[ أرشيفية ]
بدأت الحرب الأهلية في اليمن في سبتمبر/أيلول 2014، عندما سيطرت جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء بما يشبه عملية انقلاب، ثم حاولت فرض سيطرتها على كامل التراب اليمني لتزحف إلى ميناء عدن، كبرى المدن اليمنية والعاصمة السابقة لليمن الجنوبي قبل فرض الوحدة القسرية من حكومة اليمن الشمالي بقيادة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح في تسعينيات القرن الماضي.
استدعت محاولة جماعة الحوثي بالتحالف مع المؤتمر الشعبي العام الذي كان يقوده علي عبد الله صالح تدخلا عسكريا مما يعرف باسم التحالف العربي لدعم الشرعية، والذي تشكل في مارس/آذار 2015 من أكثر من عشر دول بقيادة المملكة العربية السعودية، استجابة لدعوة من حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الحكومة الشرعية المعترف بها من المجتمع الدولي.
قطع التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن وعودا بإنجاز نصر سريع، إلا أن القتال سرعان ما اتسعت جغرافيته، وتعقدت بشكل أكبر المساعي لتحقيق تسوية أممية عبر مفاوضات بين الأطراف المعنية بالحرب دون التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب التي أدت الى تدهور الوضع الإنساني بشكل مريع.
وساهمت أطراف الحرب جميعها في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية.
أدت العمليات القتالية إلى زيادة المعاناة الإنسانية للسكان غير المعنيين بالنزاع المسلح سواء تردي الخدمات الأساسية أو تفشي وباء الكوليرا والدفتيريا وأمراض أخرى، بجانب المجاعة أو سوء التغذية وشحة الدواء، بالتوازي مع النزوح هربا من القتال.
وتسبب استمرار الحرب الأهلية في إلحاق خسائر بالمدنيين ودخول البلاد في أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل وإصابة أكثر من 15 ألفًا من المدنيين من طرفي الحرب، فضلا عن تفشي المجاعة بين الأطفال خصوصا، حيث يموت طفل يمني كل عشر دقائق، بحسب أحدث تقرير لمنظمة الونيسيف.
كما أن تدمير القطاع الصحي في اليمن بسبب الحرب زاد من صعوبات معالجة حالات الإصابة بالكوليرا والدفتيريا وأمراض أخرى.
وفي مايو/أيار 2017 سجلت الجهات الطبية ومنظمة أطباء بلا حدود أول حالة إصابة بداء الكوليرا، وتشير تقارير إلى أن أكثر من 1.1 مليون حالة تم الإبلاغ عنها، من بينها 2300 حالة وفاة على الأقل.
ووثق التقرير السنوي الذي يصدر باسم الأمين العام للأمم المتحدة عن الأطفال والصراعات المسلحة وفاة 552 طفلا في اليمن خلال عام 2017 جراء نقص المساعدات الإنسانية وصعوبة الوصول إلى المحتاجين لها.
نفس التقرير الأممي أشار إلى أن التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات تسبب بقتل وجرح ما لا يقل عن 670 طفلا، وأن جماعة الحوثي مسؤولة عن قتل وإصابة 324 طفلا يمنيا.
أدى القتال في الحديدة وبالقرب منها خلال الأشهر القليلة الماضية إلى تضرر في البنية التحتية الأساسية وتعطل وصول الواردات الغذائية الأساسية والتجارة عبر ميناء الحديدة الذي يستوعب ما لا يقل عن 70 بالمائة من واردات الغذاء الخارجية، وهو أيضا ميناء حيوي لوصول المساعدات الخارجية.
وتستورد اليمن بشكل عام، أكثر من 90 بالمائة من احتياجاتها الغذائية والدوائية.
لا يزال نحو 22.4 مليون شخص في اليمن بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية؛ وتشير تقديرات إلى أن أكثر من 425 ألف شخص غادروا منازلهم في محافظة الحديدة بعد إعلان التحالف الدولي بدء عملية عسكرية للسيطرة على المدينة في يونيو/حزيران 2018، وهؤلاء الأكثر عرضة للإصابة بمختلف الأمراض لافتقارهم الشديد إلى مرافق الصرف الصحي وصعوبة الوصول إلى المياه الصالحة.
