في حين يحاول الفن أن يكون موجوداً رغم الصعاب مما يجعله أسلوباً تعبيرياً "عميقاً ومهماً"، على حد تعبيره.
ينظم سُبيع النسخة الخامسة من مشروع "اليوم المفتوح للفن" والذي سيقام في 15 من مارس 2019، بهدف "المحافظة على التواصل المستمر بين الناس"، إذ يقوم الأشخاص في مدن مختلفة من اليمن والبلدان الأخرى المشاركة بالمهرجان بالرسم في نفس الوقت واليوم بهدف بناء "جسر في الوقت الذي تفرق فيه الحدود والحرب بين الناس".