النازحون في "اليمن السعيد".. أحزان وآلام
- الأناضول الخميس, 19 أبريل, 2018 - 09:43 صباحاً
النازحون في

[ أرشيفية ]

في غرفة صغيرة، في مدينة جعار بمحافظة أبين، جنوبي اليمن، تعيش حورية علي أحمد الجنيدي، (55 عامًا)، وأولادها المعاقون، في ظروف قاهرة ومؤلمة، بعد أن دفعتهم الحرب إلى ترك منزلهم، في منطقة "الحيكل" بمحافظة البيضاء (وسط).
 
"امرأة"، يخال لك وأنت تنظر إلى حالها وأولادها الأربعة، أفراح، (32 عامًا)، وعلي، (20 عامًا)، وعبد الله، (18 عامًا)، وأميرة صالح أحمد، (13 عامًا) أن كل مصائب الدنيا قد وضعت على رأسها.
تحاول عبثًا منحهم شيئًا من "وهج" الحياة المفقود في أعينهم، تمسح رؤوسهم بيدٍ حانية، وقلب رؤوف رحيم، ولسان حالها يقول: "ليس الحزن وحده هو المكتوب يا أولادي، ولكنه العذاب".
 
تشعر عندما تدلف غرفتها، التي لا تتجاوز (3× 3 أمتار)، التي تبرع بها أهل الخير، أن مستعمرات من الحزن اجتاحت تلك البقعة المغلقة عن كل شيء، إلا من رحمة المولى جل جلاله، حزن جاثم وألم عاصف، وحياة ممزقة بين واقع كثير المنغصات ومشاهد تترى بالملمات، نطقت بها جدران الغرفة العتيقة، قبل الألسنة لتحكي فصل جديد من كتاب عنوانه "المأساة في بلد الإيمان، أحزان وآلام".
 
تكالبت على "حورية"، ظروف الحياة القاهرة؛ وفاة زوجها في حادث سير بالمملكة العربية السعودية قبل 5 سنوات، وإعاقة 4 من أولادها، ولدان وبنتان، ومقتل ولدها السوي الوحيد في أسرتها "علوي" على يد شقيقه المختل عقليًا قبل 3 سنوات.
 
وأعقب ذلك قهر وتشريد ونزوح وضياع؛ جراء الحرب الدائرة في منطقتها، بين جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) من جهة، وقوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، من جهة أخرى، فأصبح الهم همين والألم ألمين.
 
اسودت الدنيا في عينيها يوم وجدت نفسها "طريدة" خارج ديارها تلتحف العناء، وترتشف الشقاء، وأكثر من ذلك أنها "ملزمة" برعاية أولادها "المعاقين"، وهي المحتاجة أصلًا إلى من يرعاها، ويمسح غبار التعب من على جسدها المنهك والمثقل بالكثير من الآلام.
 
قالت حورية، وهي تسرد تفاصيل معاناتها للأناضول: "أعيش وأولادي الأربعة المعاقين ظروفًا قاهرة، ووضعًا مأساويًا ليس له مثيل، حيث فقدت زوجي وقُتل ابني السوي الوحيد، وغادرت منزلي في منطقتي النائية في محافظة البيضاء بسبب الحرب، مع قلة ذات يدي ومرض أولادي وعجزي عن علاجهم".
 
وأضافت: "أولادي كما ترى طريحو الفراش، أجسادًا ساكنة دون حراك، ونظرات زائغة لا تعبر عن شيء، يفتقدون المأكل والمشرب والملبس والدواء، وليس بيدي ما أستطيع تقديمه لهم، سوى البكاء وانتظار ما يجود به الناس علينا".
 
وتابعت: "أبحث يوميًا عما أستطيع به تغطية حاجياتهم الضرورية من حفاضات، وطعام خصوصًا أنهم لا يستطيعون الحركة ولا الكلام، أمسح العذرة (الغائط) من تحت أقدامهم وأغسلهم وأعتني بهم قدر استطاعتي، فليس لهم في الحياة بعد الله الكريم، غيري".
 
تفترش "حورية"، وأولادها المعاقون الأرض كلما خلدوا إلى النوم، لكنها لا تهتم بذلك كثيرًا، بقدر اهتمامها بمأكلهم ومشربهم.
 
ومضت قائلة: "لا يوجد معنا فرش ولا ملاءات ولا حتى وسادة نضع رؤوسنا عليها، لكن الأمر من ذلك كله والأكثر إيلاما، أنه لا يوجد معنا أي نوع من أنواع الأطعمة والمياه".
 
وأردفت: "أشعر أن الأرض ضاقت علي وأولادي بما رحبت، بعد أن أصبحت عاجزة عن توفير أبسط متطلبات الحياة لهم".
 
تشعر وأنت تستمع إلى معاناتها أن جبالاً من الهموم تثقل رأسها، ونارًا من الحزن تلفح جسدها، إذ تحولت البسمة في حياتها إلى دمعة، والسرور مصيبة، والسكينة فزع وكارثة.
 
قد لا تكون حكاية "حورية" المفجعة، وأولادها المعاقين هي الأخيرة، فهناك الكثير من القصص التي تبدو مشابهة ربما اختلفت تفاصيلها، إلا أن الألم يبقى واحدًا والمصيبة مشتركة.
 
رئيس لجنة استقبال وإيواء النازحين في مديرية خنفر بمحافظة أبين، أحمد سيود، قال في حديثه للأناضول، إن النازحين من جحيم المعارك في مديرية خنفر بمحافظة أبين وحدها بلغ أكثر من ألفين وثلاثمائة أسرة.
 
وأشار إلى أن حكاية حورية الجنيدي وأولادها ربما تكون الأبرز، لكن هناك أيضًا الكثير من القصص المؤلمة لعدد من الأسر النازحة التي أجبرتها الحرب على مغادرة أراضيها والاكتواء بنار النزوح والتشرد.
 
وأوضح أن النازحين يعانون من ظروف قاهرة، إذ يواجهون فقدان سبل كسب الرزق والخدمات الاجتماعية الأساسية، حيث هم أكثر عرضة للإصابة بالأوبئة وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
 
ولفت إلى أن "دور المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني، يبدو غائبًا، إلا من بعض التحركات الضئيلة التي لا تكفي ولو بنسبة 10%".
 
ونوّه إلى أن استمرار الحرب زاد من "أعباء السكان بشكل عام، والنازحين بشكل خاص لأنهم تركوا مناطقهم ومنازلهم للنجاة بأنفسهم وأطفالهم".
 
وأضاف: "لم تتوقف معاناة هؤلاء النازحين عند انعدام الأمن الغذائي والصحي فقط، لكن هناك مئات الطلاب الذين حرموا من الجلوس على مقاعد الدراسة".
 
وتابع: في الوقت الذي حرم فيه أكثر من (ألفي) طالب وطالبة من الانتظام في دراستهم بمديرية خنفر وحدها (دون باقي مديريات المحافظة)، نظرًا لظروفهم المادية الصعبة، إلا أننا وبجهود شخصية استطعنا تسهيل عملية التحاق حوالي 200 منهم، بمدارس المديرية المختلفة.
 
وأردف: يعاني النازحون من عدم وجود المأوى المناسب لغالبية الأسر من محافظات صنعاء (شمال)، والحديدة (غرب)، والبيضاء (وسط)، وتعز (جنوب غرب).
 
وزاد: لجأت غالبية الأسر إلى افتراش العراء والمبيت تحت الأشجار، وهم عرضة للأجواء المناخية المتقلبة؛ فضلًا عن نقص في المواد الغذائية والأدوية، كما أنهم يفتقدون لكل الإمكانات البسيطة التي تساعدهم على العيش في أدنى صوره.
 
قد تبدو قصص النزوح وأخبار التشرد، "اعتيادية" في بلد غادرته الطمأنينة منذ زمن، لكن حالة "حورية" وأولادها، تشكل واقعة مؤلمة لكل من شاهدها، وأطلع على تفاصيلها، وهي تعبير حقيقي، عن سوء الحال الذي وصلت إليه الأوضاع في البلد الذي كان يسمى إلى وقت قريب "اليمن السعيد".
 
ووفقًا لتقارير أممية، تسببت الحرب المتصاعدة منذ 3 سنوات في تشريد 3 ملايين نسمة داخليًا، فضلًا عن تدهور حاد في الاقتصاد، وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية وحرمان مئات الطلاب من تعليمهم.
 
ومع دخول الحرب عامها الرابع، يأمل اليمنيون أن يلتفت أطراف الصراع لمعاناتهم ووضع حدٍ للنزاع؛ تفاديًا لمزيد من التدهور في الأوضاع الإنسانية، وذلك بالجلوس على طاولة مفاوضات الحل السلمي.


التعليقات