[ صورة من منتدى الأعمال اليمني التركي (الجزيرة-أرشيف) ]
"لم يكن بيدي سوى ترك كل ما أملك في السعودية بعد أن ضاقت علينا الحال، منذ عشرين عاما أعمل في قطاع الإسكان والمقاولات، لكن الوضع لم يعد كما كان في السابق بالمملكة مع الأسف"، هكذا تحدث رجل الأعمال اليمني محمد إبراهيم الذي انتقل إلى تركيا منذ ثلاثة أشهر.
ويشرح إبراهيم للجزيرة نت الأسباب التي دفعته للمغادرة، ويقول إن أبرزها التشديدات الأخيرة التي فرضتها السلطات السعودية عليه، ويتابع "شركاتي مسجلة باسم الكفيل (مواطن سعودي) لا أستطيع حتى إخراج أموالي عندما أريد، إضافة إلى فرض الرسوم والضرائب الباهظة، فضلا عن تعرضنا للابتزاز من الكفيل بين الفترة والأخرى، كل ذلك لم نعد نقدر على تحمله".
ويعمل محمد حاليا على ترتيب مشاريعه الجديدة في تركيا، حيث بدأ في الاستثمار بقطاع الثروة الحيوانية وشراء بعض المزارع، إضافة إلى استثمارات أخرى في قطاع العقارات.
هجرة إجبارية
وهناك أكثر من 750 رجل أعمال يمنيا غادروا السعودية مؤخرا إلى تركيا، بحسب مسؤول العمل والاستثمار في الجالية اليمنية بتركيا معاذ الخياط، وأغلبهم اختار قطاع العقارات وكذلك الاستثمار في مجال الثروة الحيوانية (تربية المواشي).
في حين افتتح آخرون مصانع ومعامل للملابس والإلكترونيات، كما أنشؤوا شركات استيراد وتصدير إلى الخليج وأوروبا، في حين هناك الكثير منهم يعكف حاليا على افتتاح المطاعم والمقاهي وتحديدا الذين كانت لهم مشاريع صغيرة في المملكة.
يؤكد الخياط أن أعداد المستثمرين اليمنيين الوافدين من السعودية إلى تركيا تتزايد كل يوم خصوصا مع تحسن أوضاع الليرة التركية وكذلك القرارات الأخيرة، التي أعلنتها تركيا في منتصف أبريل/نيسان الماضي وخفضت من خلالها مبالغ الاستثمار مقابل الحصول على الجنسية، حيث صار بإمكان أي أجنبي شراء عقار بـ250 ألف دولار ولا يبيعه لثلاث سنوات ويحصل على الجنسية بعد شهرين من شراء العقار.
وليست تركيا الوجهة الوحيدة التي انتقل إليها المستثمرون اليمنيون من المملكة، ولكن هناك المئات من رجال الأعمال الذين توجهوا إلى إثيوبيا ومصر والسودان والأردن، وفق ما يؤكده الباحث الاقتصادي اليمني حسام السعيدي للجزيرة نت.
ويرى الباحث السعيدي أن الاقتصاد المتدهور في اليمن هو أولى بتدفق تلك الأموال التي تقدر بعشرات المليارات، في وقت يستمر فيه رجال الأعمال اليمنيون في استثمارها بالخارج، ويجب أن تتوفر الفرصة المناسبة لهم من أجل تشغيلها في بلادهم.
ويفيد السعيدي بأن قرارات الرسوم التي فرضتها السعودية وتوطين المهن التي أجبرت اليمنيين على العودة إلى بلدهم انعكست على تدفق الحوالات بالعملات الصعبة إلى الداخل اليمني، وخسرت الكثير من الأسر اليمنية مصدر دخلها بشكل كامل.
خيار العودة
في المقابل كان خيار المغترب اليمني فؤاد القدسي مختلفا، فقد عاد منذ سبعة أشهر إلى مدينته تعز حيث قام بافتتاح مشروعه الخاص (محل للملابس)، يقول محمد للجزيرة نت "لدي خمسة أبناء كانوا على وشك التوقف عن الدراسة بسبب عجزي عن تسديد الرسوم الشهرية، أنا مقتنع تماماً الآن وأشعر برضى واطمئنان داخل بلدي ومدينتي".
الأمر ذاته كان خيار الخمسيني عبد الله العديني الذي قضى أكثر من ثلاثين عاما في السعودية وغادرها بشكل نهائي للأسباب نفسها قبل أشهر، وهو يعمل حاليا على إنجاز مشروعه الاستثماري الخاص "بناء فندق" في مدينة إب وسط البلاد وفقا لحديثه في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت.
وهناك العشرات من التجار والمستثمرين الذين غادروا السعودية إلى اليمن، بحسب مصدر في الغرفة التجارية في العاصمة المؤقتة عدن، يعملون حالياً على افتتاح مصانع صغيرة ومحلات تجارية في مختلف القطاعات، ويتوزعون على عدد من المحافظات اليمنية المستقرة وفي مقدمتها مأرب وحضرموت وتعز.
حلول بطيئة
ويؤكد وزير المغتربين اليمنيين علوي بافقيه في حديث خاص للجزيرة نت أن هناك أكثر من مليون و350 ألف مغترب يمني يحملون الإقامة النظامية في السعودية، إضافة إلى 463 ألف يمني يحملون هوية زائر، دون احتساب الذين نزحوا إليها منذ بدء الحرب في البلاد.
ويشير الوزير إلى أن غياب إحصائيات رسمية لأعداد المغتربين والمستثمرين اليمنيين الذين غادروا السعودية خلال المدة الأخيرة، ولكنه أفاد بأن هناك أكثر من 170 ألف يمني تم ترحيلهم من السعودية خلال المدة الماضية نتيجة أسباب متفرقة بينها مخالفات قانونية.
ولفت الوزير بافقيه إلى أن الأسباب الحالية في اليمن تجعل الكثير من المستثمرين متخوفين من إنشاء مشاريع داخل البلاد، وأبرز مخاوفهم تتصل بالأوضاع الأمنية والاقتصادية غير المستقرة.
وفي رده عن الجهود التي بذلتها الحكومة في معالجة أوضاع اليمنين في المملكة، أوضح بافقيه أنهم قاموا بتقديم العديد من المقترحات للسلطات السعودية ووزارة العمل في المملكة، وطلبوا من خلالها مراعاة الظروف الصعبة التي تشهدها اليمن، ومحاولة استثناء المغتربين من الإجراءات الأخيرة، ولا يزال ذلك قيد الدراسة والنقاش.