وأفادت وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من نصف مليون شخص قد نزحوا بسبب تجدد القتال في مدينة الحديدة منذ 27 يوليو/تموز 2018، وأن ما لا يقل عن 450 مدنيا قتلوا خلال العشرة أيام الأولى من أغسطس/آب.
تبنت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في 29 سبتمبر/أيلول 2017 قرارا بإنشاء مجموعة من الخبراء الدوليين والإقليميين لرصد حالة حقوق الإنسان في اليمن.
وبحسب تقرير لمجموعة الخبراء في مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة نهاية أغسطس/آب 2018، وصل عدد القتلى المدنيين منذ مارس/آذار 2015 لغاية 23 أغسطس/آب 2018 إلى 6600 شخصا و10563 جريحاً، في حين يرجح أن تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك بكثير.
ووفقا للتقرير، فان ما لا يقل عن 8.4 مليون يمني يعيشون على حافة الموت جوعا، و14 مليونا آخرين بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، أي نحو 22.4 مليونا يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع سكان اليمن.
ولم يتحدث التقرير عن المعاناة الإنسانية بوصفها إفرازًا ثانويًا بعد أربع سنوات من الحرب الأهلية، بل ذهب أبعد من هذا إلى توثيق ارتكاب جرائم حرب.
ومن بين ما توصّل له فريق الخبراء الأممي استنتاج مفاده أنّ أفرادا من الحكومة اليمنية وقوات التحالف بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأفرادا في سلطات الأمر الواقع، ارتكبوا أفعالا قد ترقى إلى جرائم حرب؛ إلاّ أن تأكيد ذلك يبقى رهنًا بتقييم تجريه محكمة مختصّة ومستقلة.
وأصدرت السعودية واليمن والإمارات والبحرين ومصر بيانا مشتركا أكدت فيه "فشل" مجلس حقوق الإنسان في اعتماد مشروع قرار موحد بشأن الأوضاع في اليمن.
كما أصدرت الحكومة اليمنية في 28 سبتمبر/أيلول بيانا قالت فيه أنها سوف لن تتعاون مع لجنة الخبراء والمراقبين التابعة للأمم المتحدة والتي تجري تحقيقات ميدانية في جرائم الحرب، متهمة إياها بـ "تسييس عملها وإظهار التحيز لصالح قوات الحوثي".
وفي 6 سبتمبر/ أيلول، أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن 3.5 مليون شخص إضافي "قد" يصبحون غير آمنين بالأغذية إذا لم تتحسن الظروف.
وحذر منسق الشؤون الإنسانية والإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، في 23 أكتوبر/تشرين الأول، من وجود خطر واضح من مجاعة وشيكة واسعة النطاق تجتاح اليمن.
لوكوك قال أن ما بين 3.5 إلى 4 ملايين يمني قد يعانون خلال الأشهر القادمة من انعدام كبير في أمنهم الغذائي، وأن ثلاثة أرباع الشعب اليمني بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية.
مع التدهور في أسعار صرف العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية واستمرار تراجعها منذ أسابيع، افتقر اليمنيون إلى القدرة على شراء المواد الغذائية التي بالرغم من قلة المعروض منها في الأسواق، لكنها أيضا شهدت ارتفاعا حادا في أسعارها زاد من تعقيد الأزمة الإنسانية وقدرة الإنسان اليمني على البقاء.
وتهدد النزاعات الداخلية السياسية أو العسكرية بين القوات الموالية للحكومة الشرعية بمزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية جراء إطالة أمد الحرب مع جماعة الحوثي وتأخير حسمها لإحلال السلام.
تراجع الوضع الإنساني في اليمن وتدهوره إلى مستويات مقلقة هو نتيجة مباشرة للحرب الأهلية المستمرة منذ أربع سنوات دون التوصل إلى تسوية سياسية.
وأدت الحرب الأهلية إلى تعطيل الجسور وتدمير المستشفيات ومرافق الخدمات الأساسية التي بتعطيلها خلقت أزمات جديدة على صعيد انتشار الأمراض وتفشي الأوبئة بسبب النقص في المياه الصالحة للشرب وسوء التغذية وندرة الدواء.