[ صاروخ باب المندب.. رسالة سليماني لترامب عبر السعودية ]
"البحر الأحمر لم يعد آمنا للقوات الأميركية"، كان هذا أول تعليق من قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بعد ساعات من إعلان السعودية وقف تصدير نفطها عبر مضيق باب المندب عقب استهداف الحوثيين ناقلة نفط سعودية بصاروخ أمس الأربعاء.
وتصريحات سليماني تنقل ما شهده باب المندب أمس الأربعاء للمربع الأول المتعلق بصراع بلاده مع الولايات المتحدة التي تستعد لفرض عقوبات وصفتها بـ"الأكثر قسوة في التاريخ" وتستهدف بالأساس منع إيران من تصدير نفطها.
ورسائل إيران جاءت بعد ساعات من صاروخ باب المندب، والتي فسرها سليماني بوضوح بعد أن هدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مؤكدا أن واشنطن يمكن أن تبدأ الحرب "لكن نهايتها لن تكون بيده أو بقرار أميركي".
والرد الإيراني جاء عمليا هذه المرة عبر استهداف جماعة الحوثي الموالية لها ناقلة النفط السعودية، وهو ما قرأ فيه مراقبون أنه "تمرين ساخن" تنفذ فيه إيران تهديداتها بعد أن أكد رئيسها حسن روحاني هذا الشهر أن منع بلاده من تصدير النفط يعني أن لا نفط سيصدر من المنطقة برمتها، وهي التصريحات التي أيدها المرشد علي خامنئي وصفق لها كافة الجنرالات في طهران.
باب المندب قبل هرمز
وفيما كانت الأنظار تتجه إلى تهديدات إيران لمضيق هرمز الذي تمر منه معظم صادرات النفط الخليجي وما رافقها من تبادل التهديدات بين القادة العسكريين الإيرانيين والأميركيين جاء صاروخ الحوثيين في باب المندب ليغير قواعد اللعبة التي تزداد سخونة كلما اقتربنا من تاريخ بدء العقوبات الأميركية في الرابع من الشهر المقبل لتصل ذروتها في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل عندما تستهدف قطاع النفط الإيراني.
وربما يلخص صاروخ باب المندب ما آلت إليه ورطة السعودية والإمارات في حرب اليمن، والتي وصلت حد عدم قدرة الرياض على تأمين صادراتها النفطية عبر المضيق، إذ كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلن عام 2015 أن أهم أهداف الحرب تأمين المضيق الذي يعتبر رابع أهم ممر تجاري دولي بعد مضيقي هرمز وملقا وقناة السويس.
وأهمية باب المندب أيضا تكمن في أنه ممر لنحو خمسة ملايين طن من النفط يوميا، ونحو 10% من تجارة الغاز الطبيعي المسال في العالم، لكن طبيعته الجغرافية تجعله سهلا لاستهداف السفن التي تمر فيه، حيث لا يتجاوز عرضه عشرين كيلومترا في ممر يربط البحر الأحمر ببحر العرب، ويعتبر ممرا رئيسيا لقناة السويس التي يمر منها 12% من حجم التجارة العالمية.
ماذا تريد السعودية؟
وعلى النسق ذاته، يبدو أن السعودية تتجه إلى استثمار صاروخ باب المندب لتسخين المواجهة الأميركية الإيرانية من جهة، ومحاولة استعادة جزء من الدعم الدولي الذي فقدته لحربها في اليمن من جهة أخرى، مما أدى إلى منع استكمال هجومها على ميناء الحديدة الإستراتيجي.
فغداة قرارها وقف تصدير النفط أعلنت السعودية عن ترؤس الأمير محمد بن سلمان اجتماعا لمجلس الشؤون السياسية والأمنية. وبحسب وكالة الأنباء السعودية، فإن الاجتماع ناقش إيجازا سياسيا وأمنيا بشأن عدد من الموضوعات، إضافة إلى جملة التطورات والأحداث الإقليمية والدولية، دون أن تذكر تفاصيل عن طبيعة تلك المواضيع.
ولا يستبعد مراقبون سعوديون تحدثوا عبر وسائل إعلام سعودية أن تتخذ بلادهم وربما دول أخرى في المنطقة قرارات أخرى تتعلق بوقف حركة التجارة عبر مضيق باب المندب، حيث نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول كويتي أن بلاده تدرس وقف صادرات ناقلاتها عبر باب المندب.
أسعار النفط
والرسائل السعودية التي بدأت تصدر عن الرياض وتوجه إلى العالم مفادها أن التهديد الحوثي لباب المندب سيؤدي إلى خلل في سوق الطاقة العالمي، مما سيؤدي لارتفاع الأسعار واضطراب الأسواق، وهو الأمر الذي تريد منه أن يشكل ضغطا على سيد البيت الأبيض الذي طالب السعودية تحديدا بتخفيض أسعار النفط بعد أن لامس سعر البرميل ثمانين دولارا في الأسابيع القليلة الماضية.
ومنذ إعلان السعودية وقف صادرات نفطها عبر باب المندب ارتفعت أسعار خام برنت بأكثر من 1% لتلامس حاجز الـ75 دولارا للبرميل، وهي أخبار تريد الرياض منها أن تضغط على صانع القرار الأميركي والأوروبي للضغط أكثر على إيران، ومنحها مزيدا من الضوء الأخضر في حرب اليمن.
ويتحدث مراقبون سعوديون عن أن بلادهم قادرة على تجاوز عقدة باب المندب عن طريق تعزيز صادراتها عبر البحر الأحمر عن طريق نقل النفط عبر خطوط تربط منابعه في المنطقة الشرقية بميناء ينبع شمال البحر الأحمر والقريب من قناة السويس.
النفط بعد الصواريخ والحدود
لكن اتجاها آخر من المراقبين قرأ في إعلان السعودية وقف صادرات نفطها عبر مضيق باب المندب بأنه بمثابة إعلان جديد لفشل حربها باليمن، والتي انتقلت لتهديد مدنها بالصواريخ البالستية تارة، والهجمات على حدودها الجنوبية تارة أخرى، وصولا إلى منعها من تصدير نفطها عبر مضيق باب المندب.
وبين الاتجاهين يبدو أن إيران اختارت التسخين مبكرا فوجهت رسائل عبر البريد السعودي إلى الرئيس ترامب الذي يبدو عازما على مواجهة طهران دون تحديد سقف وشكل هذه المواجهة، لكن سليماني وجه له رسالة مفادها أنه المكلف شخصيا بمواجهته، وهي مواجهة يبدو أن صندوق البريد فيها حتى اليوم هو اليمن وشعبه، إضافة إلى السعودية التي بات أمنها ونفطها رهينة له عوضا عن منطقة الخليج التي تبدو طهران حريصة على ربط مصيرها بتهديدات وعقوبات ترامب لها.