[ الطفل عزام الذي أدمن المخدرات في معسكرات الحوثيين ]
"أشبال المسيرة" و"خطر دخول أمريكا إلى اليمن"، وملزمة حسين بدر الدين الحوثي "القرآن الناطق"، وغيرها من الكتب التي حفظها الطفل عزام عن ظهر قلب خلال ثلاثة أشهر قضاها مع رفاقه الأطفال الـ8 في معسكر تدريبي بمديرية بني حشيش بمحافظة عمران شمال العاصمة صنعاء.
تلك الكتب هي عبارة عن محاضرات منسوبة لمؤسسة جماعة الحوثي حسين بدر الدين الحوثي، والتي تعتبرها الجماعة جزءا من منهجها، وتقوم بفرضها على منتسبيها.
عزام ذو 13 عاما كان أحد أولئك الأطفال الذين وقعوا في براثن جماعة الحوثي التي كثفت حملاتها في أوساط الأطفال بالترغيب والترهيب، وجندتهم في معاركها، وهو ما تطرق له تحقيق موسع لوكالة أسوشيتدبرس مؤخرا بشكل واسع.
يروي عزام تفاصيل من مسيرة حياته الصغيرة مع جماعة الحوثي التي جندته في صفوفها، ويرسم بذلك صورة سوداء بات العشرات من الأطفال يعيشونها، ويلاحقهم كابوسها، ناهيك عن العشرات منهم الذين عادوا جثثا إلى ذويهم، وماتت معهم فصول الحياة التي قضوها مع الحوثيين بكل أسرارها.
يقول عزام بلكنته البدوية إنه وثمانية أطفال آخرين ظلوا برفقة قائدهم الملقب "أبو مساعد" والذي يعمل مشرفا حوثيا في منطقة حريب نهم التابعة لمحافظة صنعاء وينحدر منها عزام: "لقد بقينا في المعسكر ثلاثة أشهر قبل ما نسير إلى الجبهة, كنا في المعسكر ما نخرج من الغرف إلا وقت الطعام، ووقت الصلاة ووقت تسميع الكتب والملازم التي كانت تفرض علينا".
يقول عزام الذي أصبح يلقب بـ"أبو تراب" إن المشرف أبو مساعد أخذه من منزله، ويضيف بلسانه "يشتوني أروح معهم بالغصب، واتهموا أبي بأنه من طابور خامس، وداعشي، وحبسوه في الدكان يومين، وفكوه بعد ما وافق أبي أني أروح معهم".
رسومات لعزام في مركز تأهيل الأطفال بمأرب
ويحكي عزام درهم عز الدين وهو الـ11 في ترتيب إخوته، والذكر الوحيد لعشر شقيقات، قائلا إن المشرفين الحوثيين" كانوا بعد كل صلاة فجر يدربونا على السلاح في معسكر في بني حشيش، وكنت مع اصحابي: علي، ونصرالله، ثم هربوا وبقيت أنا وثلاثة آخرين كلهم من بني حشيش، وكان المشرفون يضعون كل واحد منا بغرفة واحدة عند النوم, وكنت أحيانا أسمعهم يصيحوا (يصرخوا) في الليل مدري ليش".
تعذيب وسجن
يقول عزام إنه بعد نقله ورفاقه إلى جبهة القتال في حريب نهم تعرض للتعذيب والحبس في الحمام لمدة ثلاثة أيام من قبل أبو مساعد المشرف الحوثي، ويوضح عزام ذلك بقوله: "كنت ظمآنا في الليل، وذهبت لفتح الترمس (إناء الماء) ورأيت داخله حبوب بيض، وذكرتُ ذلك لأصحابي في الجبهة، وبعضهم هربوا وفزعوا، والمشرف أبو مساعد دخل للدشمة (غرفة يستريح فيها الجنود) وعرف أني أخبرتهم، ثم حبسني في الحمام، وكان يعاقبني ويحط المسند فوق راسي ويدكي على راسي والمسند".
عمل عزام بتوجيه المشرف الحوثي في الإمداد لنقل الذخائر والطعام والماء إلى "المجاهدين" في المواقع العسكرية المتقدمة.
الإدمان
قال الطفل عزام مغمضا عينيه ببطء إن المشرفين الحوثيين في الجبهة "كانوا يعطوني حبوب بيض صغار، وكنت أنا أضبح واشتي أروح بيتنا أعطوني حبوب صفر صغار، وبعدين اتعودت وكنت لما أضبح أشرب حبة وارتاح ونسيت أهلي، وكنت أفكر فقط بالحبوب ولما يقطعوا عليَّ الحبوب كنت أضبح وأسير للنقطة حق الجبهة ويعطوني حبة واشربها وارتاح وكنت أجلس لوحدي، ولو أجلس مع أحد كنت أضيق كثير ".
في مركز تأهيل الأطفال
تلقى عزام دورة إعادة تأهيل الأطفال المجندين في محافظة مأرب لمدة شهر لإعادة تأهيله نفسيا واجتماعيا.
يقول الدكتور مهيوب المخلافي الإخصائي النفسي في مركز تأهيل الأطفال إن عزام حين وصل المركز كان يعاني من حالة نفسية حرجة، وكذا يعاني من فقر دم وتوتر كبير، مع شرود ذهني وعزلة نفسية، وكذلك عدوانية تجاه الآخرين.
وقال المخلافي إن عزام خضع لجلسات تفريغ نفسي حتى عاد الطفال إلى حالته الطبيعية السوية، ولكن بعد جهود كبيرة بذلها الإخصائيون في المركز التأهيلي.
وأوضح أن عزام كان مدمن حبوب وصفها بغير المعروفة لديه، وربما تكون صنعت خصيصا للمقاتلين في صفوف الحوثي حد وصفه، مؤكدا أنه كان مدمنا بشكل كبير.
وقال مهيوب إنه عالج إدمان عزام بالسماح له بشرب نصف حبة دخان كل يوم رغم أن الدخان محظور داخل المركز، وهذا كان مفيد لعزام في بداية الدورة حتى يتمكن الطفل من الإقلاع ونسيان إدمانه على الحبوب، حد وصفه.
سر الإدمان
وقد حكى عزام في أذني سرا، لكني سأتناوله معكم لأهميته، فقد قال إنه عندما هرب من جبهة القتال إلى منزله في نهم، والقريب من الجبهة التي كان يعمل فيها، وقال وهو يخفض صوته: "لما وصلت مأرب ذهبت إلى إحدى الصيدليات لغرض شراء حبوب مثل التي كنت أتناولها في الجبهة، ولم ألقى، وهربت من مركز التأهيل مرتين عبر النافذة الخلفية قبل أن يتم قبولي في المجمع للبحث عن تلك الحبوب، ولم أجدها، وبعد عملية بحث يائسة استدعاني أحد البائعين في الصيدليات، وأعطاني ستة حبوب منها بستة آلاف ريال"، ويضيف بالقول: "مع وجودي في المركز أقلعت بشكل تام عن استخدامها".
جندي بصفوف الجيش الوطني
قال عزام إنه منقطع عن الدراسة منذ بداية الحرب، وإنه لن يستطيع مواصلتها من الصف الثالث الابتدائي الذي توقف عنده قبل 4 أعوام، والآن أصبح جنديا في صفوف الجيش الوطني، وهو ما أكده ابن عمه أحمد الذي سجل عزام جنديا في كشوفات الجيش الوطني لاستلام راتب لإعالة أسرته حد قول أحمد الذي يسكن عزام معه في مخيم الخانق للنازحين من محافظة صنعاء غرب مأرب.
وكان قيادي في جماعة الحوثي اعترف بتجند 18 ألف طفل للقتال في صفوفهم منذ العام 2014م أقنعتهم الجماعة بالقتال في صفوفها بعد أخذهم من مزارعهم ومدارسهم وقراهم، حسب وكالة الأسوشيتد برس.