[ طفل من عائلة نازحة في مصب للنفايات بمدينة الحديدة الساحلية -رويترز ]
أيوب محمد، رجل أربعيني، واحد من بين مئات الآلاف من النازحين اليمنيين الذين تسببت الحرب الدائرة منذ أربع أعوام بين القوات الحكومية والحوثيين، في تشريدهم من منازلهم، وتكبدهم معاناة الهرب من الموت إلى البحث عن لقمة العيش.
"نفايات قوم عند قوم فوائد"، لسان حال أيوب وعائلته "زوجة وثلاثة أطفال"، إضافة إلى المئات من النازحين الذين يقتاتون على مخلفات نفايات المنازل والمتاجر، في منطقة نائية بالعاصمة اليمنية صنعاء، بعد أن فقدوا منازلهم ومصدر رزقهم في مناطقهم التي فروا منها.
"دمرتنا الحرب، وأكسبت آخرين أموالا وسعادة على حسابنا"، يتحدث أيوب وهو يصف كيف حولت الحرب حياته إلى جحيم، بعدما ترك منزله وأصبح مشردا في خيمة نصفها ممزق لا تحميه من المطر والبرد، وليس لها نوافذ أو باب.
تقول الأمم المتحدة في تقارير لها إن أعداد النازحين بسبب الصراع في اليمن ارتفع إلى أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مليون، من بينهم ما يقارب ثلاثة ملايين نزحوا داخليا، ويعيشون أوضاعا إنسانية واقتصادية صعبة.
يقيم أيوب والعشرات من العائلات قرب "مقلب نفايات"، شمال صنعاء في منطقة "الجراف"، ويعتمدون بنسبة 95% من مأكولاتهم واستخداماتهم اليومية على ما يحصلون عليه من "نفايات". يقول بألم للجزيرة نت "نحن مضطرون لاستخدامها حتى لا نموت جوعا".
لا وجود لمنظمات
تقية محمد، نازحة من تعز، تلجأ بدورها إلى أكياس البلاستيك حتى توقد بها النار لإعداد الطعام، في حين يتكفل اثنان من أطفالها بتأمين لقمة العيش وإحضار بقايا الطعام والعثور على "الزيت والدقيق والعدس" من بين النفايات، لأجل طبخه وتناوله رفقة أسرتها.
في حديثها للجزيرة نت، تقول إن المنظمات الموجودة في صنعاء المحلية والدولية تتجاهل معاناتهم، في حين يجدون مساعدات محدودة من مبادرات شبابية تزورهم بين حين وآخر، وتقدم احتياجات لا تكفي لأيام.
وتشكو الكثير من المنظمات المحلية من تضييق الخناق عليها من قبل جماعة الحوثيين التي تسيطر على صنعاء، حيث تشير الناشطة سماح الخدري إلى عدم السماح للمنظمات بزيارة أماكن النازحين إلا بتصريح من سلطة الأمر الواقع بصنعاء، ومعرفة الجهة الممولة.
"في آخر مرة كنا نعمل بمخيم للنازحين في صنعاء، كاد الحوثيين يعتقلون اثنين من أعضاء المنظمة". تقول الخدري للجزيرة نت، وهي تشرح معاناة العمل في ظل الظروف التي يعيشها اليمن.
مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وجه رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، قرارا بعدم منح تصاريح لأي منظمات أو مكونات اجتماعية، وإيقاف تجديد تصريح العمل لمنظمات مسجلة، الأمر الذي يقلص عمل المنظمات العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين.
وحصلت الجزيرة نت على إحصائية تقول إن العاصمة صنعاء استقبلت على الأقل 490 ألف نازح من محافظات عدة منذ اندلاع الحرب في مارس/آذار 2015، وهي إحصائية لمن رصدتهم المنظمات الدولية العاملة في اليمن، في حين يوجد عشرات الآلاف لم تتمكن تلك المنظمات من الوصول إليهم.
يقول مسؤول الإعلام والاتصالات في مكتب منظمة الهجرة باليمن سبأ المعلمي إنهم لا يملكون أي معلومات بذلك المخيم الذي يقع شمال صنعاء، مشيرا بحديثه للجزيرة نت إلى أنهم لا يستطيعون الوصول إلى كل النازحين في كل مناطق البلاد.
مضايقات ودعس
خلال إقامة النازحين بجوار ذلك المقلب المحمي بحراسة مسلحين، توفي أطفال بسبب دعسهم من سيارة "نقل النفايات". عن ذلك يقول ناجي خالد "أجبرونا على توقيع ورقة نخلي فيها مسؤولية ملاك مقلب النفايات عن أي حادثة دعس للأطفال".
عند الاقتراب من بوابة "مقلب النفايات"، رفض الحراس السماح بالدخول والتقاط صور للنازحين الذين يذهبون يوميا للبحث عما يأكلونه، وطلبوا مغادرة المكان فورا، كما رفضوا التعليق حول حادثة وفاة الأطفال دعسا بالعربات.
تقول أم أحمد إن طفلها يذهب إلى مقلب النفايات ويبقى يوما أو يومين ليجمع ما تبقى من الأكل والبقوليات، إضافة إلى علب بلاستيك فارغة، يجمعها ويبيعها مقابل ثمن بخس.
تساعد أم أحمد زوجها وابنها أيضا، فهي تمشي يوميا على أقدامها نحو كيلومترين من أجل جلب الماء، وتنتظر من ساعتين إلى ثلاث ساعات من أجل تعبئة قنينات بحوزتها، وأحيانا تتعرض للمضايقة.
وقد تواصلت الجزيرة نت بالوحدة التنفيذية للنازحين في مكتب صنعاء، ودعا مصدر فيه -طلب عدم الكشف عن اسمه- النازحين في ذلك المخيم إلى التوجه إلى مكتبهم وتسجيل أسمائهم.
ويضيف "لا يمكننا معرفة كل مكان للنازحين، إن كان في ذلك المكان نازحون عليهم المجيء إلى مكتبنا، وسنقوم بدورنا بإرسال لجنة للتحقق في ذلك وتقديم المساعدات لهم".
ويواجه النازحون في اليمن حالة حادة من انعدام الأمن ولديهم احتياجات أساسية، ويعيشون حاليا حياة عابرة وغير مستقرة تحفها المخاطر، ويكافح هؤلاء من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية.