[ يحكم المجلس الانتقالي الموالي للإمارات سيطرته على معظم محافظات الجنوب ]
يكشف تحرك الانفصاليين الميداني في جنوبي اليمن وسيطرتهم على عدن، عاصمة الحكومة بحكم الأمر الواقع، النقابَ عن التصدُّعات العميقة وتبدل الولاءات، في البلد الذي تعصف به الحرب.
وانتهت معركة دامية اندلعت من أجل السيطرة على مدينة عدن الجنوبية، حيث مقرّ حكومة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، باستيلاء انفصاليين مدعومين بقوات مدربة من الإمارات عليها هذا الأسبوع.
وتقود الإمارات العربية المتحدة والسعودية تحالفاً عسكرياً، قاتَلَ دعماً لحكومة هادي وحلفائها الجنوبيين منذ العام 2015، في حرب ضد المتمردين الحوثيين المنحدرين من الشمال، خلَّفت أكثرَ من 9200 قتيل.
وركَّز الموقف الرسمي للرياض وأبوظبي على الدعم غير المشروط لهادي الذي يعيش في المنفى بالعاصمة السعودية منذ 2015.
لكن خلف الكواليس، ووفقاً لمصادر مقربة من الانفصاليين وواشنطن، قد يكون التحالف يشعر بخيبة أمل متزايدة حيال هادي، الذي لم يتمكن من بسط سلطة حكومته على الجنوب.
ويرى الباحث في معهد "شاتهام هاوس" فارع المسلمي، أنه "قد يكون كلاماً يصعب تصديقه إذا قلنا إن هذه نهاية حكومة هادي (...)، لكنني أعتقد أنه يمكن القول إن هذه نهاية اليمن الموحد".
وأضاف "لا يعني ذلك بالضرورة بدء قيام دولة اليمن الجنوبي، لكنها نهاية (...) شهر العسل السياسي غير المريح في الحرب اليمنية".
ويجسّد موقف الإمارات والسعودية من هادي أبرز محطات التقارب المنتهي، بحسب المحللين.
"رواية تتنافى مع الواقع"
تاريخياً، لدى الإمارات خبرة عسكرية أكثر من تلك التي تملكها السعودية، إذ كانت أرسلت قواتها إلى كوسوفو في تسعينات القرن الفائت، وتعاملت عن قرب أكثر مع الجيش اليمني.
وقال مدير برنامج الخليج في معهد واشنطن سايمون هندرسون، إن "التحالف السعودي الإماراتي كان يدفع برواية تتنافى مع الواقع".
وأضاف "الواقع على ما يبدو هو أن الإمارات باتت ساخطةً من هادي، وترسم خططها الخاصة من أجل الجنوب".
ويعيد انهيار التحالف الجنوبي الذي يأتي بعد أقل من شهرين من مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح جراء نزاع مع الحوثيين -حلفائه السابقين- رسمَ خارطة العلاقات التي هيمنت على المشهد اليمني، على امتداد الحرب الأهلية.
لكن سقوط التحالف اليمني الجنوبي الذي ضمَّ حكومة هادي وفصائل جنوبية كان متوقعاً قبل وقت طويل من وقوع الاشتباكات في عدن، الأسبوع الماضي.
وتحدَّثت وثيقة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، يعود تاريخها إلى 31 أغسطس/آب 1988، أزيلت السرية عنها، وحذفت منها المعلومات الحساسة عن "الانقسام المزمن في القيادة في عدن"، الذي يعود إلى ما قبل توحيد الشمال والجنوب عام 1990.
وفي أبريل/نيسان العام الماضي، أقال هادي وزير الدولة هاني بن بريك ومحافظ عدن عيدروس الزبيدي، الذي بات حالياً رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي تتألف هيئة رئاسته من 25 مسؤولاً سياسياً وعسكرياً من الانفصاليين.
وفي يناير/كانون الثاني، أصدر المجلس الانتقالي الجنوبي بياناً يدعو إلى "التحرير الكامل لكل المناطق في الجنوب العربي من القوات المحتلة والغازية" (من الشمال)، وإلى استقلال "دولة مدنية في الجنوب".
لكن لا يزال من الصعب معرفة مدى قدرة المجلس على الاستمرار والسيطرة.
وقال هندرسون "في الوقت الحالي، يبدو المجلس الانتقالي الجنوبي وكأنه يدعم كلامياً حكومة هادي، وفكرة يمن موحد. لكن يبدو أن الانقسام يزداد في البلاد بين شمال وجنوب والحوثيين وهادي".
عين على الغرب
لكن لا شك أن هذا التشظي أكثر تعقيداً من الانقسام بين الحكومة والمتمردين.
ويضم جنوب اليمن الفقير رغم غناه بالنفط سلسلة من الموانئ على امتداد خليج عدن والبحر الأحمر، ويشكل معقلاً لانفصاليين من خلفيات ومعتقدات متباينة.
فهناك تنظيمات إسلامية على غرار "قاعدة الجهاد في جزيرة العرب" وتنظيم الدولة الإسلامية، فضلاً عن جيش درب في الماضي، ويوالي قوى وطنية ودولية.
وتدخل على خط هذه الانقسامات الولاءات القبلية، التي لطالما هيمنت على محافظات اليمن، بما فيها عدن التي كانت حتى العام 1989 عاصمة دولة اليمن الجنوبي، ومركز الحكومة بعد العام 2014.
وكان الجنوب الذي اعتبر معقلاً للمجموعات الاشتراكية والماركسية-اللينينية مسرحاً لانقلاب يساري فاشل عام 1986، أسهم في إفساح الطريق أمام الوحدة عام 1990 في عهد صالح، الذي بقي في السلطة حتى 2012.
ومنذ ذلك الحين، عانى الجنوب من الإهمال والتهميش، وهو ما لم يتغير في عهد هادي، المنحدر أصلاً من جنوبي اليمن.
وانتهت الأحد المهلة التي حدَّدها الزبيدي لهادي لتطهير حكومته "الفاسدة"، ما أشعل المواجهات التي سيطرت قوات الأول خلالها على عدن هذا الأسبوع، بدعم من قوات مدربة من الإمارات أطلقت عليها تسمية "الحزام الأمني".
لكن الزبيدي امتنع هذا الأسبوع عن إعلان أن هدف مجلسه هو تحقيق استقلال الجنوب، مشيراً إلى أنه سينتظر "رداً إيجابياً" من المجتمع الدولي.
ويسعى المجلس الانتقالي حالياً إلى فتح مكتب في واشنطن، على أمل الحصول على اعتراف من المجتمع الدولي.
وأشار قياديان في المجلس إلى أنه أرسل وفداً إلى العاصمة الأميركية، معتبرين أنها محاولة للحصول على ترخيص لفتح مكتب. لكن وزارة الخارجية الأميركية لم تؤكد وجود محادثات مع المجلس.