[ أزمة الوقود في اليمن والرجوع للاحتطاب ]
"الحطب غالي.. الحطب غالي" يكررها الحاج علي العتمي بلهجة سريعة تنم عن زيادة الطلب على حزم الأخشاب الصغيرة المكومة بباب متجره، بعد أن حلها اليمنيون محل الغاز المنزلي شبه المنعدم، في محاولة للتغلب على الأزمات التي تعصف بهم، في بلد تصنفه الأمم المتحدة بأنه يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
العتمي الذي استحدث مؤخرا قسما لبيع الحطب في متجره يوضح "من كم نجيب لك؟! نوعية الحزمة منها بأربعمئة ريال (0.55 دولار) ونوعية أخرى بستمئة (0.82 دولار) هذاك (يشير بيده) حطب جودة أفضل وهذا أقل، واللي يعجبك خذه".
وخارج المتجر تقلّب امرأة بيدها حزم الحطب، وبالأخرى تقبض على يد طفلها حتى لا تغفل عنه ويتجه نحو السيارات المنطلقة في شارع الحصبة وسط العاصمة صنعاء، وبعد وقت اكتفت بشراء حزمتين ذواتا الجودة الأفضل.
أزمة غاز
يقول العتمي -وهو يستلم نقودا من المرأة التي حاولت مساومته في السعر- إن أسعار الحطب ارتفعت بسبب زيادة الإقبال عليه بعد انعدام الغاز المنزلي وتحول الآلاف من اليمنيين في المدن والقرى لاستخدامه في الطهي.
وتشهد صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين شحة في غاز الطهي دفعتهم إلى تقنين صرف أسطوانات الغاز بالسعر الرسمي المقرر بـ 3200 ريال (4.3 دولارات) للأسطوانة، وفق مراسل الجزيرة نت.
ويُحكِم مسلحو الحوثيين سيطرتهم على صنعاء ومحافظات الحُديدة والمحويت وريمة وحجة وأجزاء من تعز (غرب) وإب وذمار وأجزاء من البيضاء (وسط) وأجزاء من الجوف (شمال شرق) إضافة إلى صعدة وعمران (شمال).
وكل ثلاثة أسابيع تصرف أسطوانة واحدة لكل أسرة، ليتجه بعض السكان وملاّك المطاعم والسيارات التي تعمل بالغاز للشراء من السوق السوداء التي يصل سعر الأسطوانة الواحدة فيها إلى نحو عشرة آلاف ريال (13.7 دولارا) على الأقل.
وتعود أزمة انعدام الغاز إلى الطلب المتزايد عليه من قبل السيارات والمركبات الصغيرة التي حُولت محركاتها للعمل به عوضا عن وقود البنزين الذي ارتفع هو الآخر إلى 14 ألف ريال بعد أن كان عند ثمانية آلاف حتى منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، حسبما يقول لطف الخولاني أحد موردي الغاز.
ويضيف الخولاني للجزيرة نت أن "العدوان السعودي الإماراتي حاصرنا، وحرمنا من أبسط المقومات الأساسية، فزيادة الطلب على الغاز ارتفعت إلى ثلاثة أضعاف، وبالمقابل قلصوا إمدادنا بالغاز".
الحطب بديلا
في سوق "الوايتات" أمام بوابة مطار صنعاء شمالي المدينة، تتكوم أخشاب كبيرة جعلت السكان الفقراء يستعينون بها لمواصلة حياتهم، خصوصا مع قدوم الشتاء حيث تنخفض فيه درجة الحرارة إلى 5 درجات مئوية.
"أزماتنا أصبحت عادة وليست استثناء، ونحن اليمنيين نتكيّف مع الأوضاع، ولن يحدث أكثر مما يحدث لنا، سنتجه للحطب وخلاص" يقول عبد القوي بهشم صيدلاني يعمل بالراتب الشهري.
بهشم أكد للجزيرة نت أنه يعتمد منذ مدة طويلة على الحطب بديلا عن الغاز كونه أقل تكلفة ويغني عن متاعب البحث عن أسطوانة غاز، بالإضافة إلى أن الحطب يضفي نكهة مختلفة للأطعمة المطبوخة به (مازحاً).
لكن الصيدلاني -وهو أب لأربعة أطفال- يشكو من تضاؤل حزم الحطب خلال الأسبوعين الماضيين.
وفقد اليمنيون -مع الانحدار بالوضع المعيشي الصعب- القدرة على شراء الحطب أيضا، ليجبرهم ذلك على احتطاب الأشجار التي تزيّن بعض شوارع المدينة، والأشجار بجامعة صنعاء، حسب إفادات سكان محليين للجزيرة نت.
لا حلول
والغاز مورد محلي يُستخرج من حقول الغاز شرقي اليمن، ويُكلف سعر أسطوانة الغاز من شركة "صافر" (حكومية) نحو 1200 ريال (1.6 دولار) وإضافة إلى أجور النقل فإن الحد الأعلى لسعر الأسطوانة يبلغ 2000 ريال (2.7 دولار) حسب ما يقول الخولاني.
لكن يبدو أن أزمة الغاز المنزلي قد تطول أكثر مع غياب أي مؤشرات لحلحلة الأزمة، بالموازاة مع تزايد الطلب، وفق تقرير لجنة التنمية والنفط والثروات المعدنية بالبرلمان الخاضع للحوثيين بصنعاء.
ويقول التقرير إن الشركة اليمنية للغاز (التابعة للحوثيين) لم تعمل على استيراد كميات من مادة الغاز عبر ميناء الحديدة.
يأتي ذلك في وقت يحتجز مسلحون حوثيون عشرات الناقلات في محافظة البيضاء كانت قادمة من مأرب باتجاه صنعاء.
في المقابل، اتهم مصدر بالحكومة الشرعية الحوثيين بالتسبب في معاناة اليمنيين، وقال للجزيرة نت إنهم يصرون على صناعة الأزمات الإنسانية لإذلال السكان.
ويضيف المصدر الحكومي أن احتجاز الشاحنات في محافظة البيضاء منذ أكثر من شهر فعل متعمد لصناعة أزمة وبيع الغاز بالسوق السوداء بأسعار تصل إلى 300%.