[ الدراجات النارية تنتشر بكثرة في الحديدة بوصفها وسيلة مواصلات عامة ]
أبو ريان التهامي شاب يمني في مقتبل عمره، لكنه يحمل هموم رجل ستيني، غادر فوق سيارة أجرة محافظة الحديدة مع زوجته وطفلتيه، هربا من نار الحرب التي تشهدها الحديدة، المدينة الإستراتيجية بمينائها الأهم على مستوى اليمن.
دفعته لظى الحرب مجبرا للنزوح إلى العاصمة صنعاء، حيث كان يظن أن وضعه المعيشي سيتغير للأحسن، بعدما رأى كثيرا من أبناء مدينته اتجهوا إليها، إلا أن رمضاء النزوح المصحوبة بالفقر والبطالة والحاجة جعلته يشعر بالاغتراب وهو وسط معارفه وفي عاصمة بلده.
يعتمر شالا فوق رأسه، ويلبس معطفا من الصوف حول جسده اتقاء برد صنعاء وهو ما زال في النهار، هو كغيره من أبناء مناطق تهامة لا يحتملون برد صنعاء، كما لا يحتمل أبناء الهضبة وسط اليمن حرارة تهامة المحرقة؛ فالطقس أحد أوجه المعاناة والتحدي الأهم في التأقلم على المعيشة في صنعاء.
يعترف بأن طقس صنعاء المعتدل صيفا، والبارد شتاء هو الفارق الذي شعر به وأسرته، لكن ذلك لا يعني نسيان حنينه إلى الحديدة عاصمة تهامة، ذلك الإقليم اليمني شديد الحرارة، وأرض أصحاب القلوب الطيبة وسلة غذاء اليمن، وساحلها الكبير على البحر الأحمر، وميناؤها الأهم لكل اليمنيين.
قبل نحو شهر ونصف الشهر قرر مغادرة منطقته القريبة من مسرح الاشتباكات، حيث سيطرت قوات العمالقة والمقاومة التهامية على قوس النصر المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، وقطعت طريق صنعاء-الحديدة، وهو خط إمداد رئيسي لقوات الحوثيين الذين باتوا شبه محاصرين داخل الحديدة.
شريان البلد
وأصبح كثير من السكان بين رحى قذائف طرفي الحرب، ولم يبق لهم إلا المدخل الشمالي للدخول والخروج منه باتجاه صنعاء، الذي أعلنت قوات التحالف السعودي الإماراتي اعتباره ممرا إنسانيا للإمداد الإغاثي والإنساني لأهالي الحديدة، وطريقا لنزوح المدنيين الذين يخشون أن تستعر نار المعارك، في ظل تردد أنباء عن قرب اقتحام المدينة من قوات الشرعية.
وتقدر منظمات دولية عدد النازحين من محافظة الحديدة بنحو 150 ألفا، منذ رمضان الماضي، بعدما وصلت قوات الشرعية إلى مطار المدينة الدولي، وسيطرت على قرية منظر ووصلت لمنصة العروض جنوب المدينة.
ويبلغ عدد سكان محافظة الحديدة نحو ثلاثة ملايين نسمة، وتبلغ عدد مدنها الثانوية 26 مديرية، وتضم مئات القرى والعزل، بينما يقدر ساكني الحديدة مركز وعاصمة المحافظة بنحو مليون نسمة، وبها مطار دولي، وفيها أهم ميناء باليمن، حيث يزود البلاد بما نسبته 80% من البضائع والسلع الضرورية والتجارة الداخلية، ويستقبل أغلب سفن الإغاثة والمساعدات الإنسانية.
ثمن النزوح
وللنزوح ثمن باهظ كما يقول عامر المشرقي، الذي كان يعمل على دراجة نارية ليعول أسرته المكونة من تسع أنفس، لكنه بات يبحث عن عمل جديد في صنعاء لتوفير لقمة عيش كريمة لعائلته.
ويضيف أن أزمة المشتقات النفطية وارتفاع سعر غالون البترول سعة عشرين لترا من ثمانية آلاف ريال إلى الضعف؛ جعلا الحياة لا تطاق، فأسعار المواد الغذائية باهظة، حتى بات السكان عاجزين عن شراء الحليب للأطفال، خاصة في ظل عدم تلقيهم أي مساعدات إغاثية.
ما يقلل مأساة النازحين من الحديدة هو أنهم معتادون على قيادة الدراجات النارية كوسائل مواصلات لنقل الركاب في شوارع صنعاء، وقبل ذلك بالحديدة، حيث يعتمد عليها كثيرون في تدبير الدخل اليومي وتوفير لقمة عيش لأسرهم بعيدا عن ذل السؤال.
لكن ما يحز في النفس، بحسب كثير ممن تركوا منازلهم بالحديدة، أنها صارت نهبا للسرقة، بعد أضحت المدينة التي كانت لا تنام خاوية على عروشها، وقطعت شوارعها الرئيسية الخنادق والمتاريس، وأغلقت طرقها الثانوية بالحواجز الخرسانية والترابية، كما يخشى المشرقي على منزله من أن تطوله قذائف الحرب.
ورغم الحالة المأساوية التي يكابدها النازحون وتشردهم من مناطقهم، وعدم وجود مخيمات تستقبلهم -كما هي الحال في بلدان أخرى- إلا من بعض المدارس التي تأوي الآلاف من مختلف المحافظات، واضطرارهم لاستئجار الشقق والمنازل؛ فإن التفاؤل بانتهاء الحرب قريبا ما زال أملهم الوحيد بعودتهم لحياتهم الطبيعية